«يوتيوب» السعوديّة: الكثير من المال القليل من السياسة
تحتلّ السعودية المركز الأول في عدد مستخدمي موقع يوتيوب في الشرق الأوسط، سواء أكانوا من المشاهدين أو من منتجي المحتوى. وكما يقول الكاتب والمدوّن السعودي خالد يسلم، أحد أبطال برنامج «كازينو السهرة» على يوتيوب: «لا يوجد سينما ولا مسرح، والتلفزيون تحت سيطرة الدولة والرقابة، لا نملك سوى الانترنت».
إلى جانب الانترنت، تمتلك السعودية أحد أكثر الأسواق استهلاكاً في المنطقة العربية. لهذا تشكّل الإعلانات دعامة اقتصادية لوسيلة إعلامية يتزايد تأثيرها يوماً بعد يوم في المجتمع السعودي، وهي تلفزيون الانترنت.
تظهر كلّ يوم في السعوديّة، تجربة جديدة في مجال تلفزيون الانترنت، وتتزايد قدرة الشباب على تقديم محتوىً أكثر نضجاً واحترافية. من أبرز تلك التجارب تجربة مالك نجر (1985) صاحب مسلسل «مسامير». بدأ نجر الطريق من خلال العمل في مجال الإعلان، وفي العام 2009 قرر إنشاء استوديو خاص يضع البذرة الأولى للرسوم المتحركة السعودية، من خلال «مسامير». ظهرت الحلقات الأولى من المسلسل في العام 2010، محققة نجاحاً كبيراً، ما زال مستمراً حتى الآن.
نجح نجر في خلق بصمته الفنيّة الخاصة. وبفضل الإقبال على «مسامير»، تزايدت عروض الإعلانات والرعاية، وتحوّل استوديو نجر إلى شركة صغيرة. تركز حلقات «مسامير» على انتقاد بعض الظواهر الاجتماعية بشكل خافت، مع الابتعاد عن كلّ ما هو سياسي وديني. على الرغم من ذلك، انطلقت حملات لمقاطعة المسلسل، بعضها يطالب بحذف المقاطع الموسيقية منه لأنها حرام، وبعضها ينادي بأنّ رسم الشخصيات الكرتونية محرّم. لكنّ كلّ تلك الدعوات لم تؤثر على شعبية المسلسل المتزايدة، ولا على تدفق الإعلانات على قناته اليوتيوبيّة.
تجربة أخرى كانت أكثر نجاحاً، وهي شركة «U turn» التي أطلقتها مجموعة من الشباب منهم أنمار فتح الدين وعبد الله مندو. يعدّ «يو ترن» نقلة نوعية في تلفزيون الانترنت. ففي وقت كانت التجارب المشابهة لا تعدو كونها مبادرات فردية معرّضة للتوقّف بسبب عدم وجود آلية إنتاجية أو دعم مادي، عمل فتح الدين وزملاؤه على تأسيس شركة تستثمر في مجال تلفزيون الانترنت في العام 2010، وتقوم بالتقاط التجارب الشابة على يوتيوب وتطويرها ودعمها إنتاجياً وفنياً.
تتولّى «يو ترن» إنتاج البرامج ورعايتها وتوزيعها ونشرها على الانترنت، كما تتبنى مشاريع لأيّ شاب لديه الموهبة. تنتج الشركة أكثر من برنامج، أبرزها «على الطاير» وهو «برنامج كوميدي يقدّمه عمر حسين ويشاركه في التقديم أحمد فتح الدين. «ينظر البرنامج إلى الأحداث والأخبار والشائعات بنظرة مختلفة «نوعاً ما» تمكننا من الضحك على أنفسنا»، كما يرد في تعريفه على يوتيوب.
يستلهم البرنامج برامج الكوميديا الأميركيّة على طريقة جون ستيوارت، من خلال التعليق على الأخبار المختلفة في الجرائد أو على الانترنت والتلفزيون، ومزجها بالصور الثابتة التي تحتوي تعليقاً، أو تقديمها على شكل مونتاج ساخر. يتوقّف سقف البرنامج السياسي عند انتقاد الوزراء ودوائر العمل الحكومية وتصريحات المسؤولين، والرقابة. يبدأ عمرو حسين إحدى الحلقات قائلاً: «دقيقة صمت على كل حلقات «على الطاير» المحجوبة». يصمت لثوانٍ ثم يعلق «هذا كان أيضاً ملخص كتاب كيف تربح المال بأقل جهود»، في إشارة إلى تزايد مشاهدات القناة، والتي تتراوح بين المليون والمليونين للفيديو الواحد.
وشهد الموسم الجديد من برنامج «على الطاير» ارتفاعاً ملحوظاً في سقف السخرية والنقد. على سبيل المثال، تبدأ حلقة «مكة حلالنا» بفيديو يظهر فيه طفل صغير ليلقي بمعلومة بسيطة «هل تعلم أنّ كسوة الكعبة تكلف سنوياً 20 مليون ريال؟.. فلوس يا حبيبي فلوس». ثم يبدأ حسين في السخرية من مشاريع وخطط تطوير مكة، بدءاً من طرد السكان من بيوتهم لخدمة أعمال التوسيع، وتحويل مكة إلى مدينة للفنادق الفاخرة، حتى يصبح الحج نفسه مرتبطاً بما تملكه من مال أو كما يقول حسين: «عندك فلوس تطوف ويجيبوك كدا أمام الحجر الأسود... عندك فلوس... تبوس».
تعتبر سوق الانترنت السعودية من أكثر الأسواق نمواً في العالم العربي. لكنّها في الوقت ذاته، أكثرها معاناة من الرقابة. ويدرك جميع من ينشطون على الانترنت، خطورة تجاوز الخطوط الحمراء. فلن تكون لديهم، كباسم يوسف، فرصة ارتداء «القبعة الباكستانية» في طريقهم إلى التحقيق بتهمة ازدراء الأديان، بل سيتم تطبيق «الحدّ» عليهم فوراً. على الرغم من كلّ ذلك، تظل محاولات التمرّد وكسر المسلمات جزءاً من طموح منتجي المادة السعوديّة على يوتيوب. ويظهر ذلك بشكل واضح في برامج مستقلة، بعيدة عن الشركات الصاعدة، مثل برنامج «كازينو السهرة». تبدأ مواضيع هذا البرنامج عند الإلحاد ولا تنتهي بالحديث عن قوانين منح الجنسية، والعنصرية داخل المملكة. تبقى برامج مثل «كازينو السهرة» بالطبع بعيدة عن الإعلانات وآليات السوق الجديدة في السعودية، لكنها تنتشر، وربما لن يتأخّر ظهور تأثيرها على شرائح واسعة من الشباب السعودي.
أحمد ناجي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد