(وثائق سورية):كلمةعبد الناصر من قصر الضيافة بدمشق في عيد الوحدة
أيها الإخوة المواطنون:
نلتقي اليوم في هذا الميدان لأول مرة في العام الثالث لوحدتنا ولقيام جمهوريتنا العربية المتحدة. فاليوم - أيها الإخوة - نبدأ العام الثالث من أعوام ثورتنا.. ثورتنا الكبرى التي قامت على الوحدة والقومية، الثورة التي أعلنها هذا الشعب من أجل تحقيق أهدافه وشعاراته.
اليوم - أيها الإخوة المواطنون - أول يوم من أيام العام الثالث لثورتنا ولجمهوريتنا، ونحن نبدأ هذا العام بهذه القوة وبهذا العزم وبهذا التصميم وبهذا الإيمان، فقد رأيت الشعب في كل أنحاء الجمهورية العربية المتحدة في جميع مدنها؛ في المدن والقرى، وفى كل مكان، في الحقول والمصانع، رأيت الشعب في هذه الأيام وكله تصميم على أن يسير بثورته الكبرى من أجل أن يحقق كل الأهداف التي أعلنها، رأيت الشعب وقد تسلح بالوعي وقد تسلح بالإيمان، رأيت الشعب العربي الأصيل وهو مؤمن بحقه في الحرية والحياة، رأيت الشعب وقد صمم على أن يبنى جمهوريته بعمله وبعرقه وبكفاحه، ورأيت الشعب وقد طهر صفوفه من كل أعوان الاستعمار والعملاء.
ورأيت الشعب كيف ينظر إلى ما ردده الاستعمار والشيوعيون العملاء ضد جمهوريتنا، ينظر إلى كل ذلك باحتقار؛ لأنه يؤمن بنفسه وبزحفه المقدس، ولأنه يؤمن بأن أعوان الاستعمار والشيوعيين العملاء إنما خرجوا على إجماع هذا الشعب، ولأنه يؤمن أن لا مكان للانتهازية بيننا، ولا للرجعية بين صفوفنا، ولا للشيوعية بين أرجاء أمتنا، فهذا الشعب هو الذي سيخطط لنفسه، هذا الشعب الخلاق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفرض عليه أنظمة دخيلة، أو أن تفرض عليه سيطرة فئة قليلة من الناس.
واليوم - أيها الإخوة المواطنون - قبل أن أخرج إليكم كنت أقرأ ماذا تقول صحف الشيوعيين العملاء عن هذا الشعب وعن هذه الاحتفالات؛ رأيت الحقد المسموم في أقلامهم، رأيت الحقد ضد هذا الشعب، قرأت الحقد والكراهية، ولكنى رأيت بين السطور - أيها الإخوة - كيف يترنح الشيوعيون العملاء الذين هربوا من هذا البلد الطاهر ولا وجود لهم في هذا المجتمع الشريف. قرأت الحقد والكراهية والبغضاء ضد جمهوريتنا وضد أهدافنا وضد كل ما ينادى به شعبنا، قرأت هذا في الصحف الشيوعية العميلة في لبنان التي صدرت اليوم، ولكنى - أيها الإخوة - قرأت بين السطور كيف شعر هؤلاء العملاء أننا في هـذا الإقليم - بل في هذه الجمهورية - لم نر منهم أي شيء - ولا أقفيتهم - وهم يولون هاربين؛ لأن هذا الشعب إنما تخلص منهم، وإنما كان الشعب الواعي الذي نبذهم.
أيها الإخوة:
لن تستطيع هذه الأحقاد أن تعيش، ولن تستطيع هذه الكراهية أن تجد بين هذا الشعب الطيب أرضاً خصبة تنفث فيها السموم، ولن يستطيع الشيوعيون العملاء أن يجدوا بين وطننا المنفذ الذي ينفذون منه؛ لأن هذا الشعب كله بأطفاله ورجاله ونسائه يعلم أنهم عملاء مأجورون، وأنهم عملاء على قوميتنا وعلى عروبتنا. ولا يمكن بأي حال من الأحوال - أيها الإخوة - أن يكون بيننا عملاء أو أن يكون بيننا أعوان للاستعمار؛ لقد تخلصنا من الرجعية وتخلصنا من الاستعمار وأعوان الاستعمار ليكون بلدنا حراً لنا، ولنكون سادة بين ربوع بلدنا.
ولم نبذل - أيها الإخوة - الدماء والأرواح والشهداء لنسلم هذا البلد لحفنة من الشيوعيين العملاء الذي جعلوا من أنفسهم الصنائع التي تريد أن تخدع هذا الشعب. لقد طفت بأرجاء هذه الجمهورية من جنوبها إلى شمالها ورأيت إجماع هذا الشعب الكامل، رأيت كل أبناء هذا الشعب بالملايين، بل بعشرات الملايين، رأيت هذا الشعب يؤمن بقوميته ويؤمن بحقه في الحرية والحياة، ورأيت هذا الشعب يؤمن أن لا مكان لأعوان الاستعمار ولا للشيوعيين العملاء بين أرضنا أو في ربوع وطننا؛ لأن هذا الشعب صمم على أن يكون هذا الاستقلال استقلالاً أبدياً وتكون هذه الحرية حرية أبدية.
هذا - أيها الإخوة المواطنون - هو ما رأيته ولمسته، وحينما أرى الشيوعيين العملاء ينفثون الأحقاد والسموم فإني أراهم أيضاً بين السطور وهم يترنحون ويتوجهون إلى نهايتهم المحتومة؛ لأن الشعب العربي في كل بلد عربي لن يسمح للاستعمار أو لأعوانه أو للشيوعيين العملاء من أن يقيموا في أرجائه ليجعلوا من بلادنا منفذاً لقوى أجنبية تسيطر عليها، ولأن هذا الشعب العربي إنما قد صمم على أن يسير في طريق الاستقلال وفى طريق الحرية وفى طريق القومية العربية وفى طريق الوحدة العربية، ولأن هذا الشعب يعلم من هم أعداؤه ومن هم أعداء القومية العربية والوحدة العربية، ولأن هذا الشعب بعد أن كشف الشيوعيين العملاء لن يمكنهم من أن يبقوا بين صفوفه، بل طردهم وأخذهم على أقفيتهم ليتخلص منهم وليعبر لهم عن شعوره، فما كان من هؤلاء العملاء إلا أن زادوا انكشافهم انكشافاً فذهب قادتهم إلى صوفيا ليعيشوا هناك في صوفيا عاصمة بلغاريا ليتآمروا على هذا الشعب الطيب، وعلى حرية هذا الشعب الطيب، وعلى قومية هذا الشعب الطيب، ولكن هذا الشعب الذي هزم الدول الكبرى وهزم أعوان الاستعمار وتخلص من الاستغلال بكل أنواعه، سيستطيع أن يقضى قضاء كاملاً على الشيوعيين العملاء.
أيها الإخوة المواطنون:
إن هذه الجمهورية بعد أن تخلصت من الاستعمار وأعوان الاستعمار، وبعد أن حققت الاستقلال أصبحت خالصة لأبنائها ولن تتمكن الرجعية أو الشيوعية أو الانتهازية من أن تفرق صفوفنا؛ لأننا آمنا بوحدتنا، ولأننا آمنا بأن لابد من أن نتحد لنسير في سبيل تحقيق أهدافنا، وأن اتحادنا هو سلاحنا الأساسي في زحفنا المقدس من أجل الوحدة والقوة والحياة، ولأن وحدة شعبنا هي سلاحنا الرئيسي من أجل البناء، فإذا قامت أي جماعة أو أي فئة أو أي حزب لتضلل هذا الشعب، فلن يضلل هذا الشعب لأنه الشعب الواعي.
وإذا قامت أي جماعة من بين صفوفنا لتدعى لنفسها الحق في أن تحتكر السياسة فإننا نقول: إن أول أهدافنا هو أن نقيم مجتمعاً متخلصاً من الاستغلال السياسي. إذا قامت جماعة أو عشرات من الناس ليقولوا إنهم هم الأوصياء على هذا الشعب، وإنهم هم القاعدة الثورية فإني أقول: إن هذا الشعب هو القاعدة الثورية الحقيقية، ولا يحق - أيها الإخوة - لأي فئة من الناس أن تدعى أنها الوصية على هذا الشعب، أو أنها هي الفئة الثورية لأن في هذا احتقاراً للشعب. وأنا كما قلت - وقلت حقاً أيها الإخوة - إن هذا الشعب هو الشعب الخلاق، وإن هذا الشعب هو الشعب الذي يقود، وإننا حينما أعلنا الاتحاد القومي كنا نعلن أننا نؤمن أن الشعب بأكمله وبجميع أبنائه - برجاله ونسائه وشبابه - هو القاعدة الثورية.. هو القاعدة التي تدعم هذه الثورة.
فإذا قامت جماعة أو فئة من الناس لتتنكر لحق هذا الشعب بل لتتنكر لطبيعة هذا الشعب، وتدعى لنفسها الوصاية أو اجتمعوا على الانتهازية، وعلى أنهم هم القاعدة الثورية فقط، فإننا نقول: إن هذا هو الانتهازية بعينها، وإن هذا الشعب لا يمكن بأي حال من الأحوال، وهو الشعب الذي أقام هذه الثورة وسار في زحفه المقدس وضحى بالدماء والأرواح، لا يمكن لهذا الشعب بحال من الأحوال أن يترك للانتهازية منفذاً بينه؛ لأنه هو القاعدة الثورية الحقيقية، ولأنه هو الذي سيسير في ثورته وسيسير في زحفه المقدس.
لا مكان - أيها الإخوة المواطنون - للشيوعية أو الانتهازية أو الرجعية، ولكن المكان الوحيد في وطننا هو لهذا الشعب الأبي القوى بكل أبنائه وبكل أفراده.
وحينما أعلنا أننا ضد الحزب الواحد فإنما كنا نعنى أننا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نعترف بالاحتكار السياسي أو نعترف بالاستغلال السياسي الذي يتجاهل الشعب بمجموعه، ويحتكر العمل السياسي لبضع عشرات من الناس.
وكان ردنا على هذه الأفكار هو الاتحاد القومي الذي يعبر عن إرادة هذا الشعب، والذي يشترك كل أبناء هذا الشعب جميعاً في إدارته وفى تنظيمه وفى تكوينه، فإذا قامت جماعة أو بعض عشرات من الأفراد ليقولوا إن القيادة الثورية أو القاعدة الثورية إنما هي فوق الشعب ولابد أن تقتصر على عشرات من الناس، وأن هذه القاعدة الثورية فوق مستوى الشعب ولابد أن تحتكرها فئة من الفئات! فإننا نرد عليها ونقول: إن هذا الشعب هو القاعدة الثورية الوحيدة بين أرجاء هذه الجمهورية، وإن هذا الشعب كان في الماضي - أيها الإخوة - هو أيضاً القاعدة الثورية الوحيدة، ومن يدعون اليوم أنهم كانوا فقط - هؤلاء العشرات - القاعدة الثورية أما هذا الشعب فكان كماً مهملاً، إنما يدعون هذا لأنفسهم ليسيروا في طريق الانتهازية وكسب المكاسب عن طريق الوحدة التي حققناها. ولن نمكن انتهازياً من أن يقوم بيننا ولن نمكن الانتهازيين من أن يعودوا بين صفوفنا، هذا الشعب الثائر وهذه القاعدة الثائرة.. القاعدة الشعبية الثائرة ستسير في زحفها المقدس إلى الأمام؛ لتحطم الرجعية والانتهازية والشيوعية كما حطمت الاستعمار وأعوان الاستعمار. والله يوفقكم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
٢٢/٢/١٩٦٠
الرئيس جمال عبد الناصر
المصدر: صحيفة الأهرام، عدد 23 شباط 1960م.
الجمل- إعداد: د. سليمان عبد النبي
إضافة تعليق جديد