«سكتة قلبية» لـ «منصور نصر».. التسويغ أكثر من التغريب
يحاول عرض «سكتة قلبية» (مسرح القباني 10- 15 تشرين الأول)، الذي كتبه وقام بأدائه «جهاد عبيد»، إبعاد الفهم المتداول عن مسرح المونودراما؛ مُجدّداً قدرة هذا النوع من العروض على تحقيق سرد مغاير عن الحرب السورية؛ فبعيداً عن السائد في مسرحيات الممثل الواحد؛ نقل «عبيد» عبر تشاركه مع مخرج العرض «منصور نصر» مستويين من الفرجة؛ الأول تجلّى من خلال القص التقليدي لحكاية «أبو إسماعيل» المحارب الميت إثر إصابته بنوبة قلبية؛ بينما تمثل المستوى الثاني عبر التعليق على حكاية هذا الرجل المتورّط في خوض حربٍ وجد نفسه فجأة في أتونها؛ منصاعاً لمعاركها العبثية.
«سكتة قلبية» الذي أنتجته مؤسسة «مواطنون فنانون» بالتعاون مع «مديرية المسارح والموسيقى»، انحاز عبر ساعة وربع الساعة من الزمن إلى ما يشبه الأداء الجسدي الحار لأزمة إنسان محاصر بين لحظتي الموت أو الصعود إلى الجنّة؛ كونه لم يحصل على لقب «شهيد» بعد قتاله على جبهات متعددة؛ فقلبه الذي توقّف عن العمل خذله في اللحظة الأخيرة، تاركاً إياه نهباً لمصير مجهول، فلا الموت مؤكد ولا الفردوس الموعود تحقق؛ وحتى الحياة تبدو شبه مستحيلة في هذه الفرضية الساخرة التي بناها «عبيد» عن مرارات أنضجتها أعوام الحرب الخمسة؛ فعدم قدرة «أبو إسماعيل» على فهم ما يجري من حوله، جعله إنساناً مفقوداً من كل سجلات الضحايا؛ لا كمثل رفاق السلاح الذين «هنئوا» بموتهم بطلقة أو قذيفة أو تفجير؛ فتركوه عالقاً في منطقة مجهولة بعد وفاةٍ طبيعية لا تخوّله لنيل حورياته المُنتظرات.
من هنا كان على «أبو إسماعيل» أن يتفقد عالمه الجديد بعد الموت؛ مبقياً على علاقة وهمية مع بندقيته وجهازه اللاسلكي؛ فالأوامر ما زالت ترِد إليه من غرفة العمليات حتى بعيد موته؛ لعلّها تخبره بوجهته الجديدة؛ أو توصل له ـ في ما لو كان حيّاً - بعض المؤن ومياه الشرب.
مفارقة تم تمديدها عبر الرجوع إلى ماضي الشخصية التي نحتها «عبيد» عن الخوف والوهم في زمن الحصار الدامي، عائداً بالجمهور إلى طفولة معذّبة عاشها «أبو إسماعيل» بعد وفاة والدته؛ وبقائه رهناً لمزاجية زوجة أبيه التي كانت تضربه بخرطوم الماء؛ وتمزق له دفاتره وفروضه المدرسيّة؛ مجبرةً إياه على القيام بكل الأعمال المنزلية.
بدا ذلك كمحاولة لتبرير العنف؛ بردّه إلى ذاكرة ميلودرامية أقرب إلى حكاية «ساندريلا» منها إلى مقاتل سكت قلبه فلم ينل بموته الطبيعي صكاً للعبور إلى الفردوس المنشود؛ لتأتي قصة الانتقام من زوجة الأب كمعادل موضوعي لعاقبة ضياع الذات واختلال هويتها وجدوى حياتها؛ دون أن يكون لهذه الشخصية من موقف يذكر؛ سوى في محاولة الانتحار بعد الموت.
راوح الممثل بحركته على الخشبة بين أغراضه: «الميزان المعطّل - الكتاب في عمق الخشبة - جهاز الاتصالات المشوّش»، تاركاً للتعليق على القصة مهمة مضاعفة لإيجاد الأعذار لشخصية بدت منهكة ومهزومة في زمن أصاب العطب فيه كل شيء حتى موازين العدالة، ليتحول التعليق إلى نوع من التسويغ في مواضع كثيرة، وكشرح مفردات للعرض؛ أكثر منه تغريباً وأخذ مسافة بين اللعبة المسرحية و الجمهور؛ لا سيما في استناده أكثر فأكثر إلى مقطوعات موسيقية، «انتقاها يامن خميس»، وفواصل من إضاءة «بسام حميدي» جعلت العرض يخضع لأسلوب «النمرة» بدلاً من انسيابه وتحققه كجسم مسرحي واحد.
من جانبٍ آخر، حافظ أداء الممثل على فكرة تقليد أصوات الشخصيات المُستحضرة: «رفاق السلاح، القائد، معلّم المدرسة، الأب وزوجته»؛ متماهياً بذلك مع أسلوب «المُخاطب الغائب» في عروض المونودراما التي لا تعوّل على الأبعاد النفسية للشخصية المؤداة؛ بقدر انشغالها في تلوين الصوت ونبراته والتنويع على إيماءات الممثل؛ لمحاكاة الشخصيات الغائبة؛ وكتعويض عن غياب الحوار في عروض الممثل الواحد.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد