إصلاح الانترنـت: الأخطاء ذاتها والفشل ذاته منذ أعوام!
منذ عام، أعلنت المؤسسة العامة للاتصالات عن استدراج عرض خارجي بهدف التعاقد مع شركة استشارية عالمية لتطوير البنية التحتية لشبكة الانترنت في سورية، لكن بعضاً من الأخطاء التي انطوى عليها دفتر الشروط، أفشل المشروع، وأصاب الشركات المتقدمة بالهلع فهربت لا تلوي على شيء!!.
ثمة الكثير مما يمكن أن يقال فيما ارتكب من ممارسات في مناقصة تأهيل الشركات هذه، وقد تجدر العودة إليه في أكثر من مناسبة إلا أن ماتجدر الإشارة إليه أن هذه المناقصة فشلت بسبب خطأ ورد في دفتر الشروط، لتعاد مجدداً بعد تعديله، ولم يتقدم حينذاك سوى عارض وحيد مشترطاً اقتصار دوره على الاستشارات فقط "أي من دون حلول".
ثمة شبه كبير بين ما مورس في تأهيل الشركات من أخطاء، وبين الأخطاء التي ارتكبت قبل ذلك بعامين، شبه يثير الدهشة لجهة الأسباب التي تقف وراء "حتمية" إفشال كل مشروع لإصلاح الانترنت في سورية ولأسباب متشابهة تماماً، كما أن صاحب الخطأ في دفاتر الشروط قبل عامين هو ذاته صاحب خطأ اليوم في مناقصة تأهيل الشركات مؤخراً!!
ذات الأخطاء وذات مرتكبيها.. ما يستدعي العودة إلى مشروع إصلاح الانترنت في العام 2007، وأسباب توقفه أوتعطيله كما يرى البعض، علّنا نتوقع السبب الذي جعل من إصلاح الانترنت أمراً مستحيلاً، أو لعله ممنوع؟!.
مسيرة فشل وحجج واهية
بكل بساطة، ما يحصل اليوم في تأهيل الشركات، والذي تثبته وثائق رسمية تعود إلى العام 2007 ممهورة بتوقيع المدير العام لمؤسسة الاتصالات، يؤكد أن الحلول الفنية الكفيلة بإصلاح واقع الإنترنت "الرديء" معروفة تماماً وبكل تفاصيلها منذ ثلاث سنوات.
كما تبين تلك الوثائق أن مؤسسة الاتصالات حصلت على كل ما تحتاجه من صلاحيات قانونية تجيز لها التعاقد لتنفيذ هذه الحلول منذ ثلاث سنوات أيضاً.. لكنها وقفت متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها تارة.. ومتقاعسة تارة أخرى؟
كما تثبت الوثائق اعتراف المؤسسة خطياً بأنها "وإن كانت تدّعي حسن النية أو الجهل" أضاعت شهوراً طويلة من دون تنفيذ الحل المحدد والتعليمات الرسمية التي يلزمها القانون بتنفيذها.
لكن الأسوأ من كل ذلك، هو أنه، وعلى الرغم من اعتراف إدارة المؤسسة بجودة الحلول المطروحة وبإضاعة شهور طويلة ، فإنها بقيت منذ العام 2007 وإلى الآن تراوح مكانها: لا تعاقد على الحل، لاتقدم في مسار آخر..
وبما أن الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن تعطيل حلول 2007، هم ذاتهم المكلفون حالياً بالإشراف على الحل المستقبلي، يمكننا توقع الآفاق المسدودة، خاصة وأن ما تسوقه المؤسسة من حجج لفشلها في إصلاح الانترنت كـ "عدم مرونة القوانين، والروتين الحكومي، والحظر.." ليس أكثر من بدعة واهية تثبت الوثائق بطلانها تماماً؟
وثائق.. ووضوح
ليس من السهل الحصول على وثيقة من مؤسسة الاتصالات، إلا أن النوايا الطيبة لا زالت مستعدة للمخاطرة في إبراز الحقائق..
تبدو الوثيقة ذات الرقم "2890/11/10" تاريخ 16/9/2007" كافية تماماً لإظهار مدى المناورة التي يبديها بعض أركان مؤسسة الاتصالات إزاء حل مشكلة الانترنت، وهي وثيقة ممهورة بتوقيع المدير العام، تتضمن إجابات رسمية على رزمة من الأسئلة التي وجهت إلى المؤسسة حول أسباب مشكلة الإنترنت، والتعطيل المستمر لأي مبادرة لإصلاحها.
تبدو الوثيقة آنفة الذكر، ذات الصفحات الخمس والبنود الـ "11" كافية لإحداث الصدمة في النفوس، لجهة كشفها عن الأسباب التي أدت إلى بقاء الإنترنت على حالها، بل تعطيل كل محاولة لحلها منذ سنوات.
حقائق مؤلمة!
تبين الوثيقة آنفة الذكر بأنه تم تحديد المطلوب تماماً لحل مشكلة الإنترنت!!، كما تم وضع مواصفات وجداول بالتجهيزات والكميات والجدول الزمني لحل هذه المشكلة بكل تفاصيلها منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم تقم المؤسسة بأية خطوة لتنفيذ ما طلب منها حتى الآن.
وكذلك تبين الوثيقة أن الحل المطروح نوقش بالتفصيل مع أكبر شركة لتجهيزات الإنترنت في العالم، وخلصت النقاشات إلى أنه تم تقسيم الحل إلى مرحلتين:
1. الأولى: مرحلة إسعافية، تحل اختناقات الإنترنت الحالية وتزيد عدد المشتركين إلى 75000 مشترك ADSL.
2. الثانية: حل أكبر، يقضي بتوسيع شامل لشبكة تبادل المعطيات بحيث يصل عدد مشتركي الـ ADSL إلى 500 ألف مشترك.
كما تبين الوثيقة أن كلا الحلين والجداول تم إرسالها إلى المؤسسة العامة للاتصالات مع إعطائها التعليمات الواضحة والصلاحيات اللازمة لكي تقوم بنسخ هذه المواصفات إلى دفتر شروط والإعلان عن مناقصة لتقديم هذه التجهيزات وتركيبها وتشغيلها.
وهنا بدأت الإجراءات المعتادة في مؤسسة الاتصالات: تأخيراً، من خلال تدبيج المراسلات المتكررة للحصول على موافقات على ذات القضية لأربع مرات متتالية!! مع أنها حصلت عليها منذ اللحظة الأولى!! وتعطيلاً من خلال الادعاء بأن المواصفات غير كاملة، أو غير صحيحة!
ويتضح من الوثيقة أن المؤسسة عادت واعترفت في نهاية الأمر بأن الحل المقدم لها صحيح تماما قبل أن تقدم الاعتذار عن تنفيذ المطلوب منها عبر القول بأن الحل يكمن في: "الالتزام بتوجيهات الإدارة الأعلى (أي الوزير) والمستندة إلى مرجعية فنية عالمية"، وتعترف بعد ذلك بتأخرها شهوراً عن التنفيذ مشيرة إلى أن دفتر الشروط أصبح شبه جاهز وأنها سوف تطرح الإعلان خلال فترة زمنية قصيرة جداً.
مضت الأيام.. ومضى عام وآخر، إلا أن المؤسسة لم تطرح دفتر الشروط ذاك، دون أن يعلم أحد السبب!
إضافات مهمة
لم يكن للمفاجأة التي أطلقتها هذه الوثيقة أن تكتمل لولا مجموعة إضافية من الذرائع حيال قضايا الحظر وضعف الخبرة وغيرها من الحجج التي عادة ما تتحدث عنها المؤسسة في سياق تبريرها الممل لتراجع خدمات الاتصالات في سورية.
الوثائق، تدل بوضوح أن مؤسسة الاتصالات هي من قامت بتعطيل عمليات استلام "PDN” بسبب ما سمّته "مغالاة بعض العناصر" وبهذا تسقط حجة الحظر الذي أخر تنفيذ العقد بعد توقيعه في العام 2003، لكنه لم يقف أمام توريد وتركيب وتشغيل تجهيزاته وتدريب الفنيين عليها في العام 2005.
كما تشير الوثائق إلى أن ضعف الخبرة الذي تتحدث عنه المؤسسة دائما، غير صادق، لأن الشركة الموردة للـ PDN قامت بتدريب عناصر داخلها وخارجها، لكن مدير مؤسسة الاتصالات آنذاك، الوزير الحالي، قام بنقل جميع هؤلاء العناصر إلى خارج الإنترنت دون مبررات.
كما أن برمجيات إدارة الشبكة والمحاسبة وخدمة الزبائن التي ركبتها الشركة الموردة لشبكة "PDN”، وبعد تشغيلها وتدريب العناصر عليها، ما لبثت أن ضاعت نتيجة لحذفها من النظام، والأسوأ أن النسخ الأصلية اختفت تماماً منذ ذلك الحين!! ما يثير تساؤلات جدية حيال أسباب ذلك وكأن الأمر غاية في السهولة.
وبالتالي يتضح أن الأسباب في تأخر الانترنت تعود إلى الإدارة ذاتها ولاصحة لأي من مبرراتها الواهية.
ابتسام مغربي
المصدر: البعث
التعليقات
إصلاح !!!!!!
متشائم
إضافة تعليق جديد