المناورة الأميركية ـ الإسرائيلية: المسـتـتـر أكبـر مـن الظـاهـر

23-10-2009

المناورة الأميركية ـ الإسرائيلية: المسـتـتـر أكبـر مـن الظـاهـر

برغم علنية المناورة المشتركة للجيشين الأميركي والإسرائيلي، فإن السرية فرضت على الكثير من جوانبها العملياتية وأهدافها السياسية. ولم يوفر المؤتمر الصحافي الذي عقده قادة المناورة العسكريون من الجانبين سوى إطلالة ضئيلة على هذه الجوانب والأهداف. ولكن نشر صور إنزال جوي في إطار المناورة، والإعلان مسبقا عن خطط لإنزال بحري، يشير إلى أن المستتر أكبر من الظاهر في هذه المناورة الكبرى التي تمتد على مدى أسبوعين. عملية إنزال جوي قرب بطارية صواريخ في إطار المناورات المشتركة
وحاول قادة المناورة العسكريون الإيحاء في المؤتمر الصحافي بأن هذه المناورة ليست سوى جزء من عمل روتيني ولا يمثل إشارة لتغييرات في الشرق الأوسط. ولكن المعطيات الصغيرة المتسربة هنا وهناك تظهر أن المناورة والتدريبات المتنوعة في إطارها قد تخدم غرضا بعيد المدى. ففي قسم من التدريبات، نفذت إنزالات جوية وستتم إنزالات بحرية وهناك تأكيدات بأن قوة أميركية ستبقى بشكل دائم على الأرض.
وليست هناك حاجة للتأكيد أنه رغم اعلان اسرائيل المتكرر بأنها لا تثق سوى بقدرتها على الدفاع عن نفسها، ثمة تغيير جوهري يجري. وإذا وضعنا المناورات في سياق مكمل للجهد الأميركي المستمر منذ سنوات والقائم على أساس إنشاء «مخازن استراتيجية» للعتاد والأسلحة الأميركية في إسرائيل، فإن الصورة تغدو أكثر جلاء. أميركا تتحرك كي تغدو حاميا لإسرائيل ليس كمظلة سياسية وعسكرية من الخارج بل كقوة مرابطة على الأرض داخل الدولة العبرية.
وهكذا كان الأمر في البداية مخازن استراتيجية غير مأهولة يتم منح إسرائيل جزءا من محتوياتها بين الحين والآخر وتقدم «هدايا» لجيوش حليفة أخرى في المنطقة. وانتقل الأمر إلى إنشاء قاعدة رادار في صحراء النقب تعتبر بين الأكثر تطورا في العالم وتراقب تقريبا نصف العالم وبتواجد تقني أميركي محدود. وحانت النقلة الثالثة بتوفير منظومات بشرية وتقنية أميركية على الأرض وفي البحر وإظهار هذا التواجد وترسيخه في الذهن.
وقد تعاطت المناورات، وستتعاطى، مع إدخال قوات أميركية إلى إسرائيل في حالات الضرورة، وإلى إخراج قوات من هناك سواء بشكل إخلاء مصابين أو بتغيير قوات. وهذا ما دفع بمعلقين إسرائيليين إلى القول بأن للمناورة رسالة واضحة تتجاوز التدريبات العملياتية المفيدة للطرفين. والرسالة تقول بوضوح إن الولايات المتحدة باتت جزءاً من خطة الدفاع الإسرائيلية وبشكل ملموس ودائم. وكل من يتعرض لإسرائيل بضربها بالصواريخ، إنما يضرب جنودا أميركيين مقيمين فيها. وعلى كل من يريد مهاجمة إسرائيل أن يأخذ بالحسبان أن القوات الأميركية ستحضر للمشاركة.
صحيح أن التدريبات تهدف، كما قيل، إلى خلق اللغة المشتركة بين القوات والقيادات والمنظومات. ولكن الإطلالة على سيناريوهات المناورة تبين تفاصيل أخرى مهمة. ولكن هذه الإطلالة شبه معدومة. وقد أعلن الأميرال الأميركي جون ريتشاردسون وقائد الدفاع الجوي الإسرائيلي الجنرال دورون غبيش في المؤتمر الصحافي يوم أمس في تل أبيب أنه لا يمكن شرح تفاصيل سيناريوهات المناورة. وقال ريتشاردسون صراحة إنه «ليس من المناسب تبيان تفاصيل السيناريوهات».
غير أن المراسل العسكري للقناة الثانية روني دانييل أوضح أن أساس السيناريوهات للمناورة يستند إلى أنه في مقابل تراكم الصواريخ في كل من إيران وسوريا ولبنان وغزة، تزداد المخاطر على الجبهة المدنية. ويسمح هذا السيناريو بالافتراض أنه في أي مواجهة مقبلة على أي من هذه الجبهات أو جميعها بشكل متزامن، ستحدث إصابات في صفوف المدنيين أكثر بكثير من تلك التي ستقع في صفوف القوات المحاربة على الجبهات.
ولذلك هناك حاجة، وفق السيناريوهات، للعمل في مجالين: تحصين الجبهة الداخلية وتكييف نظرية القتال. وأشار إلى أن هذا السيناريو يدفع الجيش للاعتقاد بأنه لن تتوافر لإسرائيل من الآن فصاعدا فرصة الحرب لثلاثة أسابيع وأكثر كما حدث في حربي لبنان وغزة. فمع مرور كل يوم ستزداد الإصابات في صفوف المدنيين مما يدفع الجيش الإسرائيلي إلى وجوب البحث عن سبل لإنهاء الحرب في وقت أقصر وعبر استخدام المزيد من القوة النارية.
وبحسب ما نشر حول المناورة فإنها مكونة من مراحل عديدة. في المرحلة الأولى سيتم التدرب على نشر بطاريات دفاع جوي في أنحاء إسرائيل. وستخصص المرحلة الثانية لمناورات في المقرات القيادية وخصوصا حول التنسيق بين الجيشين. وفي المرحلة الأخيرة ستطلق صواريخ باتريوت ضد أهداف تمثل صواريخ بعيدة المدى تطلق نحو إسرائيل. ويقولون في الجيش الإسرائيـــلي إن الأسابيع الثلاثة المقبلة ستشــهد فرصة جيدة لتبادل الخبرات ودمج المنظومات مــع الجيـــش الأميركي.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...