«صبـايـا» مسلسـل «عـادي» .. جـداً
«عادي».لا نعرف إن كانت هذه الكلمة تصلح لتكون التعبير الأقل قسوة عند الحديث عن المستوى الفني والمضمون للحلقات العشر الأولى التي تابعناها من مسلسل «صبايا» للكاتبة رنا الحريري والمخرج ناجي طعمة.
عادي كان أداء الممثلات الخمس في المسلسل (نسرين طافش، جيني إسبر، كندة حنا، ديمة بياعة، ديمة الجندي).. وكان مستوى الإخراج عادياً وكان النص عادياً أيضاً، بخيوط وحلول درامية مكشوفة منذ البداية. ولا نبالغ حين نقول إن المرة الوحيدة التي كسر فيها حاجز هذا العادي كان في أداء ضيوف شرف المسلسل، أولئك الذين كانوا يظهرون في مشاهد معدودة في كل حلقة، لضرورة تتعلق بحكايتها، قبل أن يغيبوا في الحلقة ذاتها.
وعدت مقدمات المسلسل بتقديم عدة أفكار من أهمها التحرر الملتزم، وفق البيان الترويجي له، كان من شأنها أن تضعنا أمام وجبة اجتماعية ـ كوميدية خفيفة بالشكل عميقة بالمضمون، عن حياة خمس صبايا يعشن في منزل واحد ويصادفن الكثير من المفارقات في حياتهن اليومية، إلا أن المسلسل اكتفى بتقديم شخصيات درامية سطحية بلون واحد تفتقد إلى العمق والتنويع، تتوزع ما بين فتيات مراهقات ورجال غريبي الأطوار، ويبدو انه كان متوقعاً ان تكون تلك وصفة للضحك مع رشة رومانسية.
هكذا ستجتمع الفتيات الخمس في بيت واحد، لكل منهن ما يشغلها في العمل والدراسة، لكن سرعان ما تتقاطع الأمور عند نقطة واحدة هي شغلهن الشاغل اليومي: قصص مراهقة من العيار الثقيل. خلال الحلقات العشر الأولى، على الأقل، سنكون أمام خمس فتيات ساذجات في كثير من المواقف، يسيل لعابهن لرؤية فنان، يأكلن ويشربن ويشغفن بالمسلسل التركي ويعشن علاقات حب سريعة لا نعرف في الغالب كيف تبدأ ولكنها تنتهي دائماً بالأسلوب ذاته: حبيب لا يُطاق يترك مرمياً على طاولة في أحد المطاعم لتلوذ الحبيبة منه بشريكاتها في البيت، حيث يذوّب الضحك هناك حكاية الحب من جذورها.
لا نعرف بالضبط ما الذي كانت تريده الكاتبة رنا الحريري أصلاً حين تقدم لنا خمس صبايا سطحيات من دون أن تبدي واحدة منهن وعياً يصنع شيئاً من الاختلاف. هل كانت تبحث عن متعة الفرجة وحسب بما طرحته من حكايات في حلقات المسلسل؟ كيف يكون ذلك ونحن أمام بناء درامي لحكايات لا مفاجآت فيها وحبكاتها مكشوفة؟ هل كنا ـ مثلاً ـ نحتاج إلى ذكاء ما لاكتشاف خطأ «نور» (ديمة بياعة) حين جالت بخادمة زوجة صديق خطيبها في السوق في إحدى الحلقات، وهل من مفارقة غريبة أن تستطرد «ديمة» وصديقتها في معهد السكرتارية بالحديث عن صديقة هذه الأخيرة ونكتشف في النهاية أنها قطة، وهل انتظرنا طويلا لنكتشف أن «رعد» صديق الفنان باسم ياخور هو مجرد كلب؟ هل أضحكتنا مفارقة اسم الكلب مع شكله؟ ألا تتقاطع الحكايات السابقة جميعها مع مواقف مشابهة بالشكل العام، على الأقل، في النكات والطرائف التي نتدوالها في ما بيننا وربما في مواقف درامية عديدة تحفل بها أعمالنا الدرامية السابقة؟ أي من قصص الحب الكثيرة التي خاضتها الفتيات بدت مقنعة؟ هل كان ذلك كله بهدف أن نضحك؟ الغريب أننا تابعنا للكاتبة رنا الحريري من قبل لوحات كوميدية في جزأي مسلسل «بقعة ضوء» الأخيرين كان فيهما ما يبشر بكاتبة نصوص كوميدية مهمة. فهل وقعت الحريري في مطب النصوص الطويلة أم أنها أسيرة مطب الإخراج بتصرف الذي بات سمة من سمات الصناعة الدرامية خلال السنوات الأخيرة؟.
أما أداء الممثلات، فبدا في خطوط بيانية مضطرباً لكل منهن، ربما كان أداء الفنانة ديمة بياعة «نور» الأكثر استقراراً وفي وقت جاء أداء ديمة الجندي مقنعاً لجهة تقديم شخصية ابنة الضيعة الساذجة الطيبة المتروكة أمام عالم مغاير لعالمها. أما الفنانة كندة حنا «سميحة» فقد بدت في الدور الأقل حضوراً لها من بين قائمة المسلسلات الكثيرة التي تطل من خلالها هذا الموسم الرمضاني، رغم كبر مساحته ولا نعرف إن كانت الفنانة حنا اليوم قد عقدت مقارنة بين مساحة حضورها الخفيف على القلب في مسلسل «رياح الخماسين» العام الماضي وبين شكل حضورها في «صبايا». في الإطار نفسه، ربما كان أداء جارة الصبايا الحشور هزار «نبال الجزائري» هو الأكثر إخلاصاً لطبيعة النص والأكثر ضبطاًُ لأداء الممثل فيه. وحده أداء ضيوف الشرف في المسلسل بدا ممتعا وجذابا كما كانت الحال في أداء النجم باسم ياخور في حلقة لا تنسى مع كلبه «رعد»، وأداء الفنان فادي صبيح للشاب المثلي، وشخصية سائق التاكسي ـ مساعد المهندس الفنان جمال العلي، وعفوية حضور الفنان قصي خولي بشخصيته الحقيقية في المسلسل. كان من الممكن بالمجمل أن نتفهم طبيعة النص الخفيفة والحكايات التي يبث ما بين سطورها رسائل تتناغم مع الحديث عن أفكار التحرر الملتزم وسواها التي سمعناها عن العمل. لكن يبدو ان صناع العمل قد فقدوا بوصلتهم ما بين السطور تلك، وبقي ما هو ظاهر: حكاية خفيفة لا نملك بعد سماعها إلا أن نسأل راويها بشيء من الخيبة: و«بعدين»؟
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد