قصـر الاتحاديـة... حيـث الثـورة ضـد «حكـم المرشـد»
هي الثورة بنسختها الثانية... هذا هو الانطباع الأول الذي تخرج به ما إن تقترب من قصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة. شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وهتاف «إرحل» يكاد يشعرك أن الزمن قد عاد بك إلى الأيام الثمانية عشر لـ«ثورة 25 يناير»، مع بعض التعديلات، أبرزها أن رفاق الأمس في الميدان – «الإخوان المسلمون» – قد أصبحوا اليوم سلطة تهتف الحناجر لإسقاطها، فيما بات «الفلول» هم من يكرر تجربة الجماعة في ركوب موجة الثورة الجديدة، إلا أن ثوار 25 يناير واعون لهذا.
الجديد أيضاً في الثورة الثانية أن المتظاهرين ضد «حكم المرشد»، وجدوا أنفسهم في مواجهة رصاص جماعة مسلحة، هي ميليشيات «الإخوان المسلمين»، التي عادت إلى الظهور بشكل علني للمرّة الأولى منذ أحداث جامعة الأزهر في (2007)، وليس رصاص وزارة الداخلية «المكروهة دائماً»، حتى في الثورة الحالية.
يصعد أحد المتحمسين على أكتاف أصدقائه لتجده يصدح إبداعاً ضد حكم «الإخوان» ومرشدهم ورئيسهم محمد مرسي والتابعين له، فمرسي ليس سوى «ابن سنية» أو»محمد مرسي مبارك». يعلو الهتاف «إحلق ذقنك بيّن عارك، تلقى وجهك وجه مبارك»، و«أنا مش كافر أنا مش ملحد.. يسقط يسقط حكم المرشد»، فيما يتحوّل القيادي «الإخواني» عصام العريان، في هتافات الثوار وشعاراتهم، إلى «عصام العريان جداً».
هذا كله كان موجوداً خلال الأيام الثمانية عشر لـ«ثورة 25 يناير» ضد حسني مبارك ورموز نظامه. يستعيد الثوار ذكرى هذه الأيام في محاولة لإيجاد وسيلة يواجهون بها المسلحين الجدد: «هل نسكت على مهاجمتهم لنا وسقوط الشهداء، وضرب المتظاهرين والاعتداء على البنات؟»، يقول أحدهم.
وبالرغم من «سلمية» الثورة الأولى، فإنها لم تخلُ من المولوتوف والعصي، وإحراق مقار الحزب الوطني الحاكم، ولكن ذلك لم يكن إلا دفاعاً عن النفس، وهو الأمر الذي يتكرر الآن لكن في مواجهات «ميليشيات منظمة» مأمورة ومجيّشة. لا يمتلك الثوار اليوم قدرات الطرف المواجه، وليس بمقدورهم سوى استخدام إبداعهم الدائم عبر اللجوء ربما إلى هراوة برؤوس حادة، وهذه بالنسبة إليهم «سلاح» يواجه الرصاص.
وبرغم من الأجواء «الكرنفالية» (كما وصفها البعض) في الاتحادية، إلا أن خيام المتظاهرين في محيط القصر الرئاسي، تعبق بناقشات لا تنتهي بين من يؤيّد المشاركة في الاستفتاء والتصويت بـ«لا» على مشروع الدستور الجديد، وبين من يرى المقاطعة خياراً وحيداً لنزع الشرعية عن «دستور الإخوان». وبين هذا وذاك، تحليلات سياسة لما ستؤول إليه الأمور بعد الاستفتاء المكروه، وهي تحليلات لا تقتصر على مصر فقط، بل تمتد إلى الوضع في سوريا وغزة وتونس... كل هذا يوحي بأن وعياً سياسياً ينضج في صفوف ثوار مصر، بعدما أزهرت براعمه في «ثورة 25 يناير».
وبرغم توحدهم حول الهدف الأول، وهو الوقوف ضد «حكم المرشد»، إلا أن ثمة اختلافاً كبيراً في صفوف الثوار حول الوسائل الأكثر نجاعة لمنع «أخْوَنة» مصر. هذا الاختلاف يدور خصوصاً حول الموقف من الاستفتاء وما بعده، فهل نقاطع، أو نحشد لنصوت «لا»، أو نبقي على الاعتصامات متوازية مع الحشد للتصويت؟ ولكل من هذه المواقف تبريراتها المنطقية: المقاطعة ستسمح لـ«الإخوان» بتمرير دستورهم ولكنه سيبقى ملطخاً بوصمة عدم الشرعية... ولكن «الإخوان» خلال الفترة الماضية لم يبدوا أي اعتبار للشرعية، وسواء شارك 10 أو 20 في المئة، فالنتيجة ستبقى كما هي، خصوصاً أن الإعلان الدستوري لا ينص على حد أدنى للمشاركة. أما الداعون إلى المشاركة في الاستفتاء، فيجدون في ما حصل خلال الفترة الماضية أمراً إيجابياً، فقد برهنت قوى المعارضة على قدرتها على الحشد، والناس فعلاً يريدون أن يقولوا «لا لدستور الإخوان»، وبالتالي فثمة احتمال ليس بسيطاً في قدرة الثوار على إسقاط «الدستور الناقص».
غضب الثوار على «الإخوان المسلمين» و«ميليشياتهم المسلحة»، تعكسه الكتابات والرسومات التي خطوها على جدران القصر الرئاسي، وفي شعارات المتظاهرين الارتجالية، وهي تبدأ باستهداف محمد مرسي أولاً، كونه «رئيس الدولة المنتخب ديموقراطياً» بفضل جزء كبير من المصريين الذين «عصروا الليمون» على أنفسهم، وانتخبوه فقط لكي لا ينتخبوا منافسه «الفلولي» رئيس الحكومة السابق أحمد شفيق، وتمتد إلى الرجل الأقوى في الجماعة خيرت الشاطر، وهو بنظر معظم المتظاهرين الحاكم الفعلي للبلاد، لتصل إلى المرشد محمد بديع.
يختلط الحابل بالنابل أمام قصر الاتحادية، وهو خليط مصري لا أكثر ولا أقل.
أكثر ما يستغربه المتظاهرون مشاركة أهالي منطقة مصر الجديدة - معقل الطبقة المتوسطة العليا - في التظاهرات. يبدو لافتاً أن تجد بين المتظاهرين سيدات أنيقات - حتى بالكعب العالي - فربما هذه هي تجربتهن الأولى في المشاركة في الحياة السياسية على الأرض. ومن هنا تنعكس أساساً حالة «حزب الكنبة»، وهو الوصف المستخدم للذين جلسوا في منازلهم طوال فترة «ثورة 25 يناير» وما شهدته مصر بعدها من صدامات سياسية وشهداء وحكم للعسكر. المفارقة أن حكم «الإخوان» كان الوحيد القادر على دفعهم للنزول إلى الشارع للمطالبة بإسقاطه!
هذا الأمر يدفع إلى الحديث عن معضلة أخرى، إذ يواجه الثوار اليوم هاجس «الفلولية»، ويرى العديد منهم أن كثراً ممن شاركوا في التظاهرات الأخيرة ضد الإعلان الدستوري والاستفتاء على الدستور، لم يكونوا ليفعلوا ذلك لو أن أحمد شفيق فاز بالرئاسة وأعلن نفسه «ديكتاتوراً». وبالتالي فإن غضبهم موجه ضد «الإخوان المسلمين» فقط، ولا علاقة له بغياب الحرية والديموقراطية. فهل نستغل تواجدهم للحشد ضد مرسي؟ أم أننا فعلاً لا نستطيع أن نقف كتفاً بكتف مع مؤيدي قائد موقعة الجمل؟ لكن بالرغم من ذلك، فإن ثمة دراية مؤكدة من أن هؤلاء لا يمكن الثقة بهم، وقد يكونون سبباً لوقوع المزيد من العنف وربما المزيد من الشهداء.
لكن الخطير في هذه المعضلة، أنها انسحبت أيضاً على «جبهة الإنقاذ الوطني»، التي شكلتها قوى المعارضة لمواجهة «ديكتاتورية مرسي»، وهي المؤلفة أساساً من رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي، ورئيس «التيار الشعبي» حمدين صباحي، وهما المعروفان بثوريتهم، فضلاً عن كل من مرشح الرئاسة السابق عمرو موسى ورئيس «حزب الوفد» السيد البدوي المصنفين لدى الكثير بأنهم «فلول».
ولكن من يشاهد الواقع على الأرض، يكون قادراً على أن يرى وبوضوح أنه بالرغم من تواجد أنصار «التيار الشعبي» و«الدستور» أمام قصر الاتحادية أو غيرهم، إلا أن مرجعية غالبية الثوار والمعتصمين والمتظاهرين، ورسامي الغرافيتي، الوحيدة كانت وما زالت منذ 11 شباط العام 2011 حتى اليوم هي «ثورة 25 يناير» وشعاراتها فقط لا غير... ولعلّ هذا ما يعكسه ما خطه أحدهم على جدران الاتحادية: «الثورة تحكم!».
ربى الحسيني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد