خطـة قرصنـة إسـرائيلية لإجهـاض «أسـطول الحريـة»
جندت إسرائيل في حربها ضد الحملة الدولية لفك الحصار عن غزة كل ذخائرها الإعلامية والعسكرية والدبلوماسية، وذلك بهدف تطويقها والحيلولة دون نجاحها. وبعدما أخفقت في منع انطلاق سفن التضامن مع غزة وأهلها، وخصوصاً من تركيا واليونان، عمدت إلى أساليب ملتوية ومتناقضة لنزع الشرعية عن الحملة.
ورغم الحصار المعلن الذي تشير إليه كل تقارير المنظمات الإنسانية والدولية، وبعضها إسرائيلية، فإن الدبلوماسية الإسرائيلية تخرج عن طورها لتؤكد أن أهل غزة يعيشون في نعيم. وعرضت السلطات الإسرائيلية أرقاماً خيالية عن مئات آلاف الأطنان من المواد الغذائية والأدوية والملابس التي تدخل «بانتظام» إلى قطاع غزة. وإذا لم يكن هذا كافياً فإن وقاحة السلطة الإسرائيلية بلغت حد توزيع صور عن افتتاح مطعم راق في غزة قبل أكثر من عشر سنوات وكأنها صور لواقع قائم في غزة اليوم.
وبديهي أن الهدف من الحملة الإعلامية الإسرائيلية هو إظهار التضامن مع غزة وكأنه ليس أكثر من فعل «مناهض للسامية» تارة، و«استفزاز» لإسرائيل تارة أخرى وفي كل الأحوال ليس فعلاً «إنسانياً» وإنما مجرد تضامن مع «الإرهاب» المسيطر في غزة. ويعني ذلك محاولة نزع الشرعية عن التضامن تمهيداً للإجراءات اللاحقة المفترض أن تتمّ لمنع المتضامنين، ليس فقط من الوصول إلى غزة، وإنما كذلك من استغلال ما يجري معهم في الدعاية ضد إسرائيل.
وتصوّر السلطات الإسرائيلية المعركة السياسية الضارية حول التضامن مع قطاع غزة على أنها معركة دعائية وتتعلق بالصورة. ولهذا السبب فإن أسلوب التصدي لها ينطوي هذه المرة على درجة كبيرة من التعقيد لنزع فتيل متفجّر حيناً، ولمنع تراكم الكراهية حينا آخر. وكانت أول هذه الوسائل الإعلان بأن المتضامنين مع غزة رفضوا أن يحملوا معهم مواد ورسائل للجندي الأسير لدى حركة حماس جلعاد شاليت. وإذا لم يكن هذا كافياً، ومن أجل «تغيير» الصورة فإن الحكومة الإسرائيلية أعلنت استعدادها نقل المواد التي يحملها المتضامنون على سفنهم إلى غزة بعد تفريغها وفحصها في ميناء أسدود.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قد عمدت خلال الأسابيع الأخيرة إلى ممارسة ضغوط شديدة على العديد من الدول التي تنطلق السفن منها أو يشارك في الحملة شخصيات عامة منها أو رعايا لها. ويبدو أن النجاح المحدود لإسرائيل على هذا الصعيد تجسد في الموقف القبرصي الذي قيل بأنه حال دون انطلاق سفينة من ليماسول ومنع القافلة من دخول المياه الإقليمية. وفي المقابل فإن الإخفاق الأكبر كان مع تركيا التي تتهم إسرائيل حكومتها بأنها تقف خلف هذه الحملة للتضامن مع غزة.
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية بوضوح أنها لن تسمح البتة للقافلة بالوصول إلى غزة. وأظهرت أمام وسائل الإعلام الاستعدادات التي نفذتها للتعامل مع القافلة والمتضامنين فيها. فقد أقامت في ميناء أسدود ما يشبه معسكراً للاستقبال والاعتقال، وجهّزته بغرف تحقيق أولي وما يشبه الزنازين. وأقامت طواقم من مختلف الوزارات، خصوصاً من الجيش ومصلحة السجون وجهاز الشاباك ووزارة الخارجية ودائرة الهجرة والجوازات. وبحسب ما أعلن، فسيتم تصنيف المتضامنين بعد جلبهم إلى بر أسدود إلى صنفين: من يوافق على المغادرة فوراً سيتم نقله إلى مطار اللد، ونقله جواً على نفقة الحكومة الإسرائيلية إلى مكان خارج إسرائيل. ومن يعارض سيتمّ نقله إلى معتقل بئر السبع في جنوب فلسطين بهدف تحديد طريقة التعامل اللاحق معه.
ولكن يسبق كل ذلك ما سوف يجري عسكرياً في عرض البحر. وعلى الأغلب فإن القوات الإسرائيلية المكوّنة من سفن سلاح البحرية، والتي وضعت عليها وحدات الكوماندوس البحري «شييطت 13» ستتولى ليلاً السيطرة على سفن التضامن. وستتم السيطرة بعد محاولات إقناع سفن التضامن بالعودة أدراجها عن طريق توجيه رسائل بمكبرات الصوت وبقناة الراديو البحري المفتوحة. وعلى الأغلب لن تجري محاولات عرقلة خشنة كالتي وقعت مع سفينة التضامن السابق التي حاولت البحرية الإسرائيلية إعطابها في عرض البحر. ومن الواضح أن إسرائيل لن تسمح للسفن بمواصلة إبحارها حتى لو قررت التوجه إلى موانئ أخرى على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، وستصرّ لأسباب مختلفة على عودتها من حيث أتت. فهي لا تريد تكرار لعبة الفأر والقط مع هذه المحاولات.
وبعد سيطرة الكوماندوس البحري على السفن، ستتولى وحدات أخرى قيادة السفن إلى ميناء أسدود. وهناك تكون طواقم الاستقبال والتحقيق جاهزة، حيث سيتم تصنيف المتضامنين وفقاً لجنسياتهم، ومن ثم وفقاً لـ«خطورتهم» الأمنية أو مكانتهم الاعتبارية. ومن المتوقع أن تحاول إسرائيل إذلال عدد من الشخصيات، خصوصاً تلك التي من أصل عربي أو المعروفة بانتماءاتها السياسية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد