قطار الانفتاح يعيد السوريين إلى مقاعد الدراسة
بعد انتهاء دوامه الرسمي، يستقل الحافلة بسرعة وهو يحمل كتبه، متجهاً نحو أحد مراكز التعليم الخاصة، ويشير إلى زميلٍ له مازحاً: «سيأتي يوم وتتبعني، وإلا سيفوتك القطار...»، قطار الانفتاح الاقتصادي، وتسارع نظم الاتصال والتقنيات بدأ سيره السريع خلال الفترة الماضية في سوري
لذلك يرى سمير العبدالله (موظف بنك 52 سنة) أن «قطاع البنوك والمصارف تطور خلال فترة قصيرة، فمع دخول المصارف الخاصة إلى سوق المنافسة دفع هذا المصارف الحكومية إلى السعي لتطوير خدماتها وطرق تعاملها مع الزبائن، بالتحديد من ناحية السرعة وتسيير المعاملات عن طريق الكمبيوتر أو الانترنت» .
هذه الأسباب دفعت سمير إلى اتباع مجموعة من الدورات في المحاسبة وما يخص العمل المصرفي، فهو يرى أن إجازة الاقتصاد التي حصل عليها منذ الثمانينات في القرن الماضي لم تعد كافية وحدها لتحسين وضعه الوظيفي، وهنا يضيف: «ربما يستطيع شاب ليس لديه زمن وسنوات الخبرة الموجودة لدي، لكنه يمتلك القدرة على التعاطي بمرونة أكثر مع متطلبات هذا العصر مما يفسح له المجال في تحسين وضعه الوظيفي بسرعة، ويسمح له أن ينافسني بجدارة أيضاً» .
ليس قطاع المصارف والبنوك وحده الذي يخضع لمتطلبات التغيير ومستلزماته خلال هذه الفترة، ففي مطلع العام الدراسي الحالي 2010/2011 ، أجرت وزارة التربية في سوريا تغييراً شاملاً لكافة المناهج الدراسية وفي مختلف مراحل التعليم الأساسي والثانوي، ما دفع كثير من المدرسين إلى اتباع دورات حول كيفية التعامل مع المناهج الجديدة وتدريسها للطلاب قبل بدء العام الدراسي
وهذه الدورات كانت ملزمة لجميع المدرسين من قبل وزارة التربية، وهنا تقول سماح السعد مدرسة تربية موسيقية (35 عاماً): « بعد تغيير المناهج خضعنا كمدرسين إلى دورات إعداد خلال العطلة الصيفية الفائتة، من أجل تحسين قدراتنا على التعاطي مع المنهاج الجديد، خاصة وأنه لم يعد يعتمد على الأساليب التلقينية القديمة التي كانت متبعة، إنما هناك دروس تعطى للطلاب بطرق أكثر تفاعلية وباستخدام الكمبيوتر وشاشات العرض.
تفكر السعد أيضاً في اتباع دورات اللغة الانجليزية واللغة الفرنسية خلال الصيف المقبل، ولذلك أسبابه عندها: «بصراحة أواجه صعوبة في تعليم الأغاني والأناشيد للأطفال باللغتين الإنجليزية والفرنسية، فلغتي الأساسية هي الإنجليزية، وعندما كنت طالبة لم تكن الفرنسية إلزامية، لذلك سأعمل على دراسة اللغتين بشكل كثيف قريباً، فالمنهاج الجديد يحوي أغاني يجب أن يعرفها الطفل وبلغات مختلفة» .
ربما ليست اللغتان الانجليزية والفرنسية فقط ما يسعى السوريون إلى تعلمه، فتحالفات دمشق السياسية وعلاقاتها الوثيقة مع طهران واستانبول، انعكست علاقات اقتصادية وسياحية قوية أيضاً، إذ تشير الإحصائيات الرسمية إلى دخول 430 ألف سائح إيراني إلى سوريا العام الماضي، ومليون وسبعين ألف سائح تركي هذا العام، خاصةً بعد إلغاء التأشيرات لمواطني هاتين الدولتين الراغبين في القيام بجولات سياحية داخل سوريا.
الأبواب الجديدة التي فتحت في قطاع السياحة مع دول مثل إيران وتركيا، دفعت كثيرين من العاملين في هذا المجال إلى تعلم لغتي هذين البلدين في معاهد خاصة، علماً أن وزارة التعليم العالي افتتحت أقساماً في كلية الآداب لتعليم اللغات التركية والفارسية، هذا إضافة إلى اليابانية والإسبانية والألمانية خلال السنوات العشر الفائتة. من جهته يؤكد وائل عواد (مدير شركة سياحية 45 عاماً):
« بعد زيارتين إلى تركيا وتطور عملنا في استقدام المجموعات السياحية، وجدت نفسي مضطرا إلى تعلم هذه اللغة القريبة من لغتنا، فهذا سيسهل علي القدرة على التواصل مع الأشخاص القادمين من تركيا، ويوفر علي جهد الترجمة في حال الاجتماع مع العاملين في نفس هذا القطاع في تركيا، لذلك اجتزت إلى الآن مرحلة مهمة في تعلم هذه اللغة
بدأت أشعر بالفرق في التعامل مع السياح الأتراك، فعندما تتعلم لغة أي بلد هذا يقوي علاقاتك العامة مع القادمين منه، وهو شيء مطلوب بالنسبة لمجال عملنا، وهذا بالفعل ما يحصل معي، ليس فقط مع السياح الأتراك فأنا أجيد الإنجليزية والإسبانية أيضاً» .
التطور التقني والتكنولوجي وارتباطه بتنامي القدرات المعرفية والتقنية المتطورة ترك أثره في كثير من المهن والحرف والصناعات، ونقلها من الاعتماد على المجهود اليدوي أو الميكانيكي البسيط، إلى استخدام الأجهزة التقنية المتطورة والتي تتطلب مجهوداً فكرياً فقط، هذا ما دفع المهندس الميكانيكي أحمد التقي 47 عاماً إلى دراسة الآلات المبرمجة:
«أنا أملك معملا لتصميم القوالب البلاستيكية وغيرها، في السابق كان الاعتماد على آلات ميكانيكية بحتة، أما اليوم دخلت الآلات المبرمجة (CNC) إلى مهنتنا وهذه الآلات توفر الكثير من الجهد ولديها دقة عالية في مجال العمل
لكنها بالمقابل تتطلب خبرة ليست موجودة لدى الجميع، بالتحديد كبار السن، وهذه ليست المرة الأولى التي أسعى فيها إلى تعلم البرامج الجديدة في مهنتنا التي ستنتقل خلال الفترة القادمة بشكل شبه كامل لتعتمد على الآلات المبرمجة، فسبق ودرست معظم برامج الرسم الهندسي المطلوبة مثل (AutoCAD 6002/ MasterCAM X)، وهذا ما يتطلبه سوق العمل اليوم، خاصة مع وجود منافسة قوية فيه، لذا علينا تعلم هذا الجديد وإن كان صعباً ويحتاج إلى وقت» .
عندما يتوجه الكبار في السن أو من هم خارج سن التعلم إلى اكتساب معارف وتعلم الجديد ربما تواجههم صعوبات كثيرة في هذه العملية، خاصةً لمن يريد اكتساب معارف تتعلق بالتقنيات والاتصالات والكمبيوتر، ففي هذه الاختصاصات غالباً ما يكون المدرسون أصغر من طلابهم
وهذا يخلق حواجز نفسية لدى بعضهم البعض أثناء عملية التعلم، وهنا يؤكد ربيع محسن 28 سنة أستاذ معتمد لدورات وزارة التربية للبرامج الحاسوبية: «هناك بعض المشاكل التي تواجهنا أثناء الدورات التي نقيمها في التعاطي مع أشخاص كبار في السن، وهم يشكلون غالبية بين من يخضعون لدورات الحاسوب لدينا، فغالباً ما يرغب كبار السن بالعصا السحرية
و من خلالها لا يريدون فقط أن يكونوا قادرين على استخدام الحاسب بشكل عام، لا بل احتراف العمل على البرامج الهندسية وطرق تشغيل الآلات المبرمجة، وكل ذلك خلال فترة قياسية، ولكن تعلم هذا العلم العصري كغيره من العلوم لا يمكن غبن حقه من الزمن لاستيعابه بشكل واف، وخاصة من قبل أشخاص لم يتسن لهم مواكبته بشكل تدريجي (أقصد بذلك كبار السن)، لكن ربما لديهم عذرهم بعدم الصبر على المدة الطويلة نسبياً التي يتطلبها استيعاب هذه البرامج عادة، عذرهم النابع من الرغبة في الاستفادة مما تعلموه خلال الفترة الزمنية المتبقية لديهم في عمرهم المهني» .
رياح تغيير جديدة تهب على المجتمع السوري تترك أثرها على كافة قطاعات العمل، وبالتحديد تلك التي تأثرت بشكل مباشر من التغييرات التي حصلت خلال السنوات الفائتة، مثل قطاع المصارف والبنوك والسياحة والتعليم الاتصالات والتقانة، كل هذا يدفع كثير من السوريين وهم خارج سن التعلم إلى العودة لمقاعد الدراسة، ولطلب العلم من جديد على أمل تحسين ظروفهم المادية ومواكبة العصر بامتلاك مفاتيح جديدة لأبواب قد يفتحها لهم ما تعلموه، رغم قصر الوقت المتبقي لهم من العمر المهني .
عمار الأسعد
المصدر:البيان
إضافة تعليق جديد