الخرطوم تعلن سيطرة جزئية على هجليج وجوبا تنفي وتتهمها بقصف منشآت نفط
أكدت الخرطوم سيطرة قواتها جزئياً على منطقة هجليج النفطية التي استولى عليها جيش جنوب السودان الثلثاء الماضي، مشيرة إلى أنها باتت على بعد كيلومترات من وسط المدينة وحقول النفط. لكن جوبا نفت ذلك واتهمت الجيش السوداني بقصف منشآت نفطية في هجليج وإلحاق أضرار جسيمة بها.
وتفقد مسؤول العمليات في الجيش السوداني الفريق كمال عبدالمعروف الخطوط الأمامية لقواته وتابع سير المعارك التي تدور على مشارف هجليج. وقال الناطق باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد سعد إن الجيش أحكم قبضته على مداخل منطقة هجليج، وأنه يقترب من تحريرها، بعد تكثيف هجومه عليها من ثلاثة محاور. وأضاف: «نحن الآن في منطقة هجليج على بعد بضعة كيلومترات من بلدة هجليج وحقل النفط فيها»، مؤكداً أن «القتال ما زال دائراً والهدف الحالي للجيش ليس دخول بلدة هجليج وإنما تدمير آلة الحرب الجنوبية».
لكن جوبا أكدت أن قواتها لن تنسحب من هجليج إلا بعد نشر قوات للأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار، وكذبت إعلان الخرطوم اقتراب قواتها من هجليج ووصفته بأنه «محض أمنيات». وشددت على أن الجيش الجنوبي لا يزال يسيطر على البلدة. واتهم وزير الاعلام في جنوب السودان برنابا ماريال بنجامين الجيش السوداني بـ «قصف منشأة المعالجة المركزية والصهاريج في هجليج وتحويلها الى أنقاض».
وأكد الناطق باسم الجيش الجنوبي فيليب اغواير أن «القوات السودانية ما زالت على بعد 30 كلم على الأقل من بلدة هجليج... إنهم يحاولون إقناع شعبهم بأنهم يحققون تقدماً». وأوضح أن الجيش السوداني شن أمس هجوماً على منطقة حدودية جديدة بعيدة من هجليج التي كانت تدور فيها معظم المعارك.
وكان الهدف من الهجوم قرية كويك الواقع شمال ولاية أعالي النيل عند حدود ولاية النيل الازرق السودانية، وتؤوي القرية قاعدة عسكرية سبق وهاجمها الجيش السوداني في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وأضاف اغواير ان «القوات المسلحة السودانية هاجمت كويك لكننا تصدينا لها»، غير أنه لم يتسن التحقق من هذه المعلومات من مصدر مستقل.
وتبادل الطرفان عروض الأسرى في الإعلام. وبث التلفزيون الحكومي السوداني اعترافات شخص قال إنه أسر في المعارك وانه من عناصر «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور. وقال الرجل إنه شارك مع الجيش الجنوبي في الهجوم على هجليج الثلثاء الماضي، مشيراً إلى انهم انطلقوا من منطقة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة الجنوبية. ونقل التلفزيون كذلك شهادات جنود من الجيش أكدوا أنهم يحققون «انتصارات كبيرة»، وأنهم اقتربوا من استرداد المنطقة، مؤكدين استيلاءهم على ثلاث مدرعات ودبابة في حال جيدة.
أما في جوبا، فذكرت وكالة «فرانس برس» أن مجموعة أولى من 14 أسير حرب سودانياً اعتقلوا خلال المعارك الاخيرة وصلت أمس إلى عاصمة جنوب السودان. ووصل الأسرى على متن طائرة وقد بدا عليهم الارهاق الشديد وإن كانوا في حال معنوية جيدة كما يبدو أنهم تلقوا الغذاء الكافي. وقد وضع بعضهم ضمادات على جروح بالرصاص بينما نقل البعض الآخر على حمالات. وقال اغواير: «نحترم قوانين الحرب الدولية... سنتصل بالصليب الأحمر لنرى إذا كان قادراً على تسهيل عودتهم الى ديارهم». وأكد وجود أسرى آخرين في أيدي قواته لكنه لم يحدد عددهم.
وفي الخرطوم، تصاعدت أصوات في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم تطالب بإقالة وزير الدفاع الفريق عبدالرحيم محمد حسين، وأخرى تتهم زعماء معارضة بـ «الخيانة» لصمتهم إزاء ما يجري. وقال مستشار الرئيس إبراهيم أحمد عمر أن الحزب الحاكم ومجلس الوزراء استدعيا وزير الدفاع عقب اعتداء الجيش الجنوبي على هجليج، «وسنحاسبه ولن يمر أي شيء من دون محاسبة».
وكشف النائب عبدالرؤوف بابكر سعد أن اجتماعاً عقدته كتلة نواب الحزب الحاكم الأربعاء الماضي شارك فيه اكثر من 230 عضواً بقيادة مستشار الرئيس غازي صلاح الدين حملوا خلاله في شدة على وزير الدفاع وطالبوا بسحب الثقة منه وإقالته بسبب الإخفاقات الأخيرة بعد احتلال دولة الجنوب لمنطقة هجليج. وأضاف أن النواب «مصممون على المضي في هذا الاتجاه وإن أدى الى خلاف مع مؤسسة الرئاسة».
وأشعلت التطورات العسكرية جدلاً سياسياً بين قادة الحكم والمعارضة. ووصف مساعد الرئيس نافع علي نافع عدم إدانة «حزب المؤتمر الشعبي» بزعامة حسن الترابي و «الحزب الشيوعي» الهجوم على هجليج بـ «الخيانة الوطنية». وأثنى على موقف مساعدة الأمين العام لـ «حزب الامة» مريم الصادق المهدي. وقال إنها «اتخذت مواقف مشرفة وشجاعة داخل تحالف المعارضة». ويعقد قادة المعارضة لقاء اليوم يضم الترابي ورئيس «حزب الامة» الصادق المهدي. وقال رئيس هيئة التحالف فاروق أبو عيسى إن «الاجتماع سيناقش قضية الحرب الدائرة بين الجنوب والشمال، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية والآثار المترتبة على ذلك».
وفي تطور متصل، طالب الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون خلال اتصال مع وزير الخارجية السوداني علي كرتي الخرطوم بممارسة مزيد من ضبط النفس وإعطاء الجهود التي يبذلها مع عدد من الشركاء الدوليين فرصة حتى يتمكن من الوصول إلى سحب القوات الجنوبية من هجليج من دون مواجهة عسكرية. غير أن كرتي الذي شكر المنظمة الدولية على مواقفها ازاء «العدوان على الأراضي السودانية» قال إن «السودان وجد نفسه في موضع المعتدى عليه وهو موضع لا يحتمل الانتظار وليس لديه خيار سوى اتخاذ الترتيبات الدفاعية والعسكرية لرد العدوان وطرد المعتدين».
إلى ذلك، انخرط وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو فور وصوله إلى الخرطوم أمس في محادثات مع المسؤولين آخرها مع الرئيس عمر البشير قبل أن يتوجه اليوم إلى دولة جنوب السودان للقاء رئيسها سلفاكير ميارديت من أجل وقف المواجهات وتهدئة الاوضاع بين الدولتين. وأكد البشير خلال محادثاته مع عمرو أن «السودان تعرض لاعتداء ولابد للمعتدي من ان يسحب قواته من اراضينا». وأوضح أن «الإدانات الدولية والإقليمية تجاه هذا الاعتداء لم تثن دولة جنوب السودان عن موقفها... ولا تفاوض مع دولة الجنوب إلا بسحب قواتها من هجليج». ولفت إلى أن حكومته «تحتفظ بحق الرد كيفما شاءت وبالطرق التي تعيد إلى السودان أراضيه وتحافظ على سيادته وامنه واستقراره».
وقال عمرو للصحافيين إن لقاءه مع البشير «كان مثمراً وايجابياً»، مبيناً أن «الدور المصري يأتي في اطار تعزيز الوساطة الأفريقية التي يقودها رئيس جنوب افريقيا السابق ثابو مبيكي والجهود الدولية لاحتواء الازمة بين الخرطوم وجوبا». وأضاف انه سيتوجه اليوم إلى جوبا «للاستماع إلى وجهة نظر حكومة جنوب السودان وشرح موقف مصر، وسنحاول بلورة مقترحات للمساعدة في حل المسألة ونزع فتيل التوتر وإيقاف شبح الحرب وحقن الدماء».
النور أحمد النور
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد