الأسواق تستقبل العيد بارتفاع الاسعار
لا يعني الازدحام المروري الكثيف في شوارع العاصمة السورية دمشق أن هناك اقبالا كبيرا على الاسواق قبيل ايام من عيد الاضحى المبارك، لأن هذا الازدحام أصبح من صفات إحدى اقدم المدن المأهولة في العالم.
ورغم ان الأسواق على اختلافها اعلنت عن تخفيضات وعروض لجذب الناس الى الشراء، الا ان العيد لا يشبه هذه الايام في طقوسه وحركته عيد سنوات سابقة ليست بعيدة، كما يقول كثير من السوريين، معتبرين ان هناك حدا ادنى من الواجبات الاجتماعية والدينية يجب القيام بها مهما بلغ ضيق ذات اليد كما يقول عامة الناس.
ويرى رجل الاعمال السوري ناصر الزوز الذي يملك عدة محال تجارية وسط حي الصالحية الذي يعتبر من اهم الاسواق التجارية في قلب العاصمة السورية ان الجمود يخيم على الاسواق الى حد واضح، ربما الناس تغيرت اولوياتها بعد الازمة المالية العالمية التي أثرت في كل مكان.
لقد بات المواطن يفكر كثيرا قبل الاقدام على شراء أي شيء، وبعيدا عن ذلك فان السوريين وخاصة ذوي الدخول المتواضعة ربما وزعوا الميزانية المالية على حاجات رئيسية مثل دفع ثمن الوقود للتدفئة حيث انها المرة الاولى التي يضطر فيها السوريون للتمويل دون ان يصلهم الدعم من الحكومة حتى اليوم.
ويقول التاجر السوري المعروف بين ابناء مهنته 'نحن نعتقد ان السوق السورية اليوم يتوفر فيها كل شيء وكل الخيارات والمستويات لكن ضغوط الحياة ومطالبها لم تعد سهلة، وربما نستطيع تقدير تراجع المبيعات رغم ان عيد الاضحى على الابواب الى حوالي 25 الى 40 بالمئة احيانا، ففي فترات سابقة، كنا قبل بضع سنوات نحتاج لعمالة اضافية في الايام الاخيرة التي تسبق يوم العيد'.
ويشير الزوز الذي تتوزع استثماراته بين عدة محافظات سورية ومنها مدينة اللاذقية الساحلية ان عادات المجتمع السوري شابها الكثير من التطور، لأن ايقاع الحياة السريع فرض نفسه، وعلى سبيل المثال بدأ المقتدرون يعتبرون عطلة الاعياد فرصة للاجازة والاستجمام بدل الالتزام بالوجبات والمعايدات. ولم تعد الاسر تصر على ان تصنع الحلويات في المنزل إذ أن كل شيء بات متوفرا في الاسواق، وبنكهات واشكال لذيذة وجذابة.
وترى السيدة سلوى الانصاري وهي سيدة اعمال تولي اهتماما كبيرا بمنزلها ان عادات السوريين في الاعياد باتت تختلف بين الريف والمدينة وان كانت كذلك في السابق ايضا لكنها اليوم تفرض ايقاعا واسلوبا مختلفا.
إلا أنها أضافت أن هناك أمورا ظلت متشابهة، فمع ذلك يبقى يوم العيد فرصة للقاء الاحبة والاصدقاء والاهل والاقارب حيث يتم تحضير الكبب الحلبية والمحاشي واليبرق البلدي وانواع السمبوسك واللحم بالعجين الذي تشتهر به المناطق الشمالية الشرقية في سورية. ولا احد ينسى بالطبع الكليجة الجزراوية التي بدأت بالانتشار من مدينة الحسكة السورية وهي تشبه الكعك المدور وتتألف من سمن وطحين وبيض مخفوق مع بعض التوابل والمنكهات ثم توضع في الفرن ويتم شيها حسب الرغبة.
اما الاعلامي السوري نضال حميدي فهو يقول ان مدينة أدلب وقراها لا تشبه دمشق وريفها في العديد من العادات والتقاليد، ففي عيد الاضحى نجد ان أهل الريف بعد صلاة العيد لا يذهبون الى بيوتهم بل يتجمعون مجموعات ويذهبون الى المقبرة ويقرأون الفاتحة على الاموات ثم بعد ذلك يدورون على اهالي القرية وبيوتها ويؤدون المعايدة من باب الدار ويأخذون ضيافة العيد بينما في المدينة الأسرة تجتمع كلها لدى كبير العائلة وهو يستضيف في معظم الاحيان الضيوف في بيته كونه اكبر رجال العائلة.
ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك فان اسعار اللحوم والمواد الغذائية بدأت تأخذ منحى تصاعديا، ففي اسواق دمشق ارتفع سعر كيلو الخروف الحي الى اكثر من 250 ليرة سورية (حوالي 5 دولارات).
واتخذت وزارة الاقتصاد السوري عدة اجراءات منها منع تصدير غنم العواس لعدة اشهر من اجل توفير المعروض من ناحية وتأمين فترة التوالد من ناحية اخرى حتى مطلع الربيع كما شددت على قمع المخالفات لدى المتلاعبين بالجودة او الاسعار في مختلف المواد الاستهلاكية.
ويرى محمود مهنا صاحب احد اكبر معامل الحلويات الشرقية في المنطقة العربية وليس في سورية فقط، ان الاسعار المرتفعة هذا الموسم أثرت على العمل كثيرا، مشيرا الى ان ارتفاع اسعار المواد الأولية ادى الى ارباك الاسواق والمنتج والمستهلك مثل الفستق الحلبي الذي ارتفع سعره متأثرا بالعرض والطلب من 600 ليرة للكيلو الواحد الى حوالي 900 ليرة (الدولار يساوي خمسين ليرة تقريبا)، خاصة ان انتاج تركيا من هذه المادة الغذائية كان غير جيد هذا الموسم، لذلك فان التجار الاتراك اشتروا قسما كبيرا من الانتاج الايراني والسوري واصبح العرض أقل من الطلب وبالتالي فان الاسعار لن تنخفض قبل معرفة حال الموسم المقبل.
ويضيف مهنا 'اعتقد ان عادات المجتمع السوري تغيرت، فقد بدأ الناس يفضلون الحلويات الافرنجية على الشرقية لعدة اسباب ابرزها الفارق في السعر والخيارات الصحية والدعاية الكبيرة والمؤثرة والمظهر الخارجي، بينما كثير من مصنعي الحلويات الشرقية لم يطوروا خدماتهم، ناهيك عن الاوضاع العامة التي تؤثر نفسيا على حركة الاقبال على الشراء'.
ورغم مظاهر الاحتفال والزينة التي تبهج الناظر في اسواق حي الميدان الدمشقي القديم الا ان ابو عبدو بائع الهدايا وحلويات العيد الشهير يقول لوكالة الانباء الالمانية 'الحركة خفيفة، لكن الحمد الله مستورة'.
ومع الارتفاع غير المسبوق لأسعار الذهب في السوق العالمي فان اسواق الذهب تبدو وكأنها في عطلة او اجازة. يقول الصائغ جورج قاروط 'كثير من ابناء المهنة في الآونة الاخيرة بدأوا ينتظرون مناسبات الاعياد والافراح، ولكن حتى ونحن مقبلين على موسم اعياد فان سوق الذهب يشهد الخمول، اعتقد ان الناس بدأت تغير عادات الهدايا من الذهب، الى ادوات كهربائية مثلا ومفروشات للمنزل'.
ويستقبل السوريون يوميا رسائل على هواتفهم الجوالة تحمل عروضا وتخفيضات خاصة بالعيد فضلا عن التنوع في خيارات التقسيط على مختلف الحاجيات والخدمات .
جوني عبو
المصدر: د ب ا
إضافة تعليق جديد