هيكل: ما حدث في مصر ليس انقلاباً
أكد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن حشد المصريين في 30 حزيران فاجأه وفاجأ كل العالم.
وقال هيكل، في مقابلة تلفريونية مع الإعلامية لميس الحديدي على قناة «سي بي سي»، «شاهدت فرحة الناس وتدفق الحشود من شرفة مكتبي... وأنا أقدر حركة الناس، وزحف الحشود إلى ميدان التحرير، في موجة هائلة من البشر والناس، وموجة هائلة من كتل أمّة وجدت نفسها وقد سرق منها شيء ما، وراحت تستردّ ما سرق منها، وأنا سعيد جداً بما حدث».
وتابع «بصراحة هذا الحجم الضخم فاجأني، وأظن أنه فاجأ كل العالم بلا جدال، فقد تلقيت اتصالات لا حصر لها من كل دول العالم والدول العربية، وهذا ما كان يهمني، بالإضافة إلى اتصالات من عدد كبير من السياسيين، أحدهم قال لي: لقد عادت مصر التي كنا نعرفها. وكنت سعيداً جداً بهذه المشاعر».
ورأى هيكل ان «ما حدث من خروج للشباب على مدار خمسة أيام بهذا الطموح الزائد تخطى أي حسابات، لأن هذا الشباب حقق ثلاث رغبات متتالية: أولها أنه مد يده فاستعاد وطنه، واستعاد روح هذا البلد، لأنني كنت أشعر ومعي كثيرون أن هناك فارقاً بين ما نراه وبين ما نتمناه، وأن هناك فارقاً بين ما نعرفه وبين ما لا نعرفه، ففي العالم العربي والعالم الغربي ينظرون إلى مصر أنها دولة قادت الفكر إلى الأمام طوال الوقت ـ على الأقل طوال القرنين الماضيين ـ وكل العالم يعترف بفضل مصر في ذلك، لكنهم فوجئوا مرة واحدة بأن مصر تنسحب خارج الجغرافيا وخارج التاريخ، فضلاً عن أنها أصبحت خارج الأمان لعدم وجود استراتيجية واضحة تطمئن الناس لها، فهذا أمر مقلق للغاية. وثالثها، أهم من هذا كله، فأنا كنت أعتقد أن الشباب عليه أن يخرج ليعبر عن تحرير الإرادة، ولكني لم أكن أتخيّل أو أتصور أن الشباب يستطيع أن يتخطى تحقيق الإرادة، كما حدث، وفي الوقت نفسه يكسر قيداً».
عزل مرسي
وحول ما جرى من أحداث انتهت إلى عزل الرئيس محمد مرسي، قال هيكل إن مكتب إرشاد الإخوان طالب مرسي بإقالة (وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح) السيسي وقيادات القوات المسلحة، لكن الرئيس السابق لم يجد بديلاً، وجميع قيادات الجيش كانت مستفزة.
وأوضح هيكل إن «السيسي منح في بيانه الأول القوى السياسية فرصة للتوافق، وقال لمرسي إن أسلحة الجيش ليست أسلحة أمن، بل هي أسلحة قتال، لكن الرئيس السابق لم يقدر أن يتصور بأن مهمة القائد الأعلى مهمة استراتيجية».
وأضاف هيكل إن «مرسي استقبل السيسي مرتين في مهلة الـ 48 ساعة، ورفض الرئيس السابق اقتراح الفريق السيسي بإجراء استفتاء شعبي وانتخابات مبكرة لأنه يعلم أن شعبيته ضعيفة».
وقال هيكل إن السيسي قال لمرسي إن «الموقف خارج السيطرة، فردّ عليه مرسي بأنه سيستجيب لبعض مطالب المعارضة بتغيير الوزارة والنائب العام، فأجاب السيسي بأن الحالة الشعبية فى الخارج تجاوزت سقف هذه المطالب».
أشار إلى ان «قيادات جماعة الإخوان المسلمين أصرت على أن الجموع المحتشدة مدفوعة من الخارج»، وأن «مرسي كان يتصور أن تظاهرات 30 يونيو تشبه تظاهرات سابقة».
ولفت هيكل إلى أن مرسي قال للسيسي إن «الأعداد في الميادين لا تتجاوز 130 ألفاً»، مشيراً إلى أن «تصوير الطائرات للميادين المحتشدة كانت موجهة لمرسي كي يقتنع بأن الأعداد كبيرة».
وأشار إلى أن جماعة «الإخوان المسلمين» رفضت حضور حوار القوات المسلحة، معتبرة أن أي تدخل في شؤونهم يُعد انقلاباً، مؤكدًا أن ما حدث ليس انقلاباً، لأن الجيش لم يتسلم السلطة.
ورأى أن من الخطوات العبقرية التي اتخذت حضور شيخ الأزهر والبابا تواضروس لحوار القوات المسلحة، مشيرًا إلى أنه تمت دعوة أيضاً مرشد «الإخوان المسلمين» لإجراء المشاورات.
وأشار إلى أن من أهم الضرورات هو إصدار إعلان دستوري سريع، وتشكيل أقوى وزارة في تاريخ مصر، مؤكدًا أنه لابد أن يكون للإخوان مكان في العملية السياسية.
وأكد، أنه آن لدولة العواجيز أن ترحل، ولابد من تعيين رئيس وزراء شاب واقتصادي، مشيرًا إلى أن هشام رامز اسم جيد لتولي منصب رئيس الوزراء.
وفي معرض تعليقه على محاولة البعض تصوير ما حدث على أنه «انقلاب عسكري»، قال هيكل: أنا مندهش ممن يسمّون ذلك انقلاباً عسكرياً. الانقلاب العسكري هو الاستيلاء على السلطة، وذلك لم يحدث، فالجيش دوره كان حماية التجربة الوطنية وليس له دخل بها، والشعب لم يجد في ما يرى أمامه ما يحقق طلباته وأمانيه، والشرعية تحركت من مكانها وانتقلت من الرئيس إلى الشعب».
واعتبر هيكل أن «حديث الإخوان عن الانقلاب العسكري نوع من الإنكار العام لفشلهم».
الموقف الأميركي
ورأى هيكل أنه من الطبيعي أن تتحدث الإدارة الأميركية عن أوراق الضغط المتمثلة في المساعدات، فأميركا تلوح بأوراق الضغط لكنها لا تستخدمها.
وأشار إلى أن أميركا اعتقدت أن التيار الديني هو المحرك الرئيسي للشعب المصري، وأن الإسلام السياسي يمكن أن يهزم فكرة الوطنية والقومية، وأضاف «وتصوروا أن الإخوان لديهم تنظيم قوي وتناسوا أن هذا لم يعد موجودًا، ورأت في تنظيم الإخوان الدولي فرصة لخدمة مصالحها».
واعتبر هيكل أن «السياسة المصرية انتهجت من وقت إلى آخر في السنوات الأخيرة سياسة الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك أصبح للأميركيين تأثير أكثر من اللازم على الدولة المصرية، بسبب ما يقدمونه من معونات ومساعدات وغيرها».
واضاف «نحن نرى دائماً صوراً لذلك، فالسفيرة الأميركية أصبح لديها وضع خاص في مصر، وفي الساعات الأخيرة، لم تكف الاتصالات والمكالمات الهاتفية بين واشنطن والقاهرة عن الرنين، وهذه المكالمات حتماً لا بد أنها تضمنت القرارات التى ستتخذ».
تجربة «الإخوان»
وأكد هيكل أن الإخوان في بداية وصولهم للسلطة عملوا على جمع أوراق أمن الدولة، وتصوروا أنهم يمكن أن يستخدموها لإسكات أي أحد، مشيراً إلى الإخوان كجزء أساسي للتنظيم الدولي للجماعة رأوا أن ما يحدث في مصر ليس له قيمة.
وأشار إلى ان «الإخوان لا يرغبون أن يفهموا أن إدارة محل تجاري لا يصلح لإدارة دولة»، وتساءل: «لماذا تصطدم الجماعة دائماً مع القوى السياسية في كل العصور؟»، ليجيب أن «سبب صدام الجماعة على مر العصور، أن الإخوان في ذهنهم حلم السلطة ويسعون لهذا الحلم بأقصى سرعة». وقال إنه «قلق من إنكار الإخوان لأخطائهم، وأنه من غير الممكن أن يكون الآخر دائماً مخطئاً».
وتمنّى هيكل عدم اللجوء إلى الإقصاء في مواجهة التيار الإسلامي، وقال: إن «اتباع سياسة الإقصاء خطأ، وأنه لا بد من السعي بوسائل سياسية لاستيعاب الإخوان المسلمين».
وحول موقف «حزب النور»، قال هيكل إن هذا الحزب يمكن ان يكون جسرًا لإفاقة الاخوان المسلمين، كما أن الأحزاب مكلفة أن تكون سياسية والوطن في أولوياتها، لأن مصر لا تحتمل أي فشل أو ارتجال.
السيسي
وأكد هيكل أن السيسي لم يكن يفكر في تدخل الجيش في السياسة، وأن القوات المسلحة احترمت شرعية مرسي كأول رئيس منتخب، كما احترم السيسي طبيعة العلاقة مع القائد الأعلى للقوات المسلحة لدرجة جعلت البعض يشك فيه.
واستطرد هيكل في حواره قائلاً: إن القوات المسلحة أدركت أن شرعية مرسي تتآكل وأنه لا يعترف بذلك، ومرسي وضع القوات المسلحة في موقف خاطئ في مؤتمر قاعة المؤتمرات.
وأوضح أن السيسي رجل متدين، ولكنه تدين مماثل لكل المصريين، كما أن بوادر التباين بين السيسي ومرسي ظهرت مع دعوة الجيش القوى الوطنية للحوار مرات عدة، مشيرًا إلى أن مرسي عارض دعوة السيسي القوى الوطنية للحوار، وأن الاختلاف ظهر بمواقف عدّة. كما أن السيسي حدث مرسي عن الاستقطاب السياسي في البلاد، وأكد اهتمام القوات المسلحة بشرعية القرارات الصادرة.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد