الضجيج ينضم إلى قائمة الملوثات في مدننا
من أهم ميزات العصر الذي نعيش فيه التطور الهائل في وسائل النقل والمواصلات داخل المدن وخارجها، حيث احتلت المركبات بمختلف أنواعها وأحجامها وما يستلزمها من طرق وتجهيزات، مكانة الصدارة من اهتمامات الأفراد، إضافة إلى الميزانيات الكبيرة من الدولة، وكنتيجة طبيعية لازدياد أعداد المركبات في المدن كثرت الفوضى والحوادث المرورية والازدحام والتصادم وبالتالي كثر الضجيج، فكان لابد من وضع أنظمة وقوانين تحكم وتنظم حركة السير، لكن عدم التقيد بها بشكل كامل رغم التنبيه والتحذير سبب الفوضى، لاسيما ما يتعلق بالضجيج وما ينتج عنه من تلوث بيئي وسمعي وبصري، الأمر الذي أدى إلى إقلاق مستمر لراحة المواطن خاصة ضمن المدن.
ونتيجة لتفاقم هذه الظاهرة خاصة في دمشق، سنحاول أن ننقل الصورة الحقيقية لمعاناة الناس الناتجة عن الضجيج إلى الجهات المعنية، علها تجد الحل المناسب عبر الأفعال وليس الأقوال، أي ليس عبر الرد الرسمي أو الكتب الرسمية المنتهية الصلاحية قبل أن تصدر.
المزعج الخطير هو الزمور
فأول ما سنبدأ به هو ظاهرة استعمال الزمور في الأوقات الممنوع فيها ليلاً ، يقول محمد .ن صاحب محل في منطقة البرامكة: لقد أصبحت ظاهرة استعمال الزمور نهاراً أو ليلاً، ظاهرة حقيقية مخيفة وغير مرغوب بها، خاصة أن البعض يتباهى بسيارته أمام المارة أو على الإشارة الضوئية للفت الانتباه، ضارباً بالأنظمة والقوانين المتعلقة بذلك عرض الحائط.
من جانبه قال رمزي. ب صاحب محل في المنطقة نفسها: إن استخدام الزمور ضمن الأحياء السكنية غير منطقي خاصة إذا كان أحد الشباب الطائشين ينتظر أحد رفاقه، حيث يبدأ باستعمال الزمور بصورة منافية للأخلاق غير آبه بالمواطنين الآخرين والأخطر من ذلك استعمال الزمور ليلاً أثناء المناسبات والأفراح بصورة عشوائية أو منتظمة وهذا مزعج جداً لأنها تكون لفترات طويلة وكأن الحفلات لاتكتمل إلا بهذه الطرق غير الحضارية وغير الأخلاقية.
ويضيف: هناك من يستعمل الزمور أمام سيارات الإسعاف وهذا قد يسبب بعض الحوادث لأن جميع السيارات تستعمل الزمور وتبدأ الفوضى وتحصل الحوادث.
فمعالجة جميع هذه الحالات مدون في قانون السير والمركبات لكن التراخي في التطبيق وانعدام ذوق السائق أثناء قيادة المركبة،ومسح (الذقون) أمام عناصر المرور، وبالتالي حصول المصافحة والمسامحة تفاقم المشكلة وتجعل من سائقي المركبات أبطال شوارع وأبطال مخالفات من الطراز الأول ويصبح شرطي المرور مجرد لعبة أمام السائق وبيده، بدلاً من أن يكون عنصر ردع وحماية للمواطنين.
ضجيج السيارات المتنقلة
من جانبه قال المهندس ماجد علي صاحب محل في البحصة: لم نسلم يوماً أنا وجيراني من الضجيج والأذى الذي يلحق بنا من جراء الأصوات التي تصدر عن السيارات المتنقلة ضمن الأحياء السكنية، والتي تعمل على توزيع الغاز حيث تصدر أصواتاً مزعجة جداً من جراء الطرق والضرب على جرار الغاز، كذلك الباعة على العربات حيث أصبح هذا العمل موضة لديهم وكأن المواطن ينسى حاله ويحتاج إلى بائع الغاز ليذكره بحاجياته.
وهنا السؤال: لماذا لاتتم معالجة هذه الحالة بصورة مباشرة ومنع تجوال مثل هذه السيارات والعربات ضمن الأحياء السكنية؟ ثم لماذا لايتم تنظيم عملهم عبر مكان أو أماكن منظمة حتى ولو ضمن الأحياء السكنية لكن بدون صدور الأصوات المزعجة للجميع، وقس على ذلك الصهاريج الجوالة التي تبيع أو توزع المازوت شتاء، كل هذا يشكل حالة مقلقة لراحة المواطن وتشكل نوعاً من أنواع التلوث البيئي السمعي والبصري، بل وأخطره على الاطلاق لأن راحة المواطن تأتي من الجو المناسب والهادىء فكيف إذا كان الجو مليئاً بالضجيج والأصوات الصاخبة فهذا أمر غير مقبول حتى ولو كانت الأصوات صادرة عن محلات بيع الكاسيتات التي يتباهى أصحابها بأحدث الأغاني والتي يريدون أن يسمعوها لجميع الناس عنوةً وبالقوة.
المركبات الحكومية كتلة هم في الشوارع
من جهة أخرى قال الكثيرون ممن التقيناهم: بغض النظر عن التلوث البيئي السمعي الذي يلحق بنا من جراء المزامير وغيرها، والذي على ما يبدو أصبح مشكلة مستعصية على الجهات المعنية، هناك قضايا ومشاكل أخرى تلحق بنا ضرراً كبيراً أيضاً، خاصة إذا كانت المنطقة أو المدينة سياحية بالدرجة الأولى، وهذه المشاكل تتمثل بالتلوث البيئي البصري الناتج عن المناظر التي تخلفها المركبات البالية القديمة، والتي يعتبرها أصحابها بمثابة قطع أثرية نادرة، لكنها في الحقيقة هي كتلة هم متنقلة تقلق راحة كل من يراها أو يسمع هديرها، وخاصة السيارات الحكومية ذات الوزن والعيار الثقيل وغيرها... والتي عجزت الدولة عن تغييرها، ربما لأسباب متعددة آخرها اقتصادية، علماً أن القوانين والأنظمة لا تسمح لمثل هذه المركبات بالسير على الطرقات العامة، فكيف بها تسير ضمن المدن الرئيسية، خاصة ضمن دمشق، مخلفة الدخان والأصوات المزعجة، وغير ذلك من حالات الرعب التي تدب في نفوس أصحاب السيارات السياحية الصغيرة الخوف والرعب عند الاقتراب منها، حالها كحال باصات النقل الداخلي، حيث الكل يبتعد عنها حتى الناس المارة، لأن سائق تلك السيارة أو الباص يقول دائماً: إذا وقع حادث، إن الباص مؤمن، فاذهب إلى الشركة أو المؤسسة وخذ حقك، والشركة أو المؤسسة تستأنس مع صاحب السيارة سنوات طويلة.
مؤشرات تدعو للقلق
وللوقوف على مستوى الضجيج في مدينة دمشق، وهل تجاوز الحد المسموح به عالمياً؟ وما هي الأماكن الأكثر عرضة والتأذي بالضجيج؟!.
التقينا الدكتور استالين كغدو، رئيس الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق، الذي قال: إن الضجيج هو أصوات غير منتظمة ويقاس بالديسيسل، وعندما يكون مستوى الضجيجي فوق 100 ديسيسل حتى 130 ديسيسل فإنه يسبب آلام الصداع.
وأكد أن أرقام التلوث السمعي في المدن السورية تعطي مؤشرات تدفع إلى القلق، لأنها أرقام تتخطى المعدلات المسموح بها عالمياً، ففي مدينة دمشق وصلت النسبة إلى 102 ديسيسل في ابن عساكر والمجتهد، بينما الحد المسموح به عالمياً هو 55 ديسيسل فقط، وفي الميدان 96 ديسبل، وباقي المناطق نحو 94 ديسيسل، أما في محافظة حلب فتصل النسبة إلى 74 ديسيسل والمسموح به أيضاً 55 ديسيسل.
ونوه إلى أن هذه المعدلات لا تتجاوز الحد المسموح به عالمياً فحسب، بل تتخطى المواصفات القياسية السورية وفي جميع الفترات نهاراً ومساء وليلاً على الرغم من أن المواصفات المحلية تعطي هامشاً طفيفاً في الزيادة عن المعدل العالمي، إضافة إلى ذلك فإن الدراسات التي أجريت لفحص انتشار التلوث السمعي في مختلف مناطق دمشق، وصول ظاهرة الضجيج إلى درجات مخيفة، إذ تسجل منطقة مثل المجتهد مستوى تلوث سمعي يعادل المستوى المفترض تواجده في مناطق الصناعات الثقيلة.
أما عن القوانين الناظمة لهذه المشاكل وغراماته، وهل هناك عقوبات رادعة للحد من الضجيج؟!.
قال كغدو: لا توجد قوانين عامة ناظمة لذلك، أما بالنسبة للسيارات فإن هناك مادة في قانون السير رقمها 8 تقول: إن استعمال الراديو والمسجل بشكل غير مقبول فسيخالف ويغرم بـ 2000 ليرة سورية وحسم نقطتين من شهادة السوق، أما المادة 9 والتي تنص على أن استعمال المنبه العادي أثناء المنع فغرامته 1000 ليرة سورية وحسم نقطة واحدة، وهذا الحديث أخذنا إلى طرح سؤال عن عدد المركبات في سورية حتى هذا التاريخ فقال: يصل إلى 1.75 مليون مركبة نصفها في دمشق وريفها، وفي مديرية نقل دمشق وحدها تسجل يومياً نحو 220 سيارة لتضاف إلى الأسطول الذي يصدر الضجيج حيث يؤدي إلى نقص السمع، من جانبه أكد الطبيب آصف علي أن الأبحاث الطبية النفسية تقول: إن نسبة من الأمراض العصبية والنفسية سببها التلوث السمعي أو الضجيج بحدود 60 ديسيسل، حيث يؤثر على قشرة المخ ويقلل النشاط ويؤدي إلى استثارة القلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر والارتباك، وعدم الانسجام والتوافق الصحي، ونوه إلى أن معظم المراجعين يعانون من ذلك، ويعانون من طنين في الأذن الذي يمكن أن يؤدي لنقص السمع، وأوضح أن هناك تأثيراً كبيراً للضجيج على الأجنة في بطون الحوامل، خاصة بين العاملات في المصانع والأوساط المتعرضة للضجيج بسبب حساسية الجهاز العصبي للأجنة، ما يعرضها للإصابة بأمراض عصبية وقلق وتوتر بعد الولادة، وقد يكون الضجيج سبباً في تشوه الأجنة إذا ما تعرضت الأم لضوضاء مرتفعة لفترات طويلة.
ونوه إلى أن الضجيج يسبب نحو 50٪ من الأخطاء في الدراسات الميكانيكية، و20٪ من الحوادث المهنية، و20٪ من أيام العمل الضائعة.
من خلال هذه الآراء نجد أن إخلاء المدن من ورش السيارات، وإنشاء سوق للباعة الجوالين، وإصدار القوانين والتشريعات التي تحد من الضوضاء، وإبعاد المدارس والمستشفيات عن مصادر الضجيج، وعدم استعمال منبهات السيارات والدراجات ومكبرات الصوت، وتشجير بعض الطرق الهامة ضمن المدن، ستبقى حبراً على ورق رغم أنها الحلول الحتمية للحد من الضجيح الذي يزداد في ظل غيابها.
قوانين كثيرة والتطبيق خجول
أما رأي الجهات المعنية في جميع هذه المخالفات فهو واضح وصريح ولا يحتاج إلى تفاسير واجتهادات جديدة أو تعليمات تنفيذية فضفاضة، فقد نص قانون السير على عدم استعمال الزمور ليلاً، أو استعمال الزمور الهوائي بشكل عشوائي، ومخالفة الباعة الجوالين، أيضاً تقول مصادر وزارة النقل بأنه يجب على جميع المركبات إجراء الفحص الفني كل فترة من الزمن للتأكد من أن جميع أجزاء السيارة جاهزة للاستعمال، وأيضاً مظهرها الخارجي مريح وجميل، لكن على ما يبدو لا المواطن مكترث بهذه الناحية، ولا الجهات المعنية أيضاً، فعملية ترك المواطن بهذه الطريقة العشوائية في ارتكاب المخالفات تفاقم المشكلة، والتساهل في تطبيق القوانين جعل شوارع المدن أشبه بلوحة فنية لرسام مبتدىء، والدليل على ذلك وجود السيارات القديمة موديل عام 1980 وما قبل في الشوارع العامة، وهذا مخالف لتعليمات الحكومة في استبدال السيارات القديمة فوراً، فلماذا الاستهتار بقرارات الحكومة؟ ولماذا لا تكون ملزمة للجميع؟ وأيضاً يجب أن يسري القانون على الباعة الجوالين وعلى مستخدمي الزمور بصورة عشوائية وأثناء الليل والحفلات، لأنه توجد طرق أخرى أكثر لباقة في التعبير عن الأفراح والمناسبات السعيدة وبطريقة حضارية ترضي الجميع.
أما وزارة الدولة لشؤون البيئة فكان ردها توجيهياً روتينياً، حيث أكدت على منع استعمال مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل في الشوارع والمحلات العامة، ومنع ترخيص استخدام مكبرات الصوت لدى افتتاح المحلات، ونوهت إلى الاستجابة الفورية للمواطنين بخصوص شكاويهم المتعلقة بإزعاج الضجيج وتشديد العقوبة للمخالفين.
وأضافت مصادر مديرية العلاقات العامة في الوزارة أنه لا بد من وجود قانون ناظم لاستخدام المكيفات والمصاعد في المباني السكنية بشكل لا يؤثر على الجوار، خاصة وأن هناك ازدياداً كبيراً في الوقت الحالي لتركيب كل من المكيفات والمصاعد وبشكل غير مدروس، ولا سيما في المباني التي لم تصمم أصلاً لتضم هذه التجهيزات.
وإضافة إلى ذلك يجب إعادة النظر بتجربة الإشارات الضوئية للمكفوفين، حيث كان عدد المتضررين بالضجيج أكبر من المستفيدين، وأيضاً ضرورة تطبيق قرار منع الدراجات والعربات ذات الثلاث عجلات في مدينة دمشق ومصادرتها، ومنع السيارات الكبيرة والشاحنات من المرور داخل المدينة، ونقل الصناعات المضرة بالصحة والبيئة التي ينتج عنها ضجيج مثل الحدادة والبلاط والرخام، وإصلاح السيارات لخارج الحدود الإدارية للمدن، وإلزام أصحاب الصناعات التي يصدر عنها ضجيج بوضع الأجهزة المصدة للضجيج، وتوعية عمال هذه الصناعات باستعمال كواتم الصوت على آذانهم.
وأكدت على إحاطة المدن بحزام أخضر وزيادة مساحة الحدائق والمتنزهات، وزراعة الشوارع والمنصفات والأرصفة، وزراعة باحات ومحيط المدارس، وطرقات وباحات المشافي وإحاطتهم بحزام من الأشجار، لأن الأشجار تلعب دور المصد والمشتت للضجيج، وإعادة النظر بتخطيط وتنظيم بعض المناطق في المدن، وتعريض شوارعها وتشجيرها للتقليل من الضجيج، والأهم من ذلك تعميق نشر الوعي عبر وسائل الإعلام المختلفة بالتنسيق والتعاون مع وزارة الإعلام حول الضجيج وأخطاره على الصحة العامة، وخاصة على صحة الأطفال ونموهم الجسدي والفكري، لأن الضجيج يؤدي إلى القلق والتوتر والشعور بالضيق وآلام شديدة في الرأس وضعف التركيز وانخفاض درجة السمع واضطرابات في الجهاز العصبي، وتتعلق الأذية بشدة الضجيج ومدة التعرض له والاستعداد الشخصي لتقبله.
أخيراً
هذا الأمر يحتاج إلى حملات توعية من جميع الجهات المعنية وفي أكثر من طريقة، فعملية تشديد المخالفات المرورية لا تكفي، لأن المواطن تعود أن يخالف باستمرار مادامت عناصر المرور ليست أمام نظره وفوق رأسه، وهنا لابد من التعاون ما بين الوزارات المعنية لا سيما الداخلية والتربية، والمنظمات الشعبية، وأن تكون المدرسة أداة توعية للطلاب وأولياء أمورهم، لأن قيادة الأطفال للسيارات هي مسؤولية ولاة الأمور بالدرجة الأولى، لأن الطفل يتعلم من والده كل شيء ويحفظه فوراً، وبذلك نزرع معلومات جديدة في عقول الأطفال وتصبح قناعة، ودون قناعة ستؤول جميع هذه المعطيات إلى الفشل كمن يضع الماء بالغربال، ومادام الأب يخالف أمام أبنائه، فستبقى المخالفة قائمة، وبالتالي سوف نحافظ على الفوضى والضجيج، لأنه سيصبح من التراث الشعبي من الطراز الأول.
أحمد زينة
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد