هل يبحث البابا عن دور سياسي جديد للفاتيكان
الجمل: تشير معطيات الخبرة التاريخية إلى الدور الكبير الذي ظلت تلعبه المؤسسات الدينية ورجال الدين في مختلف التفاعلات الإنسانية في كل مجتمع وكل زمان ومكان تعمل على تجسيد سلطة الإرادة الإلهية المقدسة، وإنفاذ سلطانها وشروطها على حياة الناس.
في الامبراطوريات والممالك القديمة، كان لرجال السحر والمشعوذين دوراً كبيراً في توجيه الحياة الروحية، وظل هذا الأمر سارياً حتى فترة الامبراطورية الرومانية، والتي شهدت تنافساً كبيراً في الصراع حول النفوذ الاجتماعي بين السحرة والدجالين، ورجال الدين، واستطاع رجال الدين حسم الصراع، وذلك بوقوفهم إلى جانب الأباطرة الرومان، وتسييسهم للدين، وعلى خلفية هذه العلاقة بدأ الأباطرة الرومان، في توطيد تحالفهم الجديد آنذاك مع رجال الدين، وذلك وفقاً لصفقة تتمثل بنودها في الآتي:
• أصبح رجال الدين يصدرون الفرمانات التي تصف الامبراطور بأنه حامي الإرادة الإلهية، وبأن سلطته مقدّسة.. وغير ذلك، ومن ثم يتوجب على الجميع طاعته، وذلك لأن الخروج على سلطته، هو خروج على الشرائع المقدّسة.
• أصبح رجال الدولة، يعطون لرجال الدين المزيد من السلطات على النحو الذي يساعدهم في إخضاع الناس إلى سلطة خطابهم المقدّس، وذلك على أساس اعتبارات أن ما يقولوه هو الحق الإلهي المطلق، وعين ذات الصواب.
على خلفية هذه الصفقة، تعززت العلاقة أكثر فأكثر في الامبراطورية الرومانية بين الامبراطور، والفاتيكان، وخلال فترة القرون الوسطى، وفي بدايات محاكم التفتيش أصدر البابا قراراً يحرم السحر، بزعم أنه يمثل نوعاً من الهرطقة، والخروج على سلطة المقدس، وقد نجح قرار البابا آنذاك في القضاء على السحر، على نحو دفع فيه رجال السحر ثمن منافستهم للكرسي البابوي في النفوذ الاجتماعي، وذلك من جراء حملة القتل شنقاً وحرقاً انفلتت من عقالها بسبب القرار البابوي.
بدأت حركة التنوير الأوروبي، بتقدم الفلسفة، وبرز جان جاك روسو، وفولتير في فرنسا، وجون لوك في انكلترا، وهيجل في ألمانيا، وقامت الثورات الديمقراطية الليبررالية، في غرب أوروبا، وبانتهاء الدولة الدينية انتهت سلطة المقدس السياسية، وبقيت سلطة المقدس الاجتماعية، التي تركز على الأحوال الشخصية، وعاش العالم عصراً من الهدوء النسبي بعد فصل الدين عن السياسة.
ولكن، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت في الغرب فكرة صراع الحضارات بوساطة هنتنغتون والتي قسمت العالم على أساس كيانات ثقافية حضارية، افترضت الصراع بينها، وحدت بوضوح أن المواجهة سوف تكون ضد الإسلام، ثم جاءت بعد ذلك فكرة نهاية التاريخ بوساطة فرانسيس فوكوياما، لتحدد بوضوح أن التاريخ قد انتهى، ولن يكون هناك شيء سوى الحضارة الرأسمالية، التي تقوم على المبدأ البراغماتيكي حول حتمية ذرائعية المنفعة.
بعد حرب الخليج الأولى في مطلع التسعينيات تحركت قاطرة النظام الدولي الجديد، على أساس اعتبارات أطروحة العولمة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.. ثم برزت ذئاب الأصوليات الإسلامية التي أشرف الغرب على رعايتها، وتربيتها، وبدءاً من الحادي عشر من أيلول بدأت الحملة ضد الإسلام، والربط بين الإسلام والعرب، والتجاهل التام لحقيقة أن ليس كل العرب مسلمين، وليس كل المسلمين عرب، وأصبحت كل المناطق العربية مستهدفة ضمن الحرب الأمريكية المفتوحة ضد (الإرهاب).
تحدّث البابا بنديكت الثاني هذه المرة في ألمانيا، ومرة أخرى مدّ التاريخ لسانه، مؤذناً بعودة التحالف، بين الدين والدولة، ومؤشراً لبدء مرحلة جديدة أخرى من القرون الوسطى.
تحالف الفاتيكان- روما، تمت إعادة إنتاجه هذه المرة تحت عنوان وقوف الفاتيكان إلى جانب
البيت الأبيض، والهدف هو نفسه: القضاء على العالم العربي المسلم- المسيحي، وإعادة إنتاج ثنائية روما الفاتيكانية- أورشليم اليهودية.
كذلك هناك آراء تقول: إن البابا السابق قد لعب دوراً في الحرب الأمريكية ضد الشيوعية، والآن يحاول البابا بنديكت أن يبحث عن دور وإنجاز يقترب باسمه، وذلك عن طريق القيام بدور في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، والتي تستهدف المسلمين، وهناك رأي آخر يقول: إن موقف البابا هذا يهدف إلى ترميم الكنيسة الكاثوليكية داخل أمريكا بعد تعرضها في فترات سابقة لهزات عنيفة، في مواجهة المواقف الأخرى.. وهو موقف على أي حال سوف يكون خصماً من حساب الكنيسة الكاثوليكية في العالم العربي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد