طوفان الدراما العربية
في الأخبار المتــــعــلقة بـ «طوفان» الدراما العربية من حولنا، ما يفيد بنشوء عصر جديد، أبطاله من لحم ودم، ولهم طباع فائرة أو خجولة مثلنا، وبوسعهم البكاء والضحك، والتقليل من أوزانهم ان لزم الأمر، وكذا النوم الخفيف. هناك من يقطع شرايين في يده، وهناك من يقاطع المحطة التي أوقفت عرض مسلسله ويقوم بالتحريض عليها. وهناك من يضيع بين الحالتين، فيصاب بالإغماء والانهيار العصبي المكلف.
في هذا الطوفان لا يعود ذكر الأسماء مهماً، فنحن نبحث في دلالة ما يحدث من حولنا من دون أن نقلل من قيمة أحد. واللافت ان المعركة بين أهل الدراما والمحطات التلفزيونية قد بلغت ذروتها هذا العام، وأخذت الأنباء تتواتر تدريجاً عن أزمة نفسية ألّمت بفلانة، وعوارض أزمة أخرى انتابت فلاناً، فاضطر للابتعاد بمسلسله كي ينقذه من الزحمة الكثيفة التي اعترضت طريقه، وآخر نأى بنفسه عن المسلسل الفلاني قبل أن يدخل ورطة لا تحمد عقباها تتعلق بتوجهات الجهة المنتجة (....).
ربما لا يبدو منطقياً أن نستشف من هذه الأخبار ما يساعدنا على تبني دلالة من أي نوع، فليست كل الأخبار صحيحة، وهذا أمر شبه أكيد. ولكن قراءة متأنية في الخريطة الدرامية كما توزعت على الفضائيات العربية تكشف ببساطة عن ولادة متاهة تلفزيونية لا يمكن الاقتراب منها من دون استنباط فكرة الخيط، كما في التراجيديا الاغريقية عندما يقرر زيوس أن يتخلص من هرقل، فيحشره في المتاهة الأزلية، ولولا تعاطف هيرا معه، وهي من أفردت الخيط أمامه كي يمسك بطرفه من أجل العودة من الطريق ذاته التي سلكها في المرة الأولى، لضاع المسكين على رغم قوة بأسه المشهور بها.
في «درامانا» المعاصرة تبدو فكرة الخيط مضحكة عملياً، فليس لدينا زيوس أو هيرا. هناك ممثلون من لحم ودم يتبادلون الأدوار في زحمة المسلسلات التي يظهرون فيها تباعاً. ولكن فكرة الخيط النفسي قد تبدو مفيدة بعض الشيء في مثل حالتنا، وهي الفكرة التي نعني بها إعطاء معنى لهذا الطوفان الدرامي الذي بلغ ذروته هذا العام مع كل هذه الأخبار المفجعة التي ألّمت بالنجوم، ومن سيجلس أمام كل هذه الشاشات المنبسطة أمامه ليتابع 40 أو 50 مسلسلاً، حتى وان منيّنا عليه بفرصة الاختيار، فإن الخيار بحد ذاته سيكون صعباً. بالطبع لن ندعو هذا المشاهد الى اغلاق كل هذه الشاشات بضغطة زر من الريموت كونترول الذي يمسكه بيده وهو على فراشه الوثير لا يفكر بأي زيوس أو هيرا أو حتى هرقل، بل سنعود الى فكرة تحريره من «الزامية» الدخول في هذه المتاهة الاختيارية التي لم يعايش مثلها هرقل في نسخته الأصلية. سنقرر له باعتبارنا – لجنة افتراضية – لا سلطة لها على أحد، ولكنها تدعو، بالديموقراطية الافتراضية، الى تبني سلطة أفكار جديدة مؤداها الخيط ذاته الذي يوصل الى هذا المسلسل أو ذاك، فإما يكون بوسع المشاهد أن يعود من متاهته سالماً، أو يكون عليه أن يتحمل مسؤولية متابعة 30 حلقة من دون أن يقرر قطع الخيط لينتقل للمسلسل الذي يليه.
لقد كبرت المتاهة التلفزيونية وتعقدت أوصالها، فبعض أبطالنا يقومون بقطع شرايين في أيديهم، ونحن صار لزاماً علينا أن نقطع بعض الخيوط في بداية الطريق أو منتصفه في أسوأ الأحوال!
فجر يعقوب
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد