الجيش الإسرائيلي يهزم أولمرت
في ما يبدو انه الوجه الاخر للنقاش الذي دار في مجلس الامن الدولي، عادت الحكومة الإسرائيلية لإدارة محركات دباباتها وأعلنت قرارها البدء بتوسيع العملية البرية لتصل إلى الليطاني. وكان واضحا أن القرار الحربي الإسرائيلي بات عند مفترق طرق حاسم بين التعقيدات الدولية والمصلحة الردعية الإسرائيلية والتطلعات الحزبية لكل من رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس. وعندما تبدى أن الولايات المتحدة مضطرة للاقتراب من الموقف اللبناني بعدما حسمت الحكومة اللبنانية موقفها وحددت خطوطها الحمراء، أدرك أولمرت أنه لا بد من تغيير قواعد اللعب. وهكذا أظهر أزمة في العلاقات مع أميركا وطلب من وزيرة خارجيته تسيبي ليفني الاتصال بوزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس وإبلاغها أن إسرائيل غير ملزمة بأي صيغة حتى لو قبلتها أميركا. وأتبعت ليفني ذلك بالقول أن لإسرائيل هي الأخرى خطوطها الحمراء.
ولجأ أولمرت بعد ذلك للخضوع لإملاءات قيادة الجيش وإصدار الأوامر بتوسيع العملية البرية، ما دفع بعض المعلقين للقول أن الجيش الذي لم يهزم حزب الله أفلح في هزيمة أولمرت. ومع ذلك فإن الشكوك كانت قوية إزاء قدرة الجيش في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وبمعزل عن التطورات في الأمم المتحدة. وأشار معلقون إلى أن الجيش الذي عجز طوال شهر، في ظل غض طرف دولي واسع وتشجيع واضح من بعض الدول العربية، لن يكون قادرا على تحقيق أهدافه عند اهتمام العالم بأسره بأمر وقف القتال في لبنان.
ومع ذلك، فإن قرار أولمرت السماح للجيش بالبدء بعمليته الواسعة ظل مرتبطا بحقيقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية وأعضاءها باتوا أكثر إيمانا بأن جنوب لبنان بعد العملية لن يغدو جنوب سويسرا، وأنه في كل الأحوال سرعان ما ستعود هذه المنطقة إلى طبيعتها ولذلك فإن ما يجري البحث عنه سياسيا أو عسكريا يتسم بطابع مؤقت ورمزي، وأيا تكن النتيجة فإن الصراعات القائمة داخل الحكومة والحلبة السياسية سوف تنفجر في أقرب وقت.
وإذا استمرت العملية العسكرية فإن التظاهرات الاعتراضية سوف تتعاظم من جانب اليسار، بعدما تخلت حركة السلام الآن عن تأييدها للحرب. كما أن اليمين سوف يجعل حياة الحكومة جحيما إن هي أوقفت الحرب. وفضلا عن ذلك فإن الصراعات داخل الجيش تعمقت وقامت محطات التلفزة أمس، ببث رسائل موجهة من جنرالات إلى رئيس الأركان تنتقد الأداء العسكري. ويعتقد كثيرون أن مطلب تشكيل لجنة تحقيق في الأداء العسكري والسياسي الإسرائيلي في هذه الحرب بات مسألة وقت.
بعدما بدا أن قرار المجلس الوزاري المصغر يوم الأربعاء الفائت بتنفيذ عملية برية واسعة لم يؤثر على قرار الحكومة
(تتمة المنشور ص 1)
اللبنانية، اضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ تهديده. وهكذا قرر أولمرت وبيرتس، وفق البيان الرسمي، استخدام التفويض الذي منحه لهما المجلس الوزاري المصغر، لإصدار الأوامر للجيش بتطهير المنطقة حتى الليطاني. وأشار البيان إلى أن ألأوامر صدرت برغم الثمن الباهظ الذي قد تدفعه إسرائيل من أرواح المئات من القتلى الآخرين. وقال البيان أن أولمرت وبيرتس يصران على تنفيذ مطالب إسرائيل الأساسية التي من أجلها شنت الحرب ضد حزب الله.
وهذه المطالب هي: إعادة الجنديين المخطوفين لإسرائيل من دون شروط، إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني وتجريده من سلاحه، إدخال قوة دولية قادرة على منع حزب الله من الدخول للمنطقة، وفرض حظر على توريد السلاح للمنظمات الإرهابية في لبنان عموما وحزب الله على وجه الخصوص. وقرر رئيس الحكومة ووزير الدفاع استمرار هذه العملية إلى أن تتحقق هذه المطالب.
وفي الوقت الذي كان فيه أولمرت يصر على استنفاد العملية السياسية قبل إطلاق اشارة البدء بالعملية البرية الواسعة، كان الجيش ووزارة الدفاع يمارسان الضغوط على الحكومة. وبحسب المراسلين السياسيين، فإن ضباط الجيش مارسوا ما يمكن وصفه بـ الضغط الوحشي على أولمرت لإجباره على إطلاق اشارة البدء بالعملية. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن قرار البدء بالعملية الواسعة اتخذ ظهر أمس، في بيت أولمرت، بعدما وصل إليه وزير الدفاع وعدد من قادة الجيش.
وأشار مراسلون إلى أن الجيش استخدم، في محاولاته إقناع أولمرت بإصدار أمر بدء العملية، أسلوب التهديد وقالوا له أنه بتلكوئه يبيح دماء الجنود في الميدان وأنه يفرض على الجيش الإسرائيلي هزيمة غير مسبوقة. كما أن وزير الدفاع وصل إلى الاجتماع غاضبا ومهددا حيث أن القضية باتت في نظره قضية حياة أو موت. ومع ذلك فإن الكثيرين في إسرائيل يعتقدون أن أولمرت الذي اضطر للموافقة على موقف وزير الدفاع وقيادة الجيش، ظل غير مقتنع بإصدار الأوامر. وحاول حتى اللحظة الأخيرة الربط بين تقدم العملية البرية الواسعة وتباطؤ العمل الدبلوماسي من أجل التوصل إلى صيغة مقبولة لوقف النار. غير أن ما حسم الموقف عنده هو المقالات التي صدرت ضده والتي أشارت إلى فشله وإلى وجوب أن يستخلص العبر ونتائج استطلاعات الرأي. وأظهرت هذه الاستطلاعات ليس فقط تدهور مكانة أولمرت وإنما كذلك تدهور ثقة الجمهور الإسرائيلي بالنصر، وبالتالي بالجيش.
ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه أفلح حتى الآن في إقامة ثلاثة رؤوس جسر في القطاعات الشرقية والوسطى والغربية بعمق 12 كيلومترا يمكنه منها الانطلاق في عملية التوسيع. وبحسب الخطة، فإن الوصول لليطاني يستغرق على الأقل أسبوعا وأنه يتجاوزه في القطاع الشرقي في حين لن يصل إليه غربا. فليس هناك قرار حتى الآن باحتلال مدينة صور أو تجاوزها على الخط الساحلي. وأبدت مصادر عسكرية إسرائيلية تقديرها بأن هذه العملية في التقدم والتطهير قد تستغرق ما لا يقل عن شهرين.
وترمي العملية البرية إلى التوغل في الجنوب اللبناني حتى الليطاني من أجل التصادم مع خلايا حزب الله المنتشرة هناك وتنظيف المنطقة. وفي رأي ضابط كبير فإن كل عملية شمالا، بما في ذلك التي لا تصل إلى الليطاني تبعد راجمات الصواريخ.
وبنيت فكرة العملية البرية الواسعة على أساس أن صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى من عيار 122 ميلليمترا والبالغ مداها 24 كيلومترا هي المشكلة المركزية التي تواجهها المستوطنات الشمالية، وأن السيطرة على المناطق المعروفة لإطلاق هذه الصواريخ يحرر 70 في المئة من المستوطنات من الخطر الصاروخي.
وترى جهات إسرائيلية أن المعاني الأخرى لتوسيع العملية هو إدخال قوات كبيرة أخرى إلى داخل الجنوب اللبناني. وتقدر القوات التي يزج بها الجيش في هذه المهمة بأربع فرق عسكرية تضم حوالى أربعين ألف جندي.
تجدر الإشارة إلى أن أولمرت أفلح في إعاقة تنفيذ قرار المجلس الوزاري المصغر يوم الأربعاء بتوسيع العملية البرية إلى الليطاني. ومع ذلك فإن الجيش من الوجهة العملية كان يحاول إحراز تقدم بري وأن ما كان يعيق حركته ليس التقدم وإنما المقاومة الحقيقية على الأرض.
وأعطي الضوء الأحمر للجيش الإسرائيلي للبدء في عمليته الواسعة ابتداء من الساعة السادسة والثلث من مساء أمس. وطلبت رايس من أولمرت، في اتصال هاتفي معه، إيقاف العملية غير أن المصادر الإسرائيلية الرسمية شددت على أن رئيس الحكومة الإسرائيلية لم يستجب لهذا الطلب. وقالت مصادر إسرائيلية في وقت متأخر من ليلة أمس، أنه برغم التفاؤل بتقدم الحل السياسي فإن أولمرت لم يصدر أوامره للجيش بإطفاء المحركات.
أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنه في الوقت الذي تجري فيه العملية البرية بقوة، وافقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع القرار الدولي بشأن وقف النار. وكانت وزارة الدفاع وقيادة الجيش قد عارضتا بشدة مشاريع وقف النار حتى بصيغتها الأميركية الفرنسية الأولى. وفي نظر هؤلاء فإن كل وقف لإطلاق النار في هذه الظروف ومن دون نصر إسرائيلي واضح يشكل هزيمة معنوية لإسرائيل. وهم يقولون أن التقدم العسكري يتيح لإسرائيل التفاوض من موقع قوة أفضل لتحقيق اتفاق أنسب. وبدا أن قرار توسيع العملية اتخذ في أجواء سادت رئاسة الحكومة الإسرائيلية بأن العملية الدبلوماسية لوقف النار قد فشلت.
وأشار مصدر سياسي إسرائيلي إلى أن إصدار أمر التقدم للقوات جاء في أعقاب التعديلات التي أدخلت على الصيغة الأولية وهي تعديلات لم تكن في صالح إسرائيل. وحاولت جهات حكومية إسرائيلية التشديد على أن توسيع العملية البرية ينطوي على نوع من الحث للدبلوماسيين لإنجاز عملهم بسرعة.
وكان أولمرت، وبعد الموافقة على الصيغة الأولية التي عرضت عليه، قد أبدى اعتراضه على التعديلات اللبنانية وعلى ميل كل من أميركا وفرنسا لتقبل هذه التعديلات. فقد عارض أولمرت بشدة التعديلات على تفويض القوة الدولية وعلى حجمها. كما عارض أي ذكر لمزارع شبعا في القرار وقال أن مجرد ذكر المزارع يمنح حزب الله إنجازا عظيما. ومع ذلك أبدى أولمرت استعداده لبحث الموضوع مع كل من سوريا ولبنان ولكن ليس في هذه المرحلة.
وتشير المصادر الرسمية الإسرائيلية إلى أن إسرائيل لم تنل، بحسب المشروع الجديد، كل ما كانت تريد. وقد تضايقت لأن القوة الدولية لن تعمل في إطار الفصل السابع الذي يمنح للقوات صلاحيات حربية كما استاءت من ذكر مزارع شبعا في القرار. ولكنها نالت بندا يعيد الجنود الإسرائيليين فورا ويفتح الباب أمام تجريد جنوب لبنان من السلاح.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد