مسلمو فيتنام: أقلية صغيرة من سلالة "الشامبا"
يسري صوت الأذان المنبعث من المئذنة في مدينة هو شي منه في فيتنام، حيث يتوجه الرجال مرتدين عباءات ملونة، ومعتمرين قلنسوات بيضاء الى المسجد لأداء الصلاة. ويشعر الناظر الى هذا المشهد بانه في ماليزيا، أو سلطنة بروناي أو اندونيسيا، أكثر مما يشعر بأنه في الفيتنام، الدولة الشيوعية ذات التأثر الكبير بالصين، وحيث يشكل المسلمون أقلية صغيرة بين السكان.
ويقول المسلمون في هذه المنطقة ان منطقتهم تشكل أكبر جيب مسلم في هذا الجزء من البلاد، الذي ما زال يحتفظ باسمه القديم سايغون في شكل غير رسمي. وتقارب عدد سكان هذه المنطقة 1300 شخص، وفيها مطاعم تراعي الشريعة الاسلامية، ومسجد كبير ومدرسة دينية غالبا ما ترسل طلابها الى ماليزيا لمتابعة الدراسات العليا.
وينتمي هؤلاء المسلمون الى مجموعة عرقية تعرف باسم "شام"، وهم من تبقى من مملكة شامبا التي حكمت المنطقة قرونا من الزمن. ويبلغ عدد الـ"شام" في فيتنام 100 الف، بين 86 مليون نسمة معظمهم من البوذيين يشكلون اجمالي عدد السكان، على ما تعلن السلطات. وتبدي هاشوت (49 عاما) أسفها تجاه تاريخ اسلافها، وتقول رافضة الكشف عن اسمها الكامل: "لقد سقطت مملكة شامبا وخسر الشام بلدهم. أشعر بانني أعيش في بلد آخر، وليس بلدي".
وكان الشام هندوسيين حكموا جنوب فيتنام ووسطها مئات السنين، قبل ان يعتنقوا الاسلام. لكن شمس مملكتهم بدأت تغرب في اواخر القرن الخامس عشر. واليوم لم يبق منها سوى بضعة معالم ادرجتها "الاونيسكو" في قائمتها للتراث العالمي.
ووفقا للأرقام الرسمية، يشكل المسلمون أصغر المجموعات الدينية الست في البلاد، بينما يشكل أكبرها البوذيون. وتخضع النشاطات الدينية في فيتنام لرقابة حازمة من النظام الشيوعي، لكن الاديان تشهد نوعا من الاقبال والازدهار. وبينما تواجه الكاثوليك وقتا طويلا مع الدولة حول ذلك، وذاقت بعض الاقليات البوذية مرارة الاضطهاد، بقي المسلمون في منأى عن كل ذلك.
ويقول مدير المدرسة الدينية الحاج موسى (52 عاما): "نحن نتبع شعائر ديننا فقط، ولا نلقي بالاً الى السياسة". ويوضح ان "عدد الائمة في مدينة هو شي منه يبلغ اكثر من 12 إماما تلقوا دراستهم في فيتنام، وان عددا من الائمة الاجانب لاسيما من ماليزيا" يزورون المنطقة، مشيرا الى ان "القرآن ترجم الى الفيتنامية".
ووفقا لسكان، هناك 16 مسجدا في المدينة، بني بعضها باشراف دول اسلامية. وفي الجوار، يحمل "مسجد جميل انور" لافتة تشير الى اعادة بنائه العام 2006 بتمويل من دولة الامارات العربية المتحدة والهلال الاحمر.
ولئن كانت المنطقة تحظى بعناية ومساندة من الشرق الاوسط، الا ان علاقاتها الاقوى تبقى مع ماليزيا واندونيسيا، لما بينها من قيم ثقافية ودينية مشتركة. كثيرون من كبار السن من الشام اتموا فريضة الحج، وكثر منهم يحملون اسماء عربية، لكن الالتزام الديني بين المسلمين في الشام يختلف بين شخص وآخر.
محمد ذكري (22 عاما) احد الامثلة على الالتزام الديني هناك. فقد انتقل قبل اكثر من عام ونصف العام الى هو شي منه للالتحاق بالمدرسة الدينية، وهو يعتزم الانتقال بعد ذلك الى ماليزيا لاتمام دراسته الدينية، كما لدراسة المعلوماتية.
أما ماك علي (29 عاما) الذي يعيش خارج مناطق الشام، فيحتسي الكحول، ويقيم علاقات بفتيات من غير المسلمات، ويقول: "الدين في فيتنام ليس قويا. لا آكل الخنزير، لكنني لا أصلي خمس مرات كل يوم. واشرب الكحول وادخن". لكنه استفاد واسرته من كونهم مسلمين، اذ انتقل اخوه للعمل في مصر، كما انتقلت اخته للعمل في اندونسيا.
نغو فان دونغ (50 عاما) واحد من قلائل ينتمون الى المجموعة العرقية الكبرى في البلاد الذين يعتنقون الاسلام، رغم معارضة عائلته لهذا الخيار. ويقول انه اعتنق الاسلام، اولا حبا بزوجته المسلمة، لكنه أحب ايمانه الجديد بعد ذلك. وعلى غرار المسلمين في كل العالم، يحتفل المسلمون الشام في فيتنام بعيد الفطر، لكنهم يحتفلون ايضا في شهر شباط برأس السنة القمرية الفيتنامية، رغم انهم لا يمارسون الطقوس البوذية المرافقة لذاك العيد.
المصدر: و ص ف
إضافة تعليق جديد