التصَحّر يفاقم الفقر والهجرة الداخلية في سورية
يُعتبر التصَحّر في سورية من المشاكل القديمة، لكن التركيز عليها وتسليط الضوء على ضرورة حلّها، تصاعد أخيراً، عَبر الحديث عن آثارها السلبية على المجتمع مثل زيادة نسبة الفقر.
فقد أشارت دراسات رسمية إلى أن التصَحّر بات يهدّد مساحات كبيرة من الأراضي السورية قُدّرت بنحو 109 آلاف كيلومتر مربع، ما يزيد قليلاً عن نصف مساحة سورية. وأوردت الخطة الوطنية لمكافحة التصَحّر أن معظم المناطق المتصَحّرة تقع في مناطق هامشية في شرق سورية وشمالها الشرقي.
كما أشارت التقديرات إلى أن عدد السكان الذين يعيشون في هذه المناطق يصل إلى قرابة ربع سكان البلد. ولا تصعب ملاحظة العلاقة بين التصَحّر والفقر، خصوصاً أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى تركّز 58 في المئة من فقراء سورية في المناطق التي تعاني التصَحّر.
ويعمل ما يزيد على ثلث فقراء سورية في قطاع الزراعة، التي تعتمد بكثافة على الأمطار، ما يعني أن تقلّب هطول المطر يجعل الزراعة نشاطاً اقتصادياً غير مأمون.
لا يشكّل التغيّر في المناخ السبب الأوحد للتصَحّر في سورية. وبحسب وزارة شؤون البيئة، تشمل أسباب التصَحّر عناصر، مثل التجريف بالماء والتعرية بالرياح، إضافة إلى تآكل الغطاء النباتي الناجم عن الإفراط في قطع الأشجار والاحتطاب الجائر، إذ يحصل التجريف بالماء في المنطقة الساحلية بسبب هطول الأمطار بغزارة، خصوصاً في المنحدرات الجبلية والمناطق الجافة وشبه الجافة.
وبحسب دراسة رسمية حديثة تناولت تقويم حال البيئة في سورية، تعتبر التعرية بالرياح أيضاً من أهم مسببات التصَحّر. إذ ساهمت هذه الظاهرة في الحدّ من نمو النباتات الموسمية في مراعي البادية السورية. ويقدّر أن ربع أراضي البادية، خصوصاً البادية في منطقة الجزيرة، تتأثر بهذه التعرية.
وتتضمّن أسباب التصَحّر أيضاً زراعة الأرض الرعوية بالشعير، ما يؤدي إلى تدهور الغطاء النباتي في مساحات واسعة من المراعي.
كما ساهم في حدّة هذه الظاهرة انخفاض الوعي البيئي والمستوى التعليمي لسكان المناطق المتصَحّرة، إضافة إلى ضعف الإجراءات الحكومية في هذا المجال، إذ لم ينفّذ سوى مشروع في جبل البشري بالتعاون مع «المركز العربي لدراسات المناطق الجافة»، التابع للجامعة العربية. أُعيد تأهيل هذا الجبل الذي أثّرت فيه التعرية بالرياح، وجعلته مصدراً للرمال التي تتراكم في البادية السورية.
ويتعرض قرابة 6 في المئة من مساحة سورية لخطر الانجراف المائي. وتشير الدراسات إلى خروج أراض من الصلاحية للاستثمار الزراعي بسبب زيادة الملوحة في تربتها، إذ وصلت مساحة الأراضي المتملحة التربة إلى 17.6 في المئة من الأراضي الزراعية، نصفها تصنّف في خانة الأراضي الشديدة الملوحة.
ونتيجة زحف الكثبان الرملية، تخرج آلاف الهكتارات من صلاحية الاستثمار الزراعي. وقدّرت مصادر رسمية سورية قيمة الانتاج الضائع الناجم عن خروج قرابة 2.7 مليون هكتار من صلاحية الاستثمار، مع العلم أن زراعتها بمحاصيل تعتمد على الأمطار السنوية، تعطي قرابة 5.7 بلايين ليرة سورية سنوياً، ما يعادل قرابة 114 مليون دولار.
ويؤدي التصَحّر أيضاً إلى تدهور الحياة البريّة، واختفاء عدد من الحيوانات والطيور البريّة نتيجة التدهور في البيئات الخاصة بها، وتتراجع مساحة المراعي. ويتفاقم الضرر على الطيور مع تصاعد ظاهرة الصيد غير المنظّم. وفي الوقت نفسه، يؤدي التصَحّر إلى آثار اقتصادية واجتماعية على قاطني المناطق المتصَحّرة، الأمر الذي يدفعهم إلى الهجرة بحثاً عن مورد للرزق، أو القيام بتصرفات جائرة تجاه الموارد الطبيعية القليلة الموجودة لديهم.
وفي الوقت الذي بدأ الحديث في سورية عن العودة إلى الاقتصاد الزراعي، تظهر مشكلة التصَحّر باعتبارها إحدى مشاكل البيئة التي يصعب التعامل معها.
ويدفع التصَحّر كثيراً من المشتغلين بالزراعة للتوجّه إلى أعمال أخرى. وإذ تخرج أراضٍ واسعة من صلاحية الاستثمار الزراعي، يؤثّر هذا الأمر على ما تسعى إليه سورية في الحفاظ على الأمن الغذائي.
وقد يساهم تنفيذ إستراتيجية مكافحة التصَحّر وتخفيف آثار الجفاف التي وضعتها السلطات الرسمية أخيراً، في تحسين انتاجية الأراضي المتأثرة بالتصحّر والحفاظ على مواردها، إضافة إلى إدارة هذه الموارد بشكل رشيد.
ويبدو أن المشاكل البيئية الكثيرة والمستعصية التي تعاني منها سورية، بداية من تلوث الهواء ووصولاً إلى الجفاف والتصَحّر، جعلت الكثيرين يتساءلون: «لماذا لا تكون البيئة وحل مشاكلها على رأس قائمة الإصلاح؟».
رنا إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد