حقيقتان و«لو»..عن فواز الساجر في ذكرى رحيله
كنت ولم أزل أعتقد أن أجمل ماتركه الراحل فواز الساجر هو الحب، ذلك الحب الذي ترك برحيل الساجر في ركن مهمل من قلوب كثير من طلابه ومجايليه، وما تلاهم من أجيال في الوسط الفني..
ليتفجر في ذكرى رحيله كل عام دفعة واحدة.. وكأن ذكرى الساجر ذكرى تذكير بهؤلاء بالحب الذي كان كان، أو على الأقل لايصح أن يكون المرء في حضرة ذكرى الساجر دون أن يتزمل بالحب.. وسواء كان الحب ذكرى منسية، أو حالة مؤقتة..لابد من القول إن من يحيي ذكرى الساجر يحيي الحب في قلبه.
لو قيس الأمر بالحب الذي عمل أن ينشره الساجر في المسرح أو عبر المسرح فنحن أميّون وإلا ما معنى أن تخرج ابنة الساجر رفيف، في أمسية «فواز الساجر في الذاكرة» التي أقامتها دار الفنون بتنظيم من موقع الجمل في واحد وعشرين عاماً من رحيل أبيها، لتتخلى عن الحديث عنه وعن ذكرياتها معه، لصالح الدعوة الى الحب.. رفيف أوصتنا بأن لاننسى أن نهمس في آذان من إلى جانبنا بأننا نحبه.. والبنت سر أبيها، ترى لو كان فواز الساجر هو من وقف مكان رفيف في تلك الأمسية هل كان سيجد وصية أعظم من الحب ليوصينا بها..؟
الحب كان الحقيقة الأكثر وضوحاً في حياة «فواز الساجر» وكان الأكثر سطوة في اجتماع أصدقاء فواز الساجر وتلاميذه في «دار الفنون» ليحيوا ذكراه، ذلك الحب عاد ليتفتح وسط أكثر من مئتي شخص اجتمعوا في بهو دار الفنون، تحدث أمامهم عدد من أصدقاء الساجر وطلابه بشهادات شخصية بدت مشحونة بالعاطفة.
الحب بدا رصيداً لفواز الساجر في شراكته مع الراحل سعد الله ونوس... سعى هذا الأخير ليمد المسرح بالحرية بينما كان الساجر يمده بالحب.. فكانت ثنائية الحرية والحب، سمة مسرح (الساجر ـ ونوس)، وحين أسس الاثنان المسرح التجريبي، كانا يريدان من المسرح الوليد، ما أكده الساجر ذات مرة في أحد تصريحاته: «كان هاجسي الأساسي هو الوصول الى المتفرج مستفيداً من طبيعة تكوينه وخصوصيته الشرقية ، ولذلك بدأت اختبر معلوماتي وقناعاتي المسرحية، وقد اضطررت للتخلي عن الكثير من هذه القناعات بسبب بعدها عن متفرجنا رغم أكاديميتها وثبات صحتها وتلك حقيقة الساجر الثانية التي التقطها تلميذ الدكتور الساجر في الدفعة الأولى للمعهد العالي للفنون المسرحية الفنان أيمن زيدان، ووقف بعد نحو ثلاثين عاماً ليؤكد أن موت المسرح الذي اجتهد على تأسيسه الساجر رغم كل مايخرج علينا كل يوم من عروض تجريب، هو أشد وقعاً على قلبه من «الجلطة» مؤكداً: «صحيح أن رحيله كان مفجعاً، لكنه سيكون من الصعب والمفجع أكثر أن ينتمي إلى المشهد القائم».
مابين الحب الذي أوصتنا به رفيف ونعي أيمن زيدان لما آل إليه المسرح السوري اليوم، تبقى «لو» حسن م يوسف حائرة ما بين الاثنين، و«لو» حسن تلك بقيت أسيرة غصة في حلقه وهو يروي تفاصيل الساعات الأخيرة التي قضاها معه قبل أن تداهم الجلطة قلب الساجر وتودي بحياته.. دعاني لأشرب كأساً معه فاعتذرت، ألح علي بطلب أكثر من مرة فاعتذرت..غادرته لأسمع بعدها بنبأ الجلطة التي عجلت رحيله يتذكر حسن أن المشروب له تأثير المميع بالدم يتساءل أمامنا بـ «لو» ويغص بالكلام المباح بعدها..«ماذا لو شربت معه ألم أكن قد دفعت بالجلطة عن قلبه» تلك هي الجملة غص بها حسن، ولم يستطع أن يزيح ضيقها إلا بقراءة قصاصة الورق التي خلفها الساجر بين أغراضه بعد رحيله: «إن عصرنا هذا هو عصر الضيق، أكلنا ضيق، شرابنا ضيق، زيّنا ضيق، مسكننا ضيق، مرتبنا ضيق، تفكيرنا ضيق، قبرنا ضيق، مطمعنا ضيق، أفقنا ضيق، عدلنا ضيق، عالمنا ضيق، مصيرنا ضيق، موتنا ضيق، قبرنا ضيق، الضيق، الضيق ! افتحوا الأبواب والنوافذ ..سيقتلنا الضيق! افتحوا الأرض والسماء.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الكون.. سيقتلنا الضيق! الضيق..الضيق.
تضيق الـ «لو» في حنجرة حسن، تنفجر دمعة في عينيه، وينفجر السؤال في قلوبنا: إن كان حسن فعلها فهل كان لقلب الساجر الذي يفيض بالحب أن يحتمل ما آل إليه المسرح السوري اليوم كما تكلم عنه أيمن زيدان..أم أنه كان سيلوذ بالحب الذي أوصتنا به رفيف، ليغفو بين بعض أحضانه متزملاً بدفئه من البرد الذي تعيشه مقاعد المسرح أو خشبته.. أما تراه كان سيشكر هذه الـ «لو».
ماهر منصور
المصدر: تشرين
إقرأ أيضاً:
دارالفنون تحتفي بالمسرحي فوازالساجر..حضور آثر رغم كل هذا الغياب!
فواز الساجر... بصمة في الهواء يتنفسها المسرحيون
في ذكرى فواز الساجر: المبدع لا يموت بصمته كبصمة الهواء في حياتنا
اول احتفال على نطاق واسع في ذكرى رحيل المخرج السوري فواز الساجر
دار الفنون تعيد الحياة لفواز الساجر
eSyria: "الساجر".... في دار الفنون بعد 21 عاماً
العرب أون لاين: أصدقاء فواز الساجر ينعون المسرح السوري في ذكراه
إضافة تعليق جديد