«البيت» رواية الأميركية مارلين روبنسون: بيت الرواية وبيت السكن

13-09-2011

«البيت» رواية الأميركية مارلين روبنسون: بيت الرواية وبيت السكن

بدت المدينة مختلفة في عينيها، الآن وقد عادت للعيش فيها. اعتادت على جلعاد بوصفها موضوع ذاكرة مفعمة بالحنين ومسرحها. كيف كانوا جميعاً، باستثناء جاك، يحبون العودة إلى البيت، وكيف كانوا مستعدين دوماً للرحيل ثانية. كما كان هذا المكان وقصصه القديمة عزيزة على قلوبهم، وكيف تشتتوا وباعدت المسافات بينهم. كان الماضي شيئاً رائعاً، حيث هو، حيث هو. أما عودتها الآن، لكي تبقى، مثلما قال والدها، فإنها تحوّل الذاكرة الى نذير بالخطر. فان تتجاوز الذاكرة حدودها على هذا النحو وتصير حاضراً وربما مستقبلاً أيضاً ـ جميعهم يعرفون ان هذا مما يعود بالأسف ـ وقد وجف قلبها من فكرة حنينهم.
في قلب هذه الفكرة تماماً، فكرة العودة الفعلية الى البيت وانتفاء ذاكرة الحنين بالعودة إليه، تكتب المؤلفة والكاتبة الأميركية مارلين روبنسون (1943) مولودة في «ساند بونيت» بولاية إيداهو، كتابها الجديد «البيت» روايتها، الحائزة على جائزة «أورانج»، صدرت عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة) وترجمها الشاعر والروائي سامر أبو هواش. «البيت» Home، هي رواية مارلين روبنسون الأخيرة، صدرت عام 2009 للكاتبة المتخرجة في الأدب الانكليزي في جامعة واشنطن، وهي إضافة إلى كتاباتها النقدية والأدبية تمارس تدريس الأدب في عدد من الجامعات الأميركية، كما تعلّم في «محترف أيوا للكتاب». روايتها الأولى «تدبير منزلي» صدرت عام 1980 وحققت نجاحاً فورياً حصلت إثرها الكاتبة على جائزة «همنغواي / بن» المرموقة ورشحت لجائزة بوليتزر التي حصلت عليها روبنسون فعلاً عن روايتها الثانية «جلعاد» في العام 2005 كما حصلت عن الرواية نفسها على جائزة «ناشيونال بوك كريتيك أوورد». بين «تدبير منزلي» و«جلعاد» نشرت روبنسون كتاب: «موت آدم»، مقالات في الفكر المعاصر، الى ان صدرت روايتها الأخيرة، موضوع تناولنا هنا «البيت».

سؤال الانتماء
«البيت» رواية ذات نكهة تذكّر بكتابات توني موريسون، وتنطلق من أن الحياة مكونة من فرضيات محسوبة، إلا حين يبدأ الحنين إلى أشياء في الذاكرة، لتدخل هنا مشاعر غير مفهومة، تخلخل التماثل الرتيب الذي لا يُبقي على الواقع على المستوى نفسه. إنسان بلا بيت الطفولة، هو إنسان عار يعطي الانطباع بالفعل بكونه غير واقعي، ولا ينتمي إلى الواقع العادي للناس وللحياة.
ينشغل المرء في غربته، ليس في البحث عن السعادة، بل في البحث اليائس عن احتمالاتها في ما لو عاد إلى بلده، فبدون ذلك البيت، لا يستطيع ان يبقى على المستوى نفسه للواقع، ويعطي الانطباع بأنه دائماً قد أضاع شيئاً بالغ الأهمية.
بنائية الرواية جعلت سؤال الانتماء، جملة اعتراضية وسط الرواية، المسافة بين الإنسان وبيته الأول، يبقى افتراض قيمة موضوعية جمالية، هو الذي يعطي المعنى للأيام، وللحياة. عادت بطلة الرواية إلى البيت، الذي ليس بالضرورة فردوساً، فهي عرفت كم بدت بلدتها التي عادت إليها، بالية ومتواضعة وريفية، لكنها في سبيل هذه العودة غفرت الكثير من النقصان، وعادت برباطة الجأش القوية لامرأة تشعر ان لا مكان آخر لها سوى هذا، لا حياة أخرى ولا سعادة. كان يضنيها حنينها إلى كل تفصيل في جلعاد (مدينة الرواية) خصوصاً ذلك المشهد أمام البيت حيث شجرة البلوط الأقدم عمراً من الحي او البلدة، والتي حولت الرصيف الذي تنتصب عليه إلى حصى، مادة غصونها التي يصعب تقدير حجمها، إنما بالطبع الأضخم من جذع أي شجرة عادية فوق الطريق والفناء الخارجي. وكان جذعها مفتولا على نحو يبديها لأنظارهم مثل درويش عملاق. الوالد ذي العلاقة الطيبة بالرب قال في المشهد: «إذا كنتم تستطيعون الرؤية مثلما يستطيع الرب، ففي وسعكم في الزمن الجيولوجي ان تروا شجرة البلوط تنبثق من الأرض، متقلبة في الشمس وناشرة أذرعها متمتعة بمباهج كونها شجرة بلوط في أيوا...»

غرام خائب
ونحن نقرأ «البيت» لروبنسون، لا ينفك سؤال بعينه يلح علينا: لماذا لا تكتب هذه الروائية الشعر؟ حياتها في الرواية سواء في الغربة، أو في عودتها الى البيت، ليست بالضرورة سيرة ذاتية حقيقية، وليست كذلك قصيرة في أحداثها، ولكنها حياة غير لافتة للنظر، وتتألف من تفاصيل على شاكلة القصيدة والشعر. تكره الكاتبة اللعب بالحياة الثمينة التي تملكها، وكريمة في عرض كل لمحة من حياتها الخاصة.
تحكي روبنسون عن بطلة عادية ذات نشأة فقيرة نسبياً، وعائلة كبيرة، وقصة غرام خائب. الروائية في السرد تدمر بيت حياتها الفعلي، وتستخدم حجارته لتبني بيت روايتها. كل عملها يُضيء قيمة أو معنى روايتها. مع تقدمها في العمر، تراقب الجيل الشاب المزعج حولها، وفجأة تدرك انها الوحيدة وسط عائلتها التي تملك ميزة الحرية، لأنها تقدمت بالعمر، ولأن المرء حين يصل إلى سن متقدم، يمكنه التوقف عن الاهتمام بآراء من حوله. انها وحيدة في الاقتراب من الموت، وفي مواجهته يستطـيع الكاتب ان يقول ويفعل ما يريد.

عناية جابر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...