هل شرب أحدكم يوماً فنجان شاي على الطاقة الشمسية؟
هو ليس صحنا لالتقاط ترددات بث الاقمار الصناعية، انه سخان شمسي مكون من 22 جزءا، اتخذ في طريقة جمعه شكل «الصحن» ولا وجود لـ «العين» اللاقطة في وسطه، وانما قطعة دائرية ومسطحة.
امام هذا «الصحن» ، وقف رئيس المركز الدكتور منير أبو سعيد، وقال: «سنشرب فنجان شاي على الطاقة الشمسية». وضع إبريقا مليئا بالمياه، وقام بتصويب «الصحن» عند نقطة حددها تبعاً لموقع الشمس لتعكس حزمة كبيرة من الاشعة إلى تحت القطعة المسطحة التي تتوسط «الصحن»، ومن ثم وضع عليها الابريق، وما كادت تمر خمس دقائق حتى علا بخار المياه، وبعد لحظات قليلة راحت المياه تغلي، فوضع ابو سعيد الشاي في الابريق، وكانت جلسة على فنجان شاي لم تستخدم في تحضيره النار، لا من الحطب ولا من الغاز او اي نوع وقود آخر.
يطلق على هذه السخانات تسمية «المواقد الشمسية»، وقد انتشرت مؤخرا على نطاق واسع في العديد من دول العالم، بعد ان تبين مدى أهمية هذا النوع من المواقد، ان لجهة توفير استهلاك الطاقة التقليدية، وان لجهة الحد من الانبعاثات الضارة للبيئة.
في مجال متصل، فإن اسعار «المواقد الشمــسية» ليست مرتفعة، لا بل يمكن لاي مواطن صناعة «موقد» بشروط لا تتطلب الكثير من الجهد. فالمطلوب فقط تأمين مادة مع المعدن العاكس لاشعة الشمس، وتصميمه على شكل قادر على جمع حزمة من اشعة الشمس. بالاضافة الى ذلك يمكن لـ«المواقد الشمسية» أن تكون رفيقة المواطنين في الرحلات الى الطبيعية، ما يغني عن استخدام الحطب، الذي غالباً ما يتسبب بنشوب الحرائق.
تجربة هاييتي
بحسب التقارير شبه السنوية المتعلقة بتغير المناخ، فإن حوالى ثلاثة مليارات شخص في العالم يستخدمون الحطب أو روث الحيوانات كوقود للطهي، ما يتسبب بتراجع مساحة الغابات ويضر بالمناخ . أما «المواقد الشمسية» فيمكن أن تلعب دورا إيجابيا في هذا الصدد وتساهم في التقليل من الحرائق المنزلية ايضا.
تتحدث رابطة «إي.جي سولار» عن زلزال هاييتي الذي تسبب في تدمير خطوط المياه في مناطق كثيرة، ومواجهة الناجين لخطر تلوث المياه بالبكتيريا الضارة، الذي جعل غلي المياه ضروريا قبل شربها. وبما ان هذا الأمر ليس باليسير هناك، بسبب ارتفاع أسعار الخشب الذي يستخدم كوقود، أو لان جمعه يتطلب بذل مجهود كبير للغاية، تم اللجوء الى المواقد الشمسية.
وتؤكد الرابطة، التي تشرف على مشاريع للطاقة الشمسية في مناطق عديدة من العالم، الوضع القائم هناك: «أن 97 بالمئة من الأدغال تلاشت، وان النسوة اللواتي كن يقضين ساعات طويلة بحثا عن الخشب، يسعين الآن إلى جمع التبرعات لشراء المزيد من المواقد التي تعمل بالطاقة الشمسية وإرسالها إلى هاييتي».
ولا تعتبر المواقد الشمسية مفيدة في حالة هاييتي فحسب، بل يمكن لها أيضا أن تدخل تحسنا ملحوظا في ظروف حياة الناس في دول نامية أخرى. ويمكن إلى جانب هذه الفائدة أيضا تحقيق مساهمة ايجابية في ما يتعلق بحماية المناخ، وذلك نظرا إلى أن 17 بالمئة من نسبة الغازات الضارة المنبعثة على النطاق العالمي، ناتجة عن حرائق منزلية شبت على خلفية استخدام الروث وبقايا النباتات والحطب كوقود.
بديلا عن احتراق الحطب
إن عدد الذين يعتمدون بشكل كلي على الحطب كوقود يبلغ 3 مليارات شخص في أنحاء العالم المختلفة. ولما كان الناس يلجأون إلى قطع الغابات للحصول على هذا الوقود، فقد ترتب على هذا الوضع تزايد تعرية التربة وردم الأنهر. وبخلاف ذلك، فإن جمع الحطب يستهلك وقتا طويلا، بينما الناس هم اكثر حاجة لاستغلال هذا الوقت في عمل يدر عليهم مالا. كما أن الدخان الناتج من احتراق الحطب يلوث الهواء. وبحسب ما توضحه دراسة سويدية، فإن موجة الدخان فوق منطقة جنوب آسيا في فصل الشتاء، ترجع بشكل أساسي إلى النار التي يتم إشعالها بواسطة الحطب. وهذا يحمل في طياته مخاطر صحية مميتة، إذ تحصي تقارير منظمة الصحة العالمية مليونا ونصف مليون حالة وفاة بأمراض المجاري التنفسية، وهي ناجمة عن آثار الدخان الناتج من احتراق الحطب.
من هنا كانت مئات المبادرات الساعية إلى الترويج لاستعمال المواقد الشمسية في أنحاء العالم المختلفة، والكثير من هذه المبادرات تنطلق من سويسرا والنمسا وألمانيا. وبالرغم من المشروعات التي تبنتها حكومات مختلفة، إلا أنه لم يتم تحقيق نجاح كبير في هذا المجال على النطاق العالمي، فعدد المواقد الشمسية التي يتم استخدامها الان لا تتعدى المليون، بينما تبلغ الحاجة في الوقت الراهن إلى ذلك النوع من المواقد في القارة الآسيوية وحدها الى 300 مليون قطعة، بحسب تقديرات رابطة المواقد الشمسية العالمية «اس.سي.آي.ايه» (SCIA).
«صندوق كيوتو»
في العالم الآن أكثر من 200 نموذج لمواقد شمسية مختلفة، تتنوع بين تلك المواقد الكبيرة التي تعتمد على أطباق القطع الضخمة، وبين تلك الأنواع البسيطة التي تعتمد أحياناً في تصنيعها على صناديق الأحذية الكرتونية ورقائق الألمنيوم المستخدمة في المطابخ المنزلية. تلك الفئة الأخيرة هي التي يطلق عليها «صندوق كيوتو» أو «Kyoto box». يقوم هذا الصندوق على تثبيت مرآة أو سطح عاكس على وعاء داكن أو أسود اللون غالبا، ويعكس السطح اللامع أشعة الشمس على ذلك الوعاء الذي يمثل منطقة الاحتراق، وتحدث عملية التسخين عندما يمتص السطح الداكن أشعة الشمس، بينما تعمل طبقة عازلة على منع تسرب الحرارة إلى الخارج.
لكن الاستفادة من هذه التقنية غير ممكنة في كل مكان، فهناك مناطق لا تتمتع بجو مشمس، كما أن هناك أيضاً صعوبة في استخدامها في المناطق التي لا تجري العادة فيها بطهي الطعام في مناطق مكشوفة، أو تلك التي لا تعاني نقصا حادا في الوقود. ويتمثل الحل في دمج المواقد الشمسية بأفران قليلة الاستهلاك للطاقة.
وقد لقي استخدام المواقد الشمسية نجاحا كبيرا بشكل خاص في المناطق المشمسة والخالية من الغطاء الشجري، مثل التيبت ونيبال ومنغوليا وبعض المناطق في الصين، حيث يصل عدد المواقد المستخدمة في تلك المناطق إلى 600 ألف. لكن رابطة المواقد الشمسية العالمية (SCIA) ترى أن البلد الذي يمكن أن تجد فيه المواقد رواجا أكبر هو الهند، فهناك تدعم الحكومة استخدام المواقد الشمسية خاصة في القرى والأرياف، في إطار مبادرة وطنية جديدة للطاقة الشمسية.
قرية هندية خالية من الدخان
بدورها أدركت الشركات إمكانية تحقيق فائدة اقتصادية مهمة من وراء تصنيع المواقد الشمسية وتسويقها في الدول النامية، منها شركة غاديا سولار Gadhia Solar التي أصبحت أكبر مصنع في هذا المجال على النطاق العالمي. وقد أحدث هذا التطور تغييرا كبيرا في القرى الهندية، كما في قرية بيسانابالي قي مقاطعة أوتار براديش، القرية الأولى الخالية من دخان المواقد التقليدية. وقد تحقق هذا الهدف بعد أن تحولت القرية بأكملها إلى استخدام المواقد الشمسية، وعقب هذا النجاح أبدى المعنيون في 20 قرية أخرى الاهتمام بالقيام بخطوة مماثلة. كذلك فإن شركة غاديا سولار Gadhia Solar تصنع المواقد الشمسية الكبيرة المخصصة للاستخدام في المعابد والمستشفيات. وبفضل المشروعات الكبيرة التي انطلقت حتى الآن في الهند والبالغ عددها 18 مشروعا، سيصل حجم غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تم تخفيضه بحلول عام 2012 إلى حوالي 4000 طن، وهو ما يوازى كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة سنويا من 3600 مواطن هندي.
أما ما يبعث على الأمل فهو التحول الذي حدث في موني سيفا أشرام بولاية غوجرات غربي الهند، فهناك تم للمرة الأولى الاعتماد على المواقد الشمسية في إعداد الطــعام لتلاميذ المدارس. وكان هذا الجانب بالذات هو ما تم إغفاله حتى الآن كما ترى مارلين كييس من مؤسسة التعاون الفني الألمانيـة (GTZ)، التي تضيف: «من الضـروري إدخال المواقد الشمسية للاستخدام بشكل أوسع في المدارس والجامعات، فتغيير العادات السلوكية يحدث بعد جيل واحد، والبداية ينبغي أن تكون في وقت مبكر بقدر الإمكان».
اقتصادية وعملية وبيئية
وفي العودة الى «الموقد الشمسي» لابي سعيد الذي يستخدمه في المركز، فهو يعرف باسم Solar Furns. «استقدمنا نحو اربعين موقدا من سويسرا وقمنا بتقديم عدد منها كجوائز من خلال المسابقات العلمية المتعـلقة بالحياة البرية التي ننظمها في المركز»، كما يقول ابو سعيد، مشيراً إلى أن «سعرها كان حوالى المئة دولار قبل ست سنوات او اكثر ولكن لا علم لي عن اسعارها في الوقت الحاضر».
ورأى أن «عدم استخدامها على نطاق واسع في لبنان ربما بسبب سعرها او عدم توفرها»، واضاف: «بالمقارنة مع الغاز، تتطلب المواقد الشمسية وقتا اكثر قليلا كي تغلي المياه، لكن التوفير في المصروف يعوض فرق الوقت وأنا اعد عليها الطعام للحيوانات في المركز، وهناك من حضر الى المركز وأعد نوعا من المربيات عليها».
وأكد: «ان هذه المواقد تعتبر مهمة بنسبة الى بلد مثل لبنان (بلد الشمس)، واننا مدعوون لاستخدام الطاقة الشمسية ان لجهة تسخين المياه وان لتأمين الكهرباء وصولا الى المواقد الشمسية، وهي توفر المال وتحد من التلوث... بالاضافة الى كونها عملية».
ودعا ابو سعيد الى «تعميم هذه المواقد»، معتبرا ان الدور الاكبر المطلوب في مجال التوعية يتركز على الجمعـيات غير الحكـومية اكثر من وزارة البيئة، لافتا الى انه «يمكن تأمين تسهيلات من قبل وزارة الاقتصاد لاعفـاء هذا النـوع من المواقد من الضرائب، نظرا لأهميتها البيئية أولا والاقتصادية ثانيا».
أنور عقل ضو
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد