«إسلامي لا يشبهكم»
ماذا يحصل اليوم باسم الإسلام؟ وهل ما نراه هو فعلا الدين الحنيف الذي بشّر به النبي محمد البشرية؟ وهل ما يحصل اليوم هو صحوة إسلامية أم غرق في ظلمات أسوأ من الجاهلية؟
نرى اليوم نموذجين بارزين، ولكنّهما ليسا الوحيدين، نموذج ما يُسمّى بالإسلام المعتدل، ونموذج آخر هو الإسلام المتطرّف. فالنموذج المعتدل قال بالواقعية، وبالتالي الاعتراف بـ«إسرائيل» وإقامة العلاقات معها، سواء بالعلن أو بالسر، مباشرة أو بطرق التفافية، انطلاقاً، كما يدّعون، من مبدأ «وإذا جنحوا للسلم فاجنح له». ونموذج آخر بارز يتخذ العنف وسيلة، وبالتالي يمعن في القتل العشوائي أينما حل، لكل من يختلف معه في الرأي، تحت راية ما يُسمّى «الجهاد»، و«تطبيق شرع الله».
وإذا أردنا إلقاء الضوء على الجماعات المتطرّفة أولا، نرى أن هذه الجماعات قد خرجت من رحم «الوهابية» التي تفتي بتكفير كل من لا ينتمي الى عقيدتها، لذا كانت أداة، غبّ الطلب، لبعض الأنظمة العربية، توجّه عبرها الرسائل المفخخة. فتحْتَ راية «الجهاد» استخدمت الولايات المتحدة الأميركية بعض هذه الجماعات لمقاتلة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات. لكن هذا الوحش الأصولي الانتحاري خرج من شَرَك هذه المخابرات وانقلب على مدجّنه، فكانت ضربات 11 أيلول في نيويورك التي فتحت الطريق للغزو الأميركي لأفغانستان بحجة محاربة الإرهاب، ثم لغزو العراق لاحقا.
لقد استُخدم هذا الوحش في العراق وما زال يُستخدم حتى اليوم لتوجيه الرسائل الدموية الى الحكومة العراقية. فلمجرّد إثبات أن الحكومة هناك غير ممسكة بالأمن، يُقتل مئات الأبرياء في الشوارع والأزقة والساحات بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، هذا عدا عمليات القتل الطائفية والمذهبية التي تفتك بالناس في المساجد والحسينيات والمقامات الدينية والكنائس. وقبل العراق كانت الجزائر مسرحاً لإجرام هذه الجماعات بعد إلغاء الدورة الأولى من الانتخابات النيابية وقتذاك، حيث كانت تُباد قرى بكاملها.
لقد تمدّد هذا الوحش الانتحاري واستفحل أمره حتى عمّ العالم ووصل إلى بلاد أفريقية. فقد عرضت قناة فضائية تقريراً من اليمن، أظهر سيطرة تنظيم «القاعدة» على جزء من محافظة أبين، وأقام ما يُسمّى «إمارة إسلامية». الفظيع في المشهد أن المنطقة كانت خالية من سكّانها، وقد رُفعت على أسطح بيوتها المدمّرة راية «لا إله إلا الله محمّد رسول الله». فأية إمارة إسلامية تلك التي تقوم على الدّمار والأشلاء؟
لقد صرت، أنا المسلم، أتشاءم ويعتريني الخوف كلّما رأيت هذه الراية مرفوعة في مكان ما، لأنها صارت مرادفة للقتل والحقد والأشلاء. فكيف لا أعذر الأوروبي حين يتخذ موقفاً سلبياً من الإسلام وهو يرى هذه النماذج في إعلامه؟
لقد أوصى النبي محمد جيش المسلمين حين تجهّز للحرب بالقول: «لا تقطعوا شجرة ولا تقتلوا شيخا ولا طفلا ولا امرأة، ولا تجهزوا على أسير». فأي إسلام هذا الذي نراه اليوم، إذا اعتدل اعترف بـ«إسرائيل»، وهي المغتصبة للأرض والمقدّسات، وإذا تطرّف تحوّل الى وحش كاسر أهوج، يقتل عشوائياً من دون وازع أخلاقي ولا ديني.
فأي نوع من الحقد هذا الذي يُزرع في عقول هؤلاء فيجعل شاباً في مقتبل العمر يفجّر نفسه انتحارياً في الأسواق والأزقة ليقتل أكبر عدد من الناس؟ أي نوع من الأفكار السوداء الذي يحوّل الإنسان الى وحش مفترس، لا عقل له، يذبح الأطفال والنساء والشيوخ بحزّ رقابهم بالسّكين، بدم بارد، باسم «تنفيذ شرع الله»؟ وكيف تستقيم المعادلة مع هؤلاء: حتى تدخل الجنة عليك أن تحوّل الأرض الى جحيم؟
رحمةً بالإسلام يا شيوخ الفتن، فقد بلغ السيل الزّبى، وطام الدم حتى بلغ الرّكب.
أسعد شرارة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد