الأكل الصحي وعي وثقافة وأسلوب عيش «مصطنع» على حساب الجيب

عجيب أمر الأسواق وعلاقتها بالصحة. يكفي أن يكون الحليب (اللبن) الكامل الدسم أقل سعراً من الحليب القليل الدسم أو الخالي منه (أو الحليب الناقص). والسبب أن الثاني معالََج (بالتعقيم والإضافات) وعمليات المعالجة مكلفة.

الحبوب المقشورة أقل سعراً من الحبوب غير المقشورة مع أن الأولى هي التي تكون خضعت للمعالجة (بالتنقية والتقشير).

من هذه المعطيات البسيطة، تكون السوق قد فاتها أمر مهم، وهو أنها لم تحتسب فوائد الحليب الكامل الدسم. فمنه تستطيع السيّدة أو الطبّاخ صنع اللبن (الزبادي). أي أن السوق لم تحتسب سعر ميزته التحويلية الإضافية هذه، عندما قررت خفض سعره.

أمر آخر فات المستهلِك هذه المرة، فــكيف يقبل بأن تكال القـــيمة الغــذائية للمواد بمكـــيالين؟ فالقيمة الغـــذائية للحليب الكامـل أعلى منها للحليب الناقص. وبالمثل، هي في الحبوب غير المقــشورة أعلى منها في الحبوب المقشورة. وهكذا، تكون السوق احتـــسبت القيمة الغذائية المــرتفعة بمعيارين، مرة تبخسها حقها ومرة أخرى تثمنه!

وأما علاقة المنتجات العضوية الصحية بالسوق فتبدو أكثر إرباكاً وتيهاً. فهي غير معالجة، أي أن المزروعات العضوية تعيش على «الطبيعة». والأبقار والضأن تقتات عليها في الطبيعة، للحصول على ألبانها ولحومها الصحية، وروثها النظيف الذي يدخل في تسميد التربة واستصلاحها. وأي عملية معالجة تخضع لها هذه المنتجات «السليمة» تكون من بيئتها: النبات الذابل والحشرات الصالحة وفأر الحقول لتهوئة الأرض والحرباء لإبادة الحشرات الضارة والحشرات آكلة الآفات.

ومع كل ذلك، تأتي السوق وترفع سعرها بذريعة أن كمية إنتاجها لا تلبي أعداد المستهلكين. وتشجّع هؤلاء على استهلاكها بحجة أنها مفيدة. وتشن حملات توعية بأولوية الصحة وأهميتها عبر الأكل السليم. حتى أنها (أي السوق) تهتم بنشر ثقافة المأكولات العضوية، وأفضل السبل للتعود على الغذاء الصحي اليومي، مع أن ذلك كان يحصل قبل زمن الاستهلاك الحاد.

والمستهلك واقع بين نار صحته ونار فراغ جيبه.

زكي محفوض

المصدر: الحياة