صهريج يدهس طفلا وجرارات المعضمية تصيب أربعة أطفال شهرياً
رن تلفون الوالد فسمع من يخبره بأن ولده «المدلل» انس محمد خير الدوس في مركز طبي.. وصل إليه فوجده في حالة غيبوبة،. وبدت على وجهه وجسمه الصغير آثار مرور آلية ضخمة.. يقول الوالد: ناديت ابني وهو ملقى على السرير في المستشفى، لكنه لم يجب، وأخبرتني الطبيبة انه لن يسمعني فوقفت متجمداً.. ما الذي جرى؟ لقد تركت صغيري أنس منذ عدة ساعات، وعدت في الواحدة ظهراً من عملي لأجده قريباً من الموت؟
«وبينما انتظر وصول سيارة إسعاف، أو عمل أي شيء يعيد لي ولدي..غادرني ابني هكذا.. فجأة وبسرعة.. وإلى الأبد»
كان الطفل انس ابن التسع سنوات وثلاثة عشر يوماً، يلعب مع رفيقه في حارة جانبية من منطقة المعضمية، وفي طريق العودة إلى المنزل تزامن وصوله إلى احد المنعطفات الضيقة مع مرور جرار يجر خلفه صهريج ماء يعادله في الوزن والحجم، ويقود كل أو معظم هذه «القاطرات» التي تتجول في شوارع المعضمية بكثرة، أطفال غالباً لا يتجاوز عمر بعضهم الثامنة عشرة، وربما كان أكثرهم تحت هذه السن.
وقف الطفلان أنس ورفيقه إلى جانب الطريق ليمر الجرار، لكن، ولأن من يقود الجرار هو أيضاً طفل، لم يقدر أن هذه المساحة الصغيرة لن تتسع للجميع، وكانت الكارثة: علق أنس بعجلة الجرار الأول ومرت عليه العجلة الثانية لصهريج الماء.
تقول طبيبة الإسعاف في مركز النبيل الطبي: إن الطفل وصل بحالة تنفس نزاعي سببها عبور المركبة فوق الصدر والرأس.
الطاقم الطبي في هذا المركز حاول على مدار ساعتين الحصول على سيارة إسعاف مجهزة بمعدات إسعافية، تنقل الطفل إلى مستشفى قد يقدم خدمات يمكن أن تطيل بقاء أنس على قيد الحياة، لكن سيارة الإسعاف المجهزة بمعدات إسعافية لم تأت كما أكدت طبيبة الإسعاف في مركز النبيل الطبي، لأن المسؤول عن إرسال سيارات من الإسعاف السريع في دوما لم يكن متعاوناً كما قالت، وأنه لا يستطيع إرسال سيارة الإسعاف قبل حجز السرير في مستشفى آخر، والطبيبة تقول إنه لا متسع لعمل كهذا، وهي أصلاً لا تستطيع حجز سرير على الهاتف، أما السيارة التي استجابت وجاءت من مستشفى خاص، فقد وصلت دون أي تجهيزات إسعافية تمكن أهل الطفل من نقله إلى المستشفى.
أطباء مركز النبيل أكدوا أن فرصة الطفل في الحياة كانت ضعيفة، ولكن أي أب يستطيع أن يقف أمام ولده وهو يصارع الموت مكتوف الأيدي؟ ربما كان الطفل سيرحل حتى لو وصل إلى المستشفى وأجريت له جراحة سريعة، ولكن هناك فارق كبير بين أن تشعر بأن ابنك حصل على كل ما هو ممكن من خدمات، وبين شعور الأهل بأنهم انتظروا سيارة إسعاف لمدة ساعتين ولم تأت لإنقاذ عزيز يحتضر..
بعد هذا الحادث، وخسارة طفل تحدثت مدرساته عن تميزه وتفوقه، وربما كانت خسارة كبيرة لبلده كما هي لأسرته، وفي جولة في ساحات وشوارع المعضمية كانت الجرارات تتجول وهي تجر خلفها صهاريج الماء يقودها شبان صغار، بينما تحتاج قيادة هذه المركبات في حارات شعبية إلى سائقين متمكنين.
سألنا مدير مركز شرطة معضمية الشام لمنطقة داريا، عن مدى متابعتهم لظاهرة قيادة الأطفال لجرارات بين حارات بلدة مكتظة، فقال مدير المركز إنه سيتابع هذه المخالفات، وإذا كان هذا المدير قد تعين حديثا، فإن من سبقه قال لوالد الطفل السيد محمد خير الدوس انه لا توجد شكوى لكي يتابع الظاهرة، علماً أن طبيبة الإسعاف في مركز النبيل أكدت ان حالات الإسعاف الشهرية التي تراجع المركز فقط تتراوح بين 4 إلى 5 أطفال بسبب حوادث معظمها من الجرارات.
أهل أنس فقدوا ابنهم، بعد سلسلة «مصادفات» كان يمكن عدم حدوث إحداها لتجنب تلك الخسارة:
فلو كان الماء متوفراً إلى المنازل، حسب أبسط معايير الحياة البشرية، لما وجدت حاجة إلى نقل المياه.
وإن كان لا حول ولا قوة أمام حل جر المياه، فهناك وسائل غير الجرارات، وغير الصهاريج.
وإن كان لا حول ولا حل إلا بهذه الآليات، فطبعاً لا يسمح قانون في الدنيا للأطفال بقيادتها.
أما المصادفة الأخيرة فهي عدم وجود حدائق، وأماكن مخصصة للأطفال...
سكان البلدة أكدوا انهم يشترون الماء أحياناً كثيرة سواء للشرب أو الاستخدامات الأخرى، لأنه كثيراً ما يتزامن وصول الماء مع انقطاع التيار الكهربائي، وبالتالي لا يستطيعون تشغيل مضخات توصل الماء للطوابق المرتفعة، وحارات كثيرة لايرى سكانها الماء لأيام كثيرة سواء للشرب أو الاستخدامات الأخرى، ما يكثف من عمل هذه الصهاريج للمعضمية والمناطق المحيطة بها.
ولأن هذه المياه يوصلها إلى المحتاجين أولاد صغار لتأمين قوت أسرهم، كان أنس ضحية لهذا الواقع.
قد لا تكون هذه المأساة وحيدة ولكن مع استمرار حال كهذه، لا يوجد أمامنا سوى الدعاء لله أن تكون الأخيرة.
يسرى ديب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد