هكذا «أقنعت» واشنطن موسكو بالتخلي عن طهران
بعد أربع سنوات من «التوسّل»، نال الأميركيون مرادهم. أذعنت روسيا، وألغت صفقة كانت قد وقّعتها مع طهران في العام 2006، لبيعها أنظمة صواريخ دفاعيّة روسيّة من طراز أس300 بقيمة مليار دولار.
وكانت الصفقة الروسية الإيرانية محور كل لقاء ومناسبة جمعت الأميركيين بالروس. فمن زيارة الرئيس ديمتري ميدفيديف الأخيرة لواشنطن في تمّوز، إلى زيارة المسؤول الأمني مايكل ماكفول ونائب وزيرة الخارجية الأميركي بيل بيرنز روسيا، إلى لقاء وزيري دفاعي البلدين الأميركي روبرت غيتس والروسي اناتولي سيرديوكوف خلال زيارة الأخير لواشنطن الأسبوع الماضي، فلقاء وزيرة الخارجية الأميركيّة هيلاري كلينتون نظيرها الروسي سيرغي لافروف، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة، في اليوم ذاته الذي شهد إعلان القرار.
قيل إن القرار الروسي كان بمثابة «هدية على البيعة» لإدارة باراك أوباما لـ«إعادتها إطلاق» العلاقات مع موسكو. وقال خبراء بشؤون الكرملين ان ميدفيديف هو من أوعز لإصدار القرار، الذي وصفته الإدارة الأميركيّة بأنه «بداية فجر جديد في العلاقات الثنائية»، وخطوة فائقة الأهمّية نحو عزل طهران.
ووصف مسؤول «رفيع» في الإدارة الأميركية قرار موسكو بأنه «شديد الأهمية»، خاصة أن فرض العقوبات على طهران، مكلف بالنسبة لموسكو أكثر منه لواشنطن.
وأشار المسؤول الاميركي الى أن «الروس أوضحوا لنا، على مدى العامين الماضيين، أن هذه الصفقة ليست صفقة تناسبية، وأنهم لا يؤيدون تقييمنا للتهديد الإيراني»، ما يجعل من القرار الروسي «جريئا، وفيه اعتراف بمدى أهميته بالنسبة إلينا، ومدى الأهمية التي يعلّقها ميدفيديف على عودة العلاقات بيننا».
ورجّح المسؤول أن يكون سبب القرار الروسي، «بعد سنوات من الضغط الأميركي» مرتبطاً «بحاجة» روسية، ترى موسكو أن واشنطن تنوي مساعدتها على تحقيقها. فالكرملين يحتاج إلى كل الدعم الأميركي من اجل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، هذا العام.
وأوضح أن «آلية الانضمام إلى منظّمة التجارة هو محور المفاوضات الروسيّة – الأميركيّة التالية. ونحن الآن في خضمّ ذلك. وهو في مصلحتهم أكثر مما هو لصالحنا. وأعتقد أن علينا تقديم شيء في خصوص ذلك».
وشرح المسؤول كيف أنّ إدارة أوباما أوضحت لميدفيديف ومسؤولين روس آخرين عن أنّ صفقة بيع الصواريخ لإيران «خطّ أحمر لا يجوز تخطّيه». وهو تحذير سمعه الروس من الإسرائيليين أيضاً.
غير أنّ إدارة أوباما لم تطلب من الروس خدمة معيّنة، ولم تقدّم شيئاً في المقابل، بل «الفكرة تكمن في جعل العلاقات مع الولايات المتّحدة قيّمة أكثر من العلاقة مع إيران، بالنسبة للروس» قال المسؤول.
وتابع أن «الهدف لا يكمن حاليّاً في بناء علاقات حسنة مع روسيا، وإنما تطوير أمننا الذاتي وتحصين مصالحنا الاقتصادية والترويج لقيم عالميّة».
لكن ثمة محللين يبدون حذراً قبل «الاحتفال» بأن «موسكو اتخذت بالفعل القرار الاستراتيجي للتحوّل عن طهران، لصالح واشنطن»، كما يقول المسؤول في وزارة الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش، ديفيد كرايمر.
وقد أعطى كرايمر الفضل لإدارة أوباما في حمل «الروس على النكث بوعدهم إلى إيران»، لكنه أشار إلى أنّ استمرار تعاون موسكو بشأن مفاعل بوشهر النووي الإيراني، قد يساهم في تقويض العقوبات الأميركيّة على قطاع الطاقة الإيراني، وقد يؤدّي حتى إلى تعميق الانتقادات الحادة التي توجّهها دول كالبرازيل والهند والصين لهذه العقوبات.
كما انتقد كرايمر، في مقال نشره في «واشنطن بوست»، إحجام الإدارة الاميركية عن انتقاد سجل موسكو في مجال حقوق الإنسان، كاتباً «لسوء الحظ، لن يتمّ قول الحقيقة ما دامت إدارة أوباما تصوّر سياسة الصفحة الجديدة مع روسيا، بوصفها أحد أكبر إنجازاتها الدولية».
وردّ المسؤول «الرفيع» على كرايمر، قائلاً «لا نتغاضى عن أمور انتهاك الديموقراطيّة وحقوق الإنسان في روسيا لننال ما نريد في ما يخصّ الصفقة (التي ألغيت) مع إيران»، والدليل «لتقارير العديدة التي ننشرها عن الممارسات الروسيّة في مجال حقوق الإنسان».
أمّا الخبير في «مركز التقدّم الأميركي» سامويل شاراب، فيعتقد أنّ «روسيا ستبقى روسيا». وأنه يجب «ألا نتوقع تغييرا بناء في كلّ القضايا بين ليلة وضحاها لمجرّد أن الولايات المتّحدة فتحت صفحة جديدة»، مورداً على سبيل المثال كيف «لم يهتم الروس لما فكّرت فيه واشنطن» خلال الحرب مع جورجيا في 2008، «لانه لم يكن لديهم شيء على المحك».
من ناحية أخرى، رأى خبراء روس في هذه الخطوة مؤشراً على نجاح ميدفيديف في تنحية السياسة الخارجية عن سيطرة رئيس الحكومة والرئيس السابق فلاديمير بوتين، والذي وقّع الاتّفاق مع إيران في العام 2006.
ورغم غياب أي رابط أو دافع مباشر من وجهة نظر إدارة أوباما، إلا أن الروس يتوقّعون حتماً شيئاً بمقابل جهودهم. فيسمح أحد بنود الاتفاقية للروس بالعودة عن قرارهم في أي وقت. وهو ما يعني أنّه إذا أراد الأميركيون المضي في سياسة «الصفحة الجديدة»، فعليهم المساومة دوماً مع موسكو، حول مسألة الطاقة النوويّة السلميّة التي يريدها الروس ويعارضها الكونغرس، كما قال الكسندروس بيدرسون، العضو السابق في المجلس الأطلسي، لافتاً إلى ان «الروس سيحاولون الضغط، وإن لم يروا ما يقابل جهودهم، سنبدأ برؤية عودة إلى الوراء في ما خصّ الوعود الروسيّة».
المصدر: السفير نقلاً عن «فورين بوليسي»
إضافة تعليق جديد