«داعش» من شمال اليمن إلى جنوبه: نحن هنا ونتمدّد!
ما حدث يوم أمس يرسم صورة أكثر تعقيداً للمشهد اليمني، لعلَّ أخطر ما فيها تغاضي «التحالف» طوال فترة الحرب على اليمن عن الخطر التكفيري الذي يمثله «داعش» و «القاعدة»، ما سمح بتمدّد هذه المجموعات التي انخرط بعضها في صفوف المسلحين المدعومين من الدول الخليجية، وربما صار خروجها عن السيطرة مسألة حتمية.
مواجهة الخطر التكفيري الذي يهدّد البلاد، كانت من أولى الأسباب التي دفعت الجيش اليمني و «أنصار الله» إلى التحرّك جنوباً في آذار الماضي، وهو تاريخ ظهور «داعش»، للمرة الأولى، في البلاد، عبر خمسة تفجيرات انتحاريّة استهدفت مساجد في صنعاء وصعدة، وراح ضحيتها المئات.
رسائل عدَّة نقلها «داعش» بين أقصى الجنوب اليمني وصولاً إلى صنعاء، في يوم واحد، خلاصتها أنَّ ذراعه باتت تطال كافة المحافظات اليمنية.
وتأتي الهجمات الجديدة في عدن وصنعاء امس، لتعطي مؤشراً واضحاً على تزايد قوة التنظيم في اليمن وامتلاكه قدرات وأدوات تمكّنه من تنفيذ سلسلة تفجيرات متزامنة في أماكن متباعدة. ومن شأن هذا التطور أن يطرح تحدّيات كبيرة، خصوصاً في ظلّ الحرب المتواصلة للشهر السابع على التوالي، والتي تهدّد بتمزيق البلاد.
ويزداد المشهد اليمني تعقيداً حين يكون المسُتهدَف من هذه العمليات، هو «التحالف» الذي كان قد أعلن في أكثر من مناسبة، أنَّ محاربة تنظيمي «داعش» و «القاعدة» ليست ضمن أولوياته في اليمن، باعتبار أنَّ «عاصفة الحزم» جاءت لمحاربة «أنصار الله» وكل من يحالفها، بهدف استعادة «الشرعية».
وقع «الانقلاب الأمني» في مدينة عدن، أو «العاصمة الموقتة»، التي تتّخذها الحكومة اليمنية المستقيلة مقراً موقتاً، في حين بدا التململ واضحاً في صفوف «التحالف» الذي سارع إلى توجيه التهم إلى «أنصار الله»، مع الإشارة إلى أنَّ قصفاً طاول الأماكن المُستهدفة.
وفي أولى هجماته ضدّ الحكومة المقيمة موقتاً في فندق القصر في مدينة عدن، تبنَّى تنظيم «داعش»، أمس، سلسلة تفجيرات استهدفت مقرّات لقوّات الغزو البرية التابعة لـ «التحالف»، والحكومة اليمنية المستقيلة، في المدينة الجنوبية، ما أسفر عن مقتل 15 مسلحاً، بينهم أربعة جنود إماراتيين.
وفي حين لم يصب أيٌّ من الوزراء، الذين عادوا إلى البلاد الشهر الماضي، في هذه التفجيرات، أعلن المتحدّث باسم الحكومة راجح بادي، أنَّهم باقون في عدن لمواصلة أعمالهم.
وفي بيان لما يسمّى «ولاية عدن - أبين»، التابعة لـ «داعش»، أعلن التنظيم أنَّه تمّ تنفيذ أربع عمليات انتحارية، استهدفت تجمّعات لضباط إماراتيين وسعوديين في عدن.
ووفقاً للبيان الذي نشر عبر «تويتر»، استهدفت العملية الأولى فندق القصر بشاحنة مفخخة يقودها «أبو سعد العدني»، ثم اتّجه انتحاري آخر يدعى «أبو محمد السهلي» بعربة عسكرية من نوع «هَمَر» مفخّخة نحو مقر الحكومة، ما أسفر عن مقتل من فيها من جنود.
وأضاف أنَّ العملية الثانية نفّذها «أوس العدني» بمدرعة مفخّخة اقتحمت مقر العمليات المركزية للقوات السعودية والإماراتية «فقتل منهم العشرات»، فيما انطلق الانتحاري «أبو حمزة الصنعاني» بمدرعة مفخّخة، ليفجرّ مقر الإدارة العسكرية الإماراتية.
هذا البيان يتناقض تماماً مع رواية «التحالف» الذي سارع، عقب التفجيرات، إلى تحميل «أنصار الله» المسؤولية، حتّى أنَّه تحدَّث عن قصف بالصواريخ على الأهداف، من دون الاتيان على ذكر وقوع تفجيرات انتحارية.
وفيما التزمت دول «التحالف» الصمت بعد تبنّي «داعش» هذه التفجيرات، كانت وكالة أنباء الإمارات الرسمية قد ذكرت أنَّ «عمليات الميليشيات الحوثية وقوات (الرئيس) المخلوع (علي عبد الله) صالح الإجرامية التي استهدفت مقر الحكومة اليمنية وعدداً من المقار العسكرية، أدّت إلى استشهاد 15 من قوات التحالف العربي والمقاومة اليمنية».
أما «التحالف» فتحدّث عن مقتل ثلاثة جنود إماراتيين وجندي سعودي في هذه «الهجمات بصواريخ الكاتيوشا»، التي أدت إلى «ردّ» وإلى «تدمير آليات الإطلاق».
وكان المسؤول في «أنصار الله» يحيى علي القاحوم، قد برَّأ الجماعة من المسؤولية عن التفجيرات. وقال، عبر حسابه على «تويتر»، إنَّ «الضربات التي تلقَّاها الغزاة في عدن إشارة إلى عمق الصراع الذي يجري بين الفصائل، ووكالات مخابرات البلدان المعتدية».
وفيما كانت الأنظار متجهة إلى عدن، فجّر «داعش» في صنعاء مستهدفاً مسجد النور في حي النهضة، ما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص، وإصابة ثلاثة آخرين.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية ـ «سبأ» عن مصدر أمني في أمانة العاصمة قوله، إنَّ «أحد العناصر الإرهابية فجّر نفسه في الجامع وقت صلاة المغرب، ما أدّى إلى استشهاد سبعة مواطنين وإصابة ثلاثة آخرين في حصيلة غير نهائية».
وعقدت الحكومة المستقيلة، مساء أمس، «اجتماعاً استثنائياً» في عدن برئاسة خالد بحاح، حمَّلت فيه جماعة «أنصار الله» «المسؤولية الكاملة في تغذية حركات التطرف والإرهاب والعنف المدمر، ضمن حربها الشعواء على المواطنين اليمنيين الذين لم يقبلوا بانقلابها على الشرعية الدستورية، واتخاذها من مثل هذه الأعمال الإجرامية والإرهابية، أداة لترويعهم ومحاولة ضرب عزيمتهم بعدما انتفضوا وتوحدوا ضد ممارساتها وعدوانها وانتقامها الحاقد على الوطن والمواطنين».
وكانت نتائج التحقيقات التي عرضت خلال الجلسة، تشير إلى «استهداف مقر إقامة الحكومة المؤقت بفندق القصر في وقت مبكر من صباح اليوم الثلاثاء بسيارتين مفخختين، بالإضافة إلى انفجار سيارتين مفخختين في مواقع أخرى».
(«السفير»)
إضافة تعليق جديد