بلدة الغجر أمام مرحلة جديدة
حالة من القلق والترقب يعيشها في هذه الأيام أهالي بلدة الغجر بقسميها اللبناني والسوري. فهم أمام مرحلة جديدة ووضع مغاير لا يحسدون عليه. فالولادة الغجرية الموعودة تمر في مخاض عسير، ومختلف الصيغ المطروحة آتية من فوق، بحيث ستكون ملزمة للجميع، وخاصة السكان الذين ليس أمامهم سوى التكيف مع الواقع الجديد بسلبياته وإيجابياته، بانتظار تطورات إقليمية مرتقبة علها تعيد خلط الأوراق من جديد وتغير الواقع المفروض.
للوصول الى الغجر لا بد من سلوك طريق المجيدية العباسية حيث يواجهك حاجز للقوة الهندية معززا بناقلة جند مدرعة ركز على مسافة 10 أمتار من خندق كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد قطع به الطريق المؤدي الى الطرف الشمالي للغجر. ومن بعده ساتر ترابي بارتفاع حوالى المترين يحجب الرؤية عن منازل الحي الشرقي. من فوق هذا الساتر تبدو الغجر بمنازلها المتقاربة الفاقعة الألوان، مستطيلة الشكل تضيق بعض الشيء كلما انحدرت غربا، تفصلك عنها صفوف متتالية ومتوازية. بداية أسلاك شائكة بعرض حوالى متر وارتفاع مترين، بعدها خندق بعرض متر ونصف متر وبعمق أكثر من متر، ثم سياج من الأعمدة الحديدية والأسلاك الشائكة بعلو حوالى مترين. ثلاثة عوائق أنجزها جيش الاحتلال على عجل لتعزل كل الغجرعن جنوب لبنان.
أول المنازل يبعد من هنا جنوبا حوالى 100 متر. الأهالي في وضع حذر. فحالة التوتر والقلق بادية في حركاتهم . يتجاهلون تماما أي حركة في الجانب اللبناني، وليسوا على استعداد حتى لرد التحية، كأن لسان حالهم يقول اتركونا في ما نحن فيه. لسنا بحاجة لمشاكل إضافية، فجيش الاحتلال يراقب كل شاردة وواردة. إنه لئيم لا يرحم.
أكوام حطب الشتاء ترتفع امام معظم المنازل. أطفال يلهون بدراجاتهم الهوائية في الشوارع التي تبدو خالية إلا من بعض كبار السن. منزل جديد يغامر أحدهم في بنائه داخل الشطر اللبناني. هدوء يقطعه بين فترة وأخرى هدير آلية عسكرية أو سيارة مدنية. وفي حالات متكررة ترتفع الرؤوس الى أعلى لحظة تحليق مروحية دولية من دون معارضة أحد فوق الشطر اللبناني، كأن الجميع يقول هل بات الوقت قريبا لتهبط هذه الطائرة ومثيلاتها هنا في هذه الباحة الفسيحة التي استحدثتها الجرافات الإسرائيلية منذ فترة ليست ببعيدة.
المفاوضات حول مستقبل الغجر ليست سهلة، فهي نموذج مصغر عما يمكن أن يحصل من مفاوضات لاحقة لتحرير مزارع شبعا المحتلة. فالتدابير التي ستعتمد هنا يمكن ان تكون مدخلا لما سيطبق لاحقا في المزارع. كل مكسب لأي طرف هنا سينعكس إيجاباً هناك، والعكس صحيح. ومن هذا المنطلق تحمل المفاوضات الشاقة الجارية برعاية قيادة اليونيفيل الكثير من الأخذ والرد وشد الحبال. فالطرف اللبناني يجهد لتحرير أرضه بكل شبر منها، ولا يقبل بأن تكون سيادته منقوصة. فهنا أرض لبنانية محتلة يجب ان تحرر وتوضع تحت السيادة اللبنانية الكاملة. هذا حق تقره كافة المواثيق الدولية، يقابله بحسب الطرف الإسرائيلي أناس بالمئات يحملون الهوية الإسرائيلية. وهذا بالمفهوم الإسرائيلي يعني أنهم مواطنون إسرائيليون، لهم حقوق وعليهم واجبات للدولة العبرية، ولهم ارتباطات وظيفية ومعيشية وحياتية مع المجتمع الإسرائيلي. ومن هنا يبدأ الاختلاف في وجهات النظر بحيث يعمل الوسيط الدولي على حلحلة العقد وتقريب ما أمكن، لأنه لا بد في النهاية من وضع تصور يجمع كل التناقضات، وذلك تحت عنوان أفضل الممكن.
وما تسرب حتى الآن في هذا الاتجاه يمكن حصره بالتالي: دخول قوات دولية الى الشطر الشمالي للبلدة يليه دخول قوة لبنانية. وضع حاجز دولي عند طرف البلدة الشرقي يحصر الدخول اليها بفئات محددة يتفق عليها. الإبقاء على الخط الأزرق الوهمي الذي يشطر البلدة مع تركيز حاجز دولي عند طرفه الشمالي مع مراقبين من الجيش. إبقاء التواصل بين سكان البلدة بشطريها عادياً وعلى حالته القائمة من دون أن تحكمه أي شروط تعجيزية. عدم السماح للسكان باجتياز الحاجز الدولي شمالا باتجاه المناطق اللبنانية لأنهم يحملون الهوية الإسرائيلية. عبور السكان الى شمالي فلسطين تحكمه تدابير إسرائيلية خاصة، ويكون عبر بوابة تربط بين البلدة وشمالي فلسطين.
وعلم أيضا أن الجانب اللبناني رفض رفضا باتاً طرحاً إسرائيلياً يقضي بتسيير دوريات مشتركة في الشطر اللبناني، تضم عناصر من الجيشين اللبناني والإسرائيلي الى جانب قوات الطوارئ. كما رفض السماح لعناصر من الشرطة العسكرية الإسرائيلية والمخابرات بدخول الشطر اللبناني بثياب مدنية، وأصر على دخول الجيش الى القسم اللبناني من دون قيد أو شرط ورفع العلم اللبناني وإخضاع سكان الشطر الشمالي لأعمال التفتيش بعد عودتهم من الدولة العبرية، وذلك لدواع أمنية تحددها الأجهزة المعنية.
وكان أهالي بلدة الغجر قد أصدروا بياناً منذ عدة أشهر أكدوا فيه عدم التخلي عن منازلهم في الشطر الشمالي للبلدة. فالأرض كما جاء في البيان أرضنا والبيوت بيوتنا منذ مئات السنين، ولن نتخلى عن هذه البيوت مهما عرض علينا من إغراءات. لقد بنيناها بعرق جباهنا وبسواعد أبنائنا. ستبقى شامخة مهما حاول المحتل الغاصب بأساليبه الوضيعة وضغوطاته المستمرة النيل من صمودنا ووحدة صفنا.
وأضاف البيان: إننا نؤكد أن السلطات الإسرائيلية ليس لها أي حق في تقرير مصيرنا. فنحن مواطنون سوريون نعيش على أرض محتلة، والقوانين الدولية ومعاهدة جنيف لحقوق الإنسان تحظر على السلطات المحتلة التصرف في مصير السكان وتمنع تغيير معالم الأرض. لن نغادر بيوتنا إلا على توابيت الموت ولن نترك أرضنا ما دام فينا عرق ينبض ولن نسمح بتقسيم قريتنا العربية السورية ما دمنا أحياء، ونحن على ثقة بانتصار الحق وإزهاق الباطل.
طارق أبو حمدان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد