نهج الإسلام في التفكير والتدبير الضرورات والحاجات والتحسينات
يحمل الدين الإسلامي الكثير من المضامين المرتبطة بروافده الثلاثة وهي العقيدة والعبادات والمعاملات. وتلك المضامين، التي تتوزع على عشرات الفروع، تظهر في تبلورها العام، المستند إلى النص والممارسة معاً، أن هناك سمات معينة يتميز بها التصور الإسلامي، تتمثل أساساً في أن الإسلام دين واقعي يتجه إلى المثال، ويوازن بين الضرورات والحاجات والتحسينات، وينادي بضرورة الانتقال من الظني إلى القطعي في المعرفة والواقع المعيش، ويزاوج بين الصواب والإخلاص، وينزع إلى الكونية، بوصفه رسالة لكل العالمين. لكن هذا التصور تراجع في واقع المسلمين الراهن، وبذلك خسروا كثيراً نهجاً وسطياً يعينهم على فهم الحياة الإنسانية، ويجعلهم قادرين على وزن ما يعرض من أفكار بميزان دقيق، من دون تحجر يفضي إلى التخلف أو تفلت ينتهي إلى الفوضى.
فمن حيث الواقعية التي تتجه إلى المثال نجد أن الإسلام لا يقوم على تصورات خيالية تصب في قوالب نظرية جامدة. فهو يواجه المعيشة - كما هي - بمثالبها وإيجابياتها، ويقودها بواقعية تكافئ متطلباتها، ولا ترفرف في أحلام ورؤى مجنحة لا تنهض بعيش ولا تلبي حاجات. لكنه لا يهمل في واقعيته ضرورة وجود «مثالية» باعتبارها سقفاً يسعى البشر إلى بلوغه في سيرهم الحياتي. ومع ذلك فإن المثل الروحية التي يضعها الإسلام ليست عسيرة التطبيق، أو تهمل حاجات الإنسان وواقعه المادي، وتشد الناس إلى أعلى بلا هوادة، بحيث تعلقهم في فضاء روحي منفصل عن الوظيفة الرئيسة للإنسان، بوصفه «خليفة الله في الأرض»، كما تصنع البوذية والرهبنة.
ويحل الإسلام هذه المعضلة بتأسيس «وسطية» أو «توازن» بما يوفر اتساقاً في الرؤية والصيرورة والفعل، تقوم على المثالية التي لا تهمل الواقع والواقعية ولا تهمل المثال. وتنطوي هذه الوسطية على منظومة من القيم الإيجابية مثل العدالة واحترام العقل البشري بإثبات حقه في الاجتهاد، والرحمة والمودة والتعاون والإيثار واحترام كرامة الإنسان، والاعتراف بحرية الاعتقاد، إذ لا إكراه في الدين، ولا افتئات على حق أي فرد في الاختيار، ولا تجني على ميله إلى نظرية أو مذهب ما حيال الكون والطبيعة والبشر. وإذا كانت الممارسات الخاطئة والتأويل النفعي للنص الديني لدى البعض قد انحرف عن هذه الوسطية في جنوح إلى التطرف أو سقوط في التفلت، فإن جوهر الشرع، القائم على فهم متعمق للنص القرآني، يتأسس على مقاصد الدين وغاياته، وطبيعة النص وعلاقاته السياقية ووظيفته الحياتية، تحافظ على هذه الوسطية أو ذلك الاعتدال، وهي قيمة نفتقدها كثيراً في حياتنا المعاصرة، وبذلك لا نستطيع أن نتعامل بعقلية عادلة مع ما ينتج من فكر.
أما عن الموازنة بين الضرورات والحاجات والتحسينات فيسعى الإسلام إلى تحقيق المصالحة الداخلية للفرد، بتوفير انسجام بين الحق والإرادة، وتحقيق المصلحة الخارجية بتوفير اتساق بين الحق والحياة. ومن ثم فالإسلام لا يهمل الفروق الفردية بين البشر، ويدافع عن التخصص وتقسيم الأدوار، بحيث يوضع كل فرد في مكانه النافع، في ظل تصور الإسلام عن التدرج، الذي لا يغلق الطريق أمام الترقي في السلم الاجتماعي، ويوجد الإطار العام الذي يمنع «التمييز» بين البشر على أساس اللون أو العرق أو الجاه والمنصب، ويجعل المعيار الوحيد لهذا التمييز هو التقوى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات: 13).
وبوجه عام يضبط الإسلام النسب بين «الضرورات» و «الحاجات» و «التحسينات»، بما يجعل للأولى أولوية على الثانية التي بدورها لها سبق على الثالثة. فالضرورات تعني الحاجات الأساسية التي لا بد منها للإنسان ومن دونها يصعب عيشه وتفارقه سعادته وقد ينتهي وجوده، وهي حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ العرض والنسل، وحفظ المال. والحاجات هي ما شرع من أجل التوسعة على الناس، ورفع الضيق والحرج عنهم، ومن دونها لا تتعذر الحياة، ولكنها تصعب. ومن ثم يسر الشارع تبادل المنافع من طريق عقود البيع والشراء مثلاً، والإجارة ونحوها، وأعطى بعض الرخص، مثل القصر في الصلاة أثناء السفر، وإفطار رمضان في بعض الظروف، والتمتع بالطيب من المأكولات والمشروبات. وفي غياب هذه الحاجات أو منعها يقع الإنسان في مشقة، لكنها تكون أقل كثيراً من تلك التي يتعرض لها بفعل النيل من الضرورات». أما التحسينات، فهي ما شرعه الله من محاسن العادات والمعاملات ومكارم الأخلاق، والترفع عن الدنايا، وما تأباه الفطرة السليمة.
نعم، يضبط الإسلام النسب بين الضرورات والحاجات والتحسينات، بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى، في تصاعد نحو التطرف أو انحدار باتجاه اللامبالاة. فمن يريد أن يحول التحسيني ليأخذ حكم الضروري فهذا إفراط، ومن يرِدْ أن يهبط بأحكام الضرورات لتصبح من قبيل التحسينات فهذا تفريط. والصواب أن تأخذ كل حالة حكمها، وما تستحقه من اهتمام من قبل الإنسان، في مرونة لا تهمل الظروف الاستثنائية، ولا تنكر التغير الاجتماعي والتطور الحضاري. وفي زماننا هذا انحدرت غالبية المسلمين إما إلى تطرف يرفع التحسيني إلى مرتبة الضروري، وإما إلى تفلت يهمل الضرورات إهماله التحسينات.
والخاصية الثالثة للمنهج الإسلامي هي الانتقال من الظني إلى القطعي، حيث نجد أن التثبت من كل خبر، والتحقق من أي معلومة، قبل إبداء الحكم هو دعوة يكرسها القرآن الكريم، «ولا تقف ما ليس لك به علم. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان مسؤولا» (الإسراء: 36)... «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» (الحجرات: 6). وهذا التحقق يخص «عالم الشهادة»، لأنه يبحث عن أدلة مادية محسوسة.
واستفاد المسلمون الأوائل من التصور القرآني للعلم، ومن احترام الإسلام للعقل، فدشنوا مناهج تجريبية في دراسة الطبيعيات، الأمر الذي شهد له بعض علماء الغرب أنفسهم، من بين أولئك الذي يؤمنون بالتراكم الحضاري ويرفضون «النزعة المركزية الأوروبية» التي تحاول أن تروج ادعاءات حول ارتباط العلم الحديث بالحضارة الغربية فقط، وعدم إسهام الحضارات الإنسانية الأخرى، وفي مقدمها الحضارة الإسلامية، في ما توصل إليه الغرب حالياً من تقدم علمي كبير.
فها هو بريفولت يؤكد في كتابه «صناعة الإنسانية» أن الحضارة الإسلامية جادت بالعلم، وكان لها فضل عظيم على الحياة الأوروبية المعاصرة، وأنه لا يمكن إرجاع أي مظهر من مظاهر الحضارة الأوروبية إلا إلى عطاء المسلمين، باعتبار أن حضارتهم هي التي سبقت حضارة الغرب مباشرة، ومن منطلق التجاور الجغرافي والاحتكاك التاريخي مع أوروبا. ويؤكد جورج سارتون هذا الأمر حين يقول في كتابه «تاريخ العلم والإنسية الجديدة»: «إن تعدد الإضافات الإسلامية كحصيلة علمية فريدة لا يتسع المقام لها في هذا الكتاب، ولو تعمدنا أقصى درجات الاختصار. فعلماء هذا الدين قد خلفوا آثاراً أعظم مما تركه اليونانيون بكثير، وكان التفوق الإسلامي كاسحاً، بخاصة في القرن الحادي عشر الميلادي، بحيث نستطيع أن ندرك منه السبب في كبرياء العقل المسلم... وفي حديثه عن الغرب بالطريقة التي يتكلم بها علماؤنا عن الشرق الآن».
وفي الإنسانيات سعى علماء المسلمين الأوائل إلى بناء مناهج واقترابات علمية، تعد متطورة إلى حد كبير. وقد وصل تمسكهم بهذه المناهج لدرجة تطبيقها على دراسة النص القرآني والحديث النبوي ذاتيهما. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن الإمام الشوكاني يؤسس منهجاً في تمحيص السنة النبوية يقوم، في نظر أحد التربويين المعاصرين، على «الاستقامة العلمية والموضوعية، إذ إنه يبتعد فيه عن التمذهب والتعصب في مضمونه وشكله»، وقد اعتمد هذه المنهج على محاولة تحويل الظني إلى يقيني من خلال الاستشهاد بالوقائع والبراهين الملموسة، تأسيساً على «التشكك» في بعض «المعطيات»، المتمثلة هنا في بعض روايات الأحاديث النبوية، بما يفرق بين الأحاديث الموضوعة أو المنسوبة زوراً إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأحاديث الصحيحة. وبما يميز بين الأحاديث «الضعيفة» والأحاديث «القوية»، أي التي تتمتع بأسانيد أقوى في روايتها.
لقد تعرض التصور الإسلامي للعلم، الذي يؤسسه النص القرآني نفسه في مواضع كثيرة من خلال حضه المستمر على التفكير والتعقل والرشاد والتعلم، لسوء فهم، من خلال تأويلات خاطئة، ظن بها أصحابها أنهم بذلك يلتمسون السلامة لدينهم والتقوى لأنفسهم، فقدموا صورة مشوهة عن هذا الدين، تنزع عنه احترامه التجريبَ العلمي وحرية التفكير، وتبعده من طبيعته الاستقرائية، التي استفاد منها علماء المسلمين الأوائل، وتحصر العلم في «حفظ النصوص الدينية» وتأويلاتها فقط، وتعلي من شأن هؤلاء الحفظة على حساب المجتهدين، ومن شأن علماء الدين على ما عداهم من علماء في مجالات معرفية إنسانية وطبيعية أخرى، مع أن الإسلام لا يعرف «الكهنوت»، الذي يجعل تفسير النصوص وتلقين التعاليم الدينية بيد فئة بعينها، بل هو، وعلى العكس من ذلك، جعل التفقه في الدين «فرض عين» على كل مسلم، بما يحرره من أن يكون مستلباً حيال أي فرد أو جماعة تحاول أن تلغي عقله، وتقدم له تصوراتها هي عن الدين والتدين.
وقد بلغ سوء الفهم هذا في محاولة تصوير العلاقة بين العلم التجريبي والدين على أنها معركة بين خصمين، لا بد لأحدهما أن ينتصر على الآخر في «معادلة صفرية» لا تقبل القسمة على اثنين، مع أن الدين والعلم يلتقيان على أرض واحدة، وهي أن كليهما يهدف إلى خدمة الإنسان والارتقاء به، وكلاهما تعرض لمحاولات إقصائه عن هذا الهدف بتوجيه الأبحاث العلمية إلى مجالات تضر بالإنسان مثل التسليح واستغلال الدين من قبل البعض في مصالح شخصية. كما أن هناك «تبادل منافع» بين الاثنين، وهذا كله يصب في مصلحة الإنسان. فالدين قادر على أن يبلغ آفاقاً روحية لا يصلها العلم، ويعطي تفسيره لظواهر لا يمكن وضعها تحت «مجهر البحث»، ولا يمكن في الوقت ذاته إثبات عكسها. وهو هنا يحمي الإنسان من التخبط والضياع والاستسلام. والعلم يواصل رحلته في الاكتشاف فنجد في عطائه تفسيرات لبعض ما جاد به النص الديني، ونجد في عجزه أحياناً عن تفسير كل شيء، وبلوغ كل أفق، وتحقيق كل هدف، ما يجعل الاحتماء بالدين ضرورة، لحفظ التوازن الروحي والنفسي، وإضفاء طابع أكثر عمقاً للفعل البشري، بما يضمن استمرار تفضيل الخير، واستهجان الشر، وبما يوفر للعلم نفسه إطاراً قيمياً ومعنوياً يحميه من الانزلاق إلى ما يضر الناس.
وإهمال ما نادى به الإسلام من ضرورة التحقق من المعلومات أدى في أحوال عدة إلى ممارسة ألوان من القمع لحرية التفكير والتعبير. فالجماهير التي غضبت، لخلفيات دينية، على كثير من الأعمال الإبداعية، التي رمي مؤلفوها بالكفر والخروج أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ثبت أنها لم تقرأ هذه الأعمال، بل انساقت وراء تفسير قلة من الكتاب، أو حتى كاتب واحد، وسلمت برأيه وقوله من دون أن تكلف نفسها عناء البحث والتحقق. بل الأدهى من ذلك أن بعض من يدعون انتماءهم إلى النخبة يأخذون مواقف ويبدون آراء من بعض الكتب والروايات وغيرها، مما يثار حولها جدل، من دون أن يطلعوا عليها.
وفي ظل تمسك المؤسسة الدينية والمفكرين والكتاب كل بما يراه، من دون حوار أو انفتاح وتسامح مع الطرف الآخر، لن ينقشع الضباب، الذي يخيم على حياتنا الفكرية والإبداعية. فالذين يقيسون كل منتج فكري على ما لديهم من تصورات دينية سيجدون دائماً ما يبرر بعض مواقفهم المتشددة حيال ما يستجد من أفكار. والذين يكرسون حياتهم للإبداع والتفكير سيعتقدون دائماً أنهم أحرار في تصوراتهم وآرائهم، وأن هذا هو الطريق الوحيد نحو التقدم.
وللخروج من هذا المأزق لا بد من أن يعرف كل طرف حدوده، فلا يتحجر المتدينون بما يؤدي إلى تكلس وشلل التفكير وموته، ولا يتفلت المفكرون والمبدعون بأشكال من التجاوز والاعتداء على العقيدة بما يجرح مشاعر الملايين من المتدينين. وهذا الأمر يتحقق حين نفهم جميعاً المقاصد العامة للدين، وفي أولها أنه - أي الدين - يكون لمصلحة الناس، وليس العكس، وأن ندرك السياق الأوسع للإبداع، وفي مستهلها أنه عملية لا تدور في فراغ إنما تنبع من ظروف معينة، وتسعى إلى تحقيق أهداف محددة، حتى لو لم يكن منتجها يقصد ذلك صراحة. وفي كل الأحوال من المهم أن يدرك الطرفان أن الفكر لا يواجه إلا بفكر مثله، وليس بدوائر قضائية أو إشهار السلاح، ناهيك بالمصادرة والمطاردة والنبذ.
وقد ربط الإسلام في نهجه في التفكير والتدبير بين الصواب بالإخلاص، وهي الخاصية التي تفسر تبادل المنافع بين الدين والعلم. ويعني الصواب السير في اتجاه الحقيقة، وعمل ما ينفع، فيما يعني الإخلاص أن تتعدى الغاية من هذا العمل حدود تحصيل عوائد دنيوية إلى ابتغاء مرضاة الله. وقيام الإخلاص بفك الارتباط بين المنفعة الدنيوية الضيقة والصواب، يساعد من يتلمسون طريق الصواب على أن يسيروا فيه من دون كلل أو ملل، فلا تحبطهم عوائد قليلة، ولا توقف سيرهم عقبات بفعل صراع المصالح بين البشر، في تهافتهم المرير على متع زائلة.
وضرب القرآن الكريم مثلاً مهماً في هذا الشأن، ليس من خلال تصويبه لآراء وتوجهات المسلمين في مواقف محددة تعرضوا لها في بداية الدعوة فحسب، بل أيضاً حين زاوج بين الإخلاص والصواب، مقدماً الأول على الثاني، حتى يوفر له عمقاً عقدياً يحميه من الانزلاق. ففي بداية الدعوة في مكة، قدم القرآن الجانب العقدي والأخلاقي للإسلام، فلما آمن به أناس وصدقوا، جاءت سور القرآن التي نزلت بالمدينة لتعلمهم كيف يحققون مجتمعاً فاضلاً، أي يقوم على علاقات صائبة ومقاصد نبيلة.
لكن تقدير ما إذا كان منتج فكري معين يتوخى الإخلاص من عدمه، يجب ألّا يترك للبشر، فهذا أمر بين الإنسان وربه. والقاعدة التي من الضروري اتباعها في هذا الشأن أن ما ينفع الناس روحياً وعقلياً ومادياً هو أمر محمود من دون شك، ولا يخالف الدين في شيء، فكما سبق القول فإن الأديان شرعت لمصلحة الناس ولم يخلق الناس للدين. وإغفال هذه القاعدة، أو ادعاء البعض حقاً في الوصاية على الدين، وامتلاكهم وحدهم القدرة على التمييز بين ما يخالف الشرع وما يوافقه، هو السبب وراء ما تتعرض له الأفكار من مصادرة وما يلاقيه أصحابها من صلف.
وحول نزوع النهج الإسلامي إلى الكوني، نجد أن الإسلام لا يقدم نفسه على أنه يخص قوماً بعينه، مثل بعض الأديان السماوية والمذاهب الوضعية، بل هو، بوصفه الدين الخاتم، يطرح نفسه أمام البشر كافة، منطلقاً من تعريف واسع له وهو أن الإسلام هو التسليم لله سبحانه وتعالي، وتحدده بعد ذلك أركان خمسة واضحة. وهذه النزعة جعلت الإسلام، طيلة تاريخه في تداخل مع «الآخر» إما اشتباكاً أو حواراً، وجعلته محل اتهام من قبل بعض المغرضين بأنه «دين انتشر بحد السيف». وهي المسألة التي ينتقدها علماء المسلمين من منطلق أن الفتوحات الإسلامية لم تكن تجبر قاطني البلاد المفتوحة على اعتناق الإسلام، وإنما كانت تهدف بالأساس إلى إزالة ما يحول بين الناس وهذا الدين، من سلطة غاشمة، بدليل أن مصر مثلاً ظلت الغالبية فيها مسيحية حتى العصر الفاطمي. وهذا التصور الكوني يفرض أمرين مهمين: الأول هو التعاطي المستمر مع المنتج الفكري لدى الآخرين، والثاني هو إنتاج أفكار دينية معاصرة تصلح لإقناع البشرية جمعاء. وكلا الأمرين يفرض بشدة مقداراً هائلاً من التسامح مع ما ينقل وما ينتج من أفكار، سواء كانت «اجتهاداً» دينياً، أم إبداعاً أدبياً وإنسانياً أم اختراعاً علمياً. وهذا يعني في خاتمة المطاف الإيمان بحرية التفكير والتعبير، ناهيك بحرية الاعتقاد والتصور.
عمار علي حسن
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد