كيف اكتشف «حزب الله» الأجهزة المدفونة
لم يُطوَ ملف الخرق الإسرائيلي الجديد بين حولا وميس الجبل، في منطقة القطاع الأوسط، في الجنوب اللبناني، لا سياسيا ولا تقنيا، بدليل استمرار السجال السياسي بين «حزب الله» من جهة و«اليونيفيل» من جهة ثانية، على خلفية إقدام الأخيرة على «تبرئة» الإسرائيليين قبل انتهاء التحقيق الدولي ـ اللبناني المشترك، وهو سجال حظي باهتمام سياسي ودبلوماسي، بلغ حد الاستفسار حول حدوده وسبب إقدام «حزب الله» على إصدار «بيان الفجر» الذي جاء مدروسا ويحمل في طياته مضامين كثيرة، معظمها كان موجها للإسرائيليين.
وإذا كان يسجل للجيش اللبناني أنه لعب الدور الأساس، في محاولة استيعاب «الدعسة الناقصة» التي قامت بها «اليونيفيل» والتي بررتها قيادتها بأنها «لم تكن متعمدة ومقصودة» بل جاءت في «خانة التحليل والاستنتاج» (تم استخدام عبارة «... يبدو أن»)، وبالتالي «لا يجوز تكبيرها سياسيا»، فإن الأمر الآخر، الذي يسجل للجيش اللبناني، أنه للمرة الأولى منذ «حرب تموز» يستخدم دفاعاته الجوية في منطقة جنوب نهر الليطاني، ضد الطيران المعادي، فضلا عن أنه أصر على تولي مسؤولية ملاحقة الخرق الإسرائيلي، طالبا من «اليونيفيل» أن تواكبه، وليس العكس، حرصا على عدم تكريــس أعراف جديدة مخالفة لروحية ونصوص «قواعد الاشتــباك» في منطقة جنوب الليطاني.
ومنذ اللحظة الأولى، لتبلغ قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي بحصول الخرق الإسرائيلي والإقدام على تفجير أول جهاز إسرائيلي، عن بعد، مساء يوم السبت الفائت، طلب من العسكريين المنتشرين في المواقع الأمامية في الجنوب أن يظلوا في حالة جهوزية ويقظة تحسبا لما يضمره العدو الإسرائيلي من نيات مبيتة ضد لبنان. وقال قهوجي لكبار الضباط إن بعض الحوادث الأخيرة، تبين وجود نيات عدوانية لدى الجانب الإسرائيلي، مشددا في الوقت نفسه، على أهمية أن يلعب الجيش دوره كاملا في الحفاظ على أمن المواطنين في منطقة جنوب الليطاني.
وفي انتظار ما ستعلنه قيادة «اليونيفيل» في الساعات المقبلة، سواء بشكل مستقل، أو كمحصلة التحقيق اللبناني ـ الدولي المشترك، في الاعتداء الإسرائيلي الجديد ضد لبنان في منطقة وادي حولا ـ ميس الجبل، علم أن قيادة «اليونيفيل» ستدعو قريبا إلى اجتماع ثلاثي في الناقورة، من أجل مناقشة الحوادث والتطورات الأخيرة.
في هذه الأثناء، طرحت روايتا الجيش اللبناني والمقاومة لما جرى أسئلة عديدة، أبرزها الآتي:
أولا، كيف تمكنت المقاومة من كشف الجهازين الإسرائيليين، هل بواسطة معطيات تكنولوجية متطورة أم بواسطة وسائل بدائية، خاصة أن الجهازين كانا مدفونين تحت الأرض وليسا ظاهرين إلى العلن؟ ولماذا قررت المقاومة عدم الاقتراب منهما وكيف علمت بأمر تفخيخهما، ولماذا طلبت من الجيش اللبناني وضع اليد عليهما، علما بأنها تملك من التقنيات ما يجعلها تفككهما ولا تثير انتباه الإسرائيلي؟
ثانيا، لماذا وضعت المقاومة ما قامت به في خانة «الانجاز النوعي»، ولماذا قررت أن تؤكد من خلال ذلك حضورها وجهوزيتها و«اجهزتها المعنية»، وهل للأمر صلة بأمور أخرى لم تكشف عنها المقاومة، بمعنى أنها وضعت يدها على أجهزة أخرى غير تلك التي تم تفجيرها من الاسرائيليين؟
ثالثا، لماذا تعمدت المقاومة أن تحدد طبيعة الخرق الاسرائيلي، عبر القول بأنه تم اكتشاف جهاز تجسسي «وضعه العدو الاسرائيلي على خط سلكي بين بلدتي حولا وميس الجبل»، بمعنى آخر، لماذا أعلنت المقاومة أن الاسرائيليين تمكنوا بشكل أو بآخر من الوصول الى شبكتها السلكية الخاصة بها، وهل كان المقصود بالتشديد على أن الخرق الاسرائيلي حصل بعيد «حرب تموز 2006»، توجيه رسالة مزدوجة الى الإسرائيليين و«اليونيفيل» بأن هذه الشبكة واحدة من الشبكات التي مددتها المقاومة بعد الحرب مباشرة، وبالتالي، فان حدود ما قام به الاسرائيليون بات مكشوفا، خاصة أن المقاومة تتخذ اجراءات خاصة ودورية تتعلق بشبكتها فضلا عن معطيات تقنية تجعل الشبكة في المنطقة الحدودية متصلة ومنفصلة في آن معا عن بقية شبكة اتصالاتها؟
رابعا، ليست هذه المرة الأولى التي تكشف فيها المقاومة أجهزة اسرائيلية، فقد حصلت حوادث عدة خاصة خلال الفترة الممتدة من آب 2006 حتى الآن، وبينها حوادث حصلت في الشهور الأخيرة، سواء عبر أجسام تم رميها في وديان وأماكن حساسة جدا عبر المناطيد الحرارية أو من خلال زرع كاميرات في نقاط وتلال استراتيجية.
وبدا واضحا وجود توجه اسرائيلي، بأساليب متعددة، نحو الوصول بأي ثمن الى شبكة اتصالات «حزب الله»، فضلا عن محاولة وضع عيون ثابتة لرصد حركة المقاومين، من دون اغفال معطى حركة الطيران الحربي الإسرائيلي اليومي، لا بل على مدار أربع وعشرين ساعة في الأجواء الجنوبية واللبنانية لرصد حركة المقاومة وتصويرها لحظة بلحظة.
خامسا، لماذا ربطت المقاومة في بيانها، بين «الفشل الجديد للعدو الاسرائيلي» و«فشله في حماية جواسيسه على الأرض الذين تم كشف عدد كبير من شبكاتهم في الأشهر القليلة الماضية»؟ هل كان المقصود الإيحاء بأن هناك معلومات ما تملكها المقاومة حول كيفية قيام الإسرائيليين بزرع تلك الأجهزة، سواء من خلال دور ما لعملائهم داخل المنطقة الجنوبية، أو القول إن الإسرائيليين، بعد أن فشلوا في زرع الشبكات، قرروا التعويض عن «النقص المعلوماتي البشري» بزرع تقنيات ثابتة تؤمن المعلومات، وفي حال كشفها يتم تفجيرها عن بعد لمنع وصولها الى يد المقاومة أو الجيش اللبناني؟
سادسا، اذا كانت الحوادث من خربة سلم الى حولا مرورا بطيرفلسيه، منفصلة عن بعضها البعض، فلماذا كان دور «اليونيفيل» فيها كلها، ملتبسا، بين «الاستفزاز» في الأولى، و«الاندفاع» في الدفاع عن الاسرائيلي في الأخيرة، لا بل محاولة وضع اليــد على الأجـهزة قبل وصول الجيش اللبناني، عوضا عن تعمد «الالتباس» في ما يخص حادثة طيرفلسيه؟
سابعا، هل انتقلت المعركة التجسسية بين المقاومة واسرائيل من مرحلة تجنيد العملاء الى زرع المعدات والتقنيات المتطورة بعد انكشاف الأولى، وهل أرادت المقاومة من خلال بيانها الأول من نوعه منذ سنوات، أن توجه رسالة ما الى العدو الاسرائيلي، من نوع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس وصولا الى اعتماد مبدأ «المعاملة بالمثل»؟
ثامنا، كيف ستتصرف قيادة «اليونيفيل» المقبلة، في ظل الحرب التجسسية والباردة المفتوحة بين المقاومة والاسرائيليين، في منطقة جنوب الليطاني ونحن على عتبة تغيير القائد الحالي واستبداله بضابط اسباني، على الأرجح، علما بأن قيادتي الجيش والمقاومة لطالما سجلتا تقديرهما العالي لأداء وتعاطي القائد الايطالي لـ «القبعات الزرق» الجنرال كلاوديو غراتسيانو؟
يذكر أن فرقا هندسية وفنية إسرائيلية، تؤازرها رافعة، عملت أمس، على تثبيت عمود رصد حديدي إلى جانب القديم المجهز بكاميرات المراقبة وأجهزة الإنذار ذات التقنية المتطورة، بعد 24 ساعة على اكتشاف أجهزة التجسس الإسرائيلية قرب حولا، وذلك على تلة مسكاف عام المشرفة تماماً على بلدتي العديسة وكفركلا، وعلى جزء كبير من الأراضي اللبنانية في المنطقة الحدودية حتى الساحل الجنوبي.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد