انتخابـات الجزائـر: فوز الحـزب الحاكـم ووتراجع حصة الإسلاميين

12-05-2012

انتخابـات الجزائـر: فوز الحـزب الحاكـم ووتراجع حصة الإسلاميين

في أول انتخابات تشريعية في بلادهم بعد ثورات «الربيع العربي» اختار الجزائريون مجدداً «جبهة التحرير الوطني» لتبقى الحزب الحاكم في البلاد بعد 50 عاماً على الاستقلال. وشارك 42،3 في المئة من الناخبين الجزائريين في عملية الاقتراع التي قال الإسلاميون، وفي مقدمتهم تكتل «الجزائر الخضراء»، إنها «مزورة» بعدما خاب أملهم في تحقيق توقعاتهم بحصد عدد كبير من المقاعد.
توقع الكثير من المراقبين نسبة مشاركة منخفضة، وعدم فوز أي من الأحزاب أو التكتلات بغالبية المقاعد، بالإضافة إلى صعود الإسلاميين خصوصاً بعد فوزهم الكبير في تونس ومصر، ولكن يبدو أن جزءاً من الشعب الجزائري، وهو أول الثائرين في «الربيع العربي»، لم يجمع على تغيير السلطة الحاكمة، ففي وقت قاطع أكثر من نصف الجزائريين الانتخابات، في ما بدا اعتراضاً على غياب السياسات الاجتماعية والسياسية الحقيقية، قرر الناخبون إعطاء فرصة أخرى لإصلاحات الحزب الحاكم.
وفازت «جبهة التحرير الوطني» التي يتزعمها عبد العزيز بلخادم في الانتخابات التشريعية التي جرت أمس الأول بحصولها على ما يقارب نصف مقاعد المجلس الوطني الشعبي، 220 مقعداً من أصل 462 ( 47،6 في المئة)، في قفزة نوعية مقارنة مع انتخابات العام 2007 (34،9 في المئة).
وفي المرتبة الثانية حصل حليف الجبهة الأساسي «التجمع الوطني الديموقراطي» بزعامة احمد او يحيى، على 68 مقعداً (14 في المئة) في مقابل 61 مقعداً في العام 2007 (15،6 في المئة).
ولم تحصل الأحزاب الإسلامية مجتمعة سوى على 59 مقعدا، من بينها 48 مقعداً لكتلة «الجزائر الخضراء» الذي جمع بين «حركة مجتمع السلم» (المقربة من «الإخوان المسلمين»)، و«حزب النهضة» و«حركة الإصلاح». ولم يحصل «حزب العدالة والتنمية» الذي يرأسه الإسلامي المعروف عبد الله جاب الله والرئيس السابق لـ«حركة الإصلاح» سوى على ثمانية مقاعد (1،7 في المئة).
وكانت «حركة مجتمع السلم» حصلت في العام 2007 على 52 مقعداً من أصل 389 (15،6 في المئة) بعد تحالفها مع «جبهة التحرير» و«التجمع الديموقراطي»، في وقت حصلت «حركة الإصلاح» التي كان يرأسها جاب الله آنذاك على 20 مقعداً (خمسة في المئة).
وعلى جبهة اليسار، حصل «حزب العمال» الذي ترأسه لويزة حنون على 20 مقعداً (4،3 في المئة)، في مقابل 26 مقعداً (6،6 في المئة) في العام 2007.
وبرز في الانتخابات الحالية مشاركة «جبهة القوى الاشتراكية» الأمازيغية المعارضة والتي يرأسها أحد قادة الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد، حيث حصلت على 21 مقعداُ (4،5 في المئة) بعدما قاطعت الانتخابات التشريعية طوال 15 عاماً.
وفازت 145 امرأة بمقاعد في المجلس الشعبي الوطني (31،38 في المئة).
واحتلت مرشحات «جبهة التحرير» المرتبة الأولى حيث حصلت على 68 مقعداً، و«التجمع الوطني» 23 مقعداً، و18 آخرين لتكتل «الجزائر الخضراء»، فيما حازت مرشحات «حزب العمل» على نصف مقاعده في البرلمان الجديد.
واحتجاجاً على ما اعتبره تزويراً أكيداً للانتخابات، أعلن تكتل «الجزائر الخضراء» في بيان «تأكد لدينا ان هناك تلاعباً كبيراً في النتائج الحقيقية المعلنة على مستوى الولايات وتزايداً غير منطقي للنتائج لصالح أحزاب الإدارة»، مضيفاً أن «تغيير حقيقة الاستحقاق الانتخابي بما يخالف روح الإصلاحات السياسية سيقضي على ما بقي من الأمل والثقة لدى الشعب الجزائري، ويعرض البلاد إلى مخاطر لا نتحمل مسؤوليتها».
بدوره، اتهم رئيس «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية»، محسن بلعباس، الذي قاطع الانتخابات، السلطة بالتلاعب بنسبة المشاركة التي لم تتجاوز برأيه 18 في المئة.
من جهة ثانية، حيّت «جبهة القوى الاشتراكية»، أقدم حزب معارض في البلاد، «المواطنين والناخبين الذي عبّروا عن رأيهم بشكل سياسي وسلمي ولم يستجيبوا للنداءات المعادية للتعبير الشعبي والسلمي»، مضيفاً «نتفهم عزوف الناخبين السلمي الذي سببه سنوات التزوير والشمولية التي تحتقر الحريات وحقوق المواطنين».
وقال الباحث الرئيسي في معهد «كارنيغي» الحسن عاشي لـ«السفير» إن «النتائج وتوزيع المقاعد يشكل مفاجأة كبرى للجميع، لا سيما أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية خلال فترة حكم الحزب الحاكم غير مرضية»، موضحاً أن «بقاء الوضع كما هو عليه يعني أن الإصلاحات لن تذهب بعيداً وأن احتمال استمرار الاحتجاجات والغضب الشعبي وخاصة بين الشباب كبير جدا»ً.
وأوضح الباحث أن «الحملات الانتخابية واستطلاعات الرأي أشارت قبل عملية الاقتراع إلى أن الأحزاب الإسلامية سوف تحقق تقدما كبيراً»، لافتاً إلى «هذه الأحزاب تشير إلى عملية تزوير، ما يعني أنه من المحتمل أن يبدأ الطلاق من جديد بين هذه الأحزاب والنظام الجزائري. وإذا كانت بالفعل هذه الأحزاب ترتكز على قواعد تم تزوير إرادتها فإن ذلك معناه إقبال الجزائر على مرحلة صعبة جداً».
وفيما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 42،36 في المئة (وصلت على المستوى الوطني إلى 44،38 في المئة، وعلى مستوى المقيمين في الخارج إلى 14 في المئة)، قلل عاشي من أهمية هذه النسبة التي اعتبرتها السلطات «رداً على الذين راهنوا على نسبة مشاركة ضعيفة». وقال عاشي إن» نسبة المشاركة تبقى تحت سقف الـ50 في المئة بالرغم من الحملة الواسعة التي قامت بها أجهزة الإعلام الرسمية، ثم الإلحاح الشخصي للرئيس الجزائري (عبد العزيز بوتفليقة) على الجزائريين بالمشاركة».
وأشار عاشي إلى أن «عدد الأصوات الملغاة تجاوز مليون ونصف مليون ما يعني أن نسبة الجزائريين الذين عبروا عن أصواتهم لا تتجاوز الثلث»، مضيفاً أن «نسب المشاركة مرتفعة في الولايات الجنوبية النائية، والتي تنتقل فيها مكاتب التصويت إلى المواطنين الذين يشعرون بالحرج أمام السلطات المحلية في حالة عدم المشاركة، إلا أن نسب المشاركة في الولايات الكبرى تبقى ضعيفة حيث بلغت في الجزائر العاصمة حوالي 30 في المئة وفي ولاية تيزي أوزو (عاصمة القبائل) أقل من 20 في المئة».
وهذا ما أكده رئيس تحرير جريدة «الفجر» الجزائرية رشدي رضوان الذي أشار إلى أن نسبة المشاركة تبقى عالية في المناطق الصحراوية، بينما كانت منخفضة في الولايات القريبة من العاصمة.
ولفت عاشي إلى أن ولاية تيزي أوزو هي من» الولايات التي عادة ما تنطلق منها الاحتجاجات الاجتماعية»، ما يعني أن «نسبة المقاطعة المتراوحة بين 70 و80 في المئة في الولايات الكبرى تؤكد انعدام ثقة هؤلاء في المسار الإصلاحي في شكله الحالي».
ولعل هذا التفاوت في نسب التصويت يبقي، بحسب البعض، احتمال اندلاع احتجاجات جديدة ضد النظام قائماً، بانتظار أن يحدد الإسلاميون موقفهم من حلفائهم السابقين في «الجبهة» و«التجمع» بشكل أوضح، وهو أمر قد يتضح خلال الأشهر المقبلة مع بدء العد العكسي لانتخابات الرئاسة في العام 2014.

ربى الحسيني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...