المدارس تعاني قلة أساتذة الاختصاص والمعلمون يعانون ضعف الأجور
في عام 2002 م صدر قانون التعليم الأساسي الذي قسم التعليم إلى حلقتين: الحلقة الأولى تضم الصف الأول إلى الصف الرابع، والحلقة الثانية تبدأ بالصف الخامس وتنتهي بالتاسع حيث يحصل الطالب على شهادة التعليم الأساسي التي أصبحت حالياً بمثابة شهادة محو الأمية الحضارية، ولهذا دأبت وزارة التربية على الاهتمام الشامل بالمتعلم الذي يعتبر محور العملية التربوية.
ومع ذلك هناك جدل كبير حول تطبيق قانون التعليم الأساسي وجدواه في دفع العملية التربوية، وتأتي الآراء متضاربة بين السالب والموجب، ومختلفة بين النظرية والتطبيق...
بشرى- أمينة مكتبة: الحلقة الثانية في التعليم الأساسي والتي تتألف من الصفين الخامس والسادس حلقة ضعيفة من عدة جوانب أهمها أن الطالب في هذين الصفين يشعر بالضياع لكثرة الأساتذة وخاصة أنه تعود في الصفوف الأولى على معلم صف واحد (باستثناء مدرسي الرياضة والرسم)، برأيي إن تطبيق هذه المنهجية في التعليم أكبر من مقدرة الطلاب على استيعابها.
فداء- معلمة حلقة ثانية: لدينا بعض الملاحظات على تطبيق القانون من خلال ما نشاهده ونلاحظه من التغيير المفاجئ الذي يطرأ على الطلاب عند انتقالهم من الصف الرابع إلى الصف الخامس وهذا ينطبق على جميع الطلاب مهما اختلف مستوى اجتهادهم، فالطالب يضيع في بداية العام الدراسي نظراً للاختلاف في الأسلوب والمنهجية التي من الصعب على طالب في هذا العمر التكيف معها بسهولة، فبعض الطلاب ينجح بالتأقلم والبعض الاخر يبقى ضائعاً تائهاً.
زينب- أمينة سر المدرسة: معلم الاختصاص الذي يكون في صفه يعطي مادته وهو يملأ كل شبر من السبورة يفاجأ عندما يرن الجرس فيغادر على عجلة صفه ليلتحق بالصف الآخر ويترك الطلاب يتابعون كتابة ما خلفه وراءه على اللوح، وعندما يدخل معلم المادة الثانية أول ما يفعله يأمر بمسح السبورة، فالطالب الذي تمكن من الكتابة افلح ومن تأخر فحظ أوفر له في الحصة القادمة.
حنان- مدرسة لغة عربية: أشعر بالعجز عن ضبط الصف، فالطلاب لا يهابوننا ولا يسمعون الكلمة دائماً أضيع أول ربع ساعة من كل حصة وأنا أحاول جاهدة جعل الطلاب يصمتون ويلتزمون بالهدء ولعل السبب في ذلك كثرة الأساتذة (فتضيع الطاسة).
أمل- مديرة مدرسة: ما أصبحنا نلاحظه مؤخراً هو كثرة التسرب من المدارس وخاصة عندما يتكرر رسوب الطالب، حيث يأتي إلينا أهل الطالب ويطالبوننا بأوراق ابنهم لأنهم يريدون نقله إلى مدرسة أخرى وتكون بحوزتهم ورقة لا مانع من نقل التلميذ إلى المدرسة التي حضر الأهل منها للتو، ويتذرعون من أجل الموافقة على النقل بعدة حجج وأسباب لا نستطيع فعل شيء حيال إصرارهم على ما عزموا عليه، وتضيف: وعندما يحصلون على أوراق ابنهم يأخذونه إلى المنزل ويسربونه من المدرسة، ونحن لا نعلم بذلك ولا حتى المدرسة التي يجب أن يلتحق الطالب بها فكل منا يعتقد أن التلميذ يداوم في المدرسة الأخرى، وقد علمنا بما يجري من أقارب أحد أولياء الأمور الذين يفعلون ذلك وما أكثرهم للأسف.
والد طالب: أخرجت ابني من المدرسة عندما رسب في الصف السابع، لماذا انتظر حتى يضيع عمر ابني كله في المدرسة وهو جالس على مقعد الدراسة يرسب ويعيد ثم ينتقل إلى الصف الذي يليه بالواسطة والتدفيش إلى أن يصل للصف التاسع ويصبح وجهاً لوجه مع الشهادة وفي حال عدم تمكنه من الحصول عليها يخرج من المدرسة دون أي شهادة ولا حتى محو أمية، وحينها سيكون بلغ من العمر سن خدمة العلم يقضي عامين ثم يسرح ليواجه الحياة خاوي اليدين لا شهادة ولا حرفة تنفعه بحياته.
نور- معلمة حلقة أولى: حقيقة نحن نساعد الطالب في الصف السادس كثيراً حتى يتمكن من الانتقال إلى الصف لسابع وخاصة إذا كان الطالب كسولاً (حتى نتخلص منه).
ويؤكد والد طالب آخر: صنعة بيد الولد أفضل ألف مرة من الشهادة التي لا تنفع شيئاً لأنها (ما بتطعمي خبز).
أم طالب: وصول الولد إلى الصف الخامس يعني عبئاً مادياً كبيراً على الأهل، لأن كل أستاذ مادة يطلب دفتراً نهارياً وآخر ليلياً، فانظري كم مادة في المنهاج وكم عدد الدفاتر الواجب شراؤها، وتضيف: هذا إن لم يكن في المدرسة سوى طالب واحد فكيف بالأسر التي لديها أكثر من طالب.
سوسن- مديرة مدرسة: المعاناة كبيرة في بداية العام الدراسي لتوفير العدد الكافي من أساتذة الاختصاص، وغالباً يمضي شهر وشهران ليتذكر المعنيون في وزارة التربية أن يزودونا بما نحتاجه من معلمين، وتضيف: في بداية العام مر شهر ونصف الشهر ولم يأت أستاذ لمادة الرياضيات فاضطررت إلى الاستعانة بأم طالب (تسكن إلى جوار المدرسة وتحمل الشهادة الثانوية- الفرع العلمي) لتعليم طلاب الحلقة الثانية الرياضيات لأنني مللت سماع كلمة دبري حالك كل ما أعدت طلب أستاذ الرياضيات.
محمد- أستاذ رياضيات: نحن أساتذة ساعات نتوزع على عدة مدارس لنتمكن من إكمال نصاب الساعات التي يجب علينا ملؤها، وغالباً نعلم في مدارس بعيدة عن بعضها الأمر الذي يزيد تكاليف وسائل المواصلات وخاصة في ظل تدني أجر الساعات الذي نتقاضاه.
ويضيف ماهر- أستاذ علوم: ليت المسألة تنتهي عند قلة أجور الساعات، ولكن ما يزيد الطين بلة هو طلب المعنيين في وزارة التربية منا عند بداية العام الدراسي أن نبحث بأنفسنا عن مدارس بحاجة إلى مدرسي مواد اختصاص.
منى- مديرة مدرسة: طلبات المدارس الكبيرة تستجاب فوراً وتزود بالعدد اللازم من أساتذة الاختصاص منذ بداية العام الدراسي، على حين أن المدارس الصغيرة تبقى على الانتظار حتى تتم معالجتها لاحقاً، وتضيف: كثيراً ما يقوم مدرس الاختصاص بإعطاء مواد أخرى ضمن المدرسة نظراً للنقص الحاصل وعدم تعاون المعنيين في وزارة التربية معنا في هذا الشأن.
وللوقوف على حقيقة الأمور وصوابيتها ، ولسماع جميع الأطراف التقينا الأستاذ خضر قاسم أمين سر التعليم الأساسي في مديرية التربية في ريف دمشق.
الكثيرون من المعلمين والأهالي يصفون قانون التعليم الأساسي بغير المجدي، ما رأيك بذلك؟
لقد دأبت وزارة التربية على الاهتمام بالمتعلم بالدرجة الأولى، ومن ثم بالمعلم والمنهاج على اعتبارها أركان العملية التربوية ومحورها، وهذا ما يجعلنا لا نستطيع الحكم على جدوى القانون وفعاليته في فترة وجيزة لأنه وجد في ظروف غير جاهزة من حيث البناء المدرسي والكوادر المتنوعة والإمكانيات المادية والوسائل التعليمية، رغم جميع الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة التربية لإنجاح هذا القانون، فالعيب ليس في القانون وإنما في طريقة تطبيقه والظروف الصعبة التي وجد فيها.
ما الظروف التي تعوق التطبيق الأمثل لهذا القرار؟
أولاً: البناء المدرسي وتوزعه.. الأمر الذي يفرض وجود أعداد كبيرة من الطلاب في الصف الواحد ما يضعف التحصيل الدراسي ويؤدي لعدم منح الطالب الوقت الكافي في الحصة الدراسية لمتابعة المعلم جيداً، وثانياً: قلة الأساتذة المختصين، وثالثاً: عدم وجود مخابر تعليمية في المدارس.. وإن وجدت فليس هناك تفعيل جيد لهذه المخابر، مع الأسف هناك أجهزة جيدة ومكلفة في بعض المدارس لم تستثمر بعد لعدم معرفة استعمالها، وأحياناً تبقى مغلقة داخل صناديقها لسنوات رغم تكاليفها الباهظة على الوزارة، كما يقترح: لا بد من دعوة لتفعيل عمل المخابر وإيجاد الكوادر المؤهلة لربط الجانب النظري بالعملي.
ما سبب معاناة أغلب المدارس من نقص أساتذة الاختصاص؟
بالفعل تعاني أغلبية المدارس من نقص الأساتذة المختصين، والسبب في ذلك أنه عندما تعلن مديرية تربية ريف دمشق «مثلاً» عن حاجتها لأساتذة من حملة الإجازات الجامعية «والتي هي بالفعل بأمس الحاجة إليهم» يتقدم المئات من جميع المحافظات السورية بطلباتها للمسابقة وحين ينجحون «وقبل أن يباشروا» يتقدمون بطلبات نقلهم إلى محافظاتهم، وتعود من جديد المدارس إلى العجز الذي كانت تعانيه.
وهناك أيضاً معاناة أساتذة الاختصاص من ضعف الأجر المادي الذي يتقاضونه عن الساعة الدراسية؟
على الرغم من قيام وزارة التربية العام الماضي بزيادة أجر مدرس الاختصاص ليصبح 80 ل.س عن كل ساعة، إلا أن الأجر قليل جداً ولا يوفر إلا البسيط من مستلزمات الحياة، وهذا ما يدفع الأستاذ إلى العمل الإضافي ولساعات طويلة، الأمر الذي ينعكس سلباً على دوره التربوي وإنتاجيته، ويضعف استيعاب الطلاب ويحتم عليهم اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
ألا تعتقد أنه من المبكر تنفيذ القرار لطلاب الصف الخامس من حيث أساتذة الاختصاص؟
العالم كله اليوم يتجه نحو الاختصاص، إضافة إلى أن المعنيين في الوزارة قد لمسوا أهمية وضرورة تطبيق القرار وخاصة في هذه الصفوف، مثلاً هناك معلمات يدرسن طلاب الصف الخامس ولا يعرفن كيفية حل مسألة رياضيات، ما مصير الطلاب وكيف سيفهمون إذا كان حال المعلم هكذا، هذه الدواعي هي التي فرضت علينا تطبيق القانون في صفوف الحلقة الثانية كي يتعود الطالب على هذه المنهجية منذ الصغر بما فيه الخير له، صحيح أنه قد يعاني في البداية لكنه سرعان ما يتأقلم.
لكن أجمع الكثيرون من المعلمين على أن هناك تشتتاً وضياعاً لطلاب الحلقة الثانية في بداية العام الدراسي حتى يتمكنوا من التأقلم الذي تتحدث عنه؟.
الطالب الشاطر والنجيب لا خوف عليه صحيح أنه سيشعر بالخلل في البداية لكن سيعود إلى اجتهاده السابق، والطالب المتوسط والعادي بقليل من الاهتمام والمتابعة من الكادر التدريسي والأهل يرتفع مستوى اجتهاده.
بعض الأهل «ولسنا بصدد توصيف كثرتهم» يتحاملون على القانون لأنه فرض عليهم أعباء مادية؟
هذا الكلام غير مقنع لأن أسعار الدفاتر العادية تتراوح بين سبع إلى عشر ليرات سورية، فلا حاجة لشراء الدفاتر غالية الثمن ثم الشكوى من الوضع المادي، ولكن العبء الحقيقي في تكاليف الدروس الخصوصية التي باتت أمراً ضرورياً على كل طالب لأن هناك تقصيراً دراسياً هائلاً وفي الأغلبية الكبيرة من مدارسنا.
ما السبب في التقصير الدراسي؟ وما الحلول برأيك؟
- عدد التلاميذ الكبير في الصف الواحد والذي يقلل من فرص استيعاب الطالب وفهمه، والحل هو بناء مدارس أكثر.
- عدم ربط الجانب النظري بالجانب العملي في أغلب المواد، والحل متابعة المخابر والمشروعات التربوية وكفاءة القائمين على المكتبة والمخبر.
- بعض الأساتذة المكلفين غير أكفاء أو غير مختصين بالمادة التي يدرسونها، إلى جانب الضعف في عطاء المدرسين لأسباب تتعلق بالضمير، أو لعدم فصل المعلم مشاغله الخارجية عن واجبه في التدريس، وهنا يجب زيادة أعداد الموجهين الاختصاصيين والمتابعة الفعالة لا الشكلية.
- عدم تفعيل دور المرشد الاجتماعي في الحلقة الأولى ودور المرشد النفسي في الحلقة الثانية رغم كثرتهم في المدارس.
- غزارة المناهج إلى جانب عدم قدرة الأهل على متابعة دراسة الطالب والسبب في ذلك تطور المعلومات.
هناك معلومات أكيدة تشكو كثرة تسرب الطلاب من المدارس في ظل تطبيق قانون التعليم الأساسي، وخاصة بعد الصف السادس؟
بالتأكيد بعد الصف السادس لأن قبل السادس لا يستطيع الأهل تسريب ابنهم لأنهم يتعرضون للملاحقة القانونية، ففي المرحلة الأولى تكتفي الشرطة بالإنذار وفي حال التكرار تصدر المحكمة قراراً بسجن والد الطالب المتسرب مدة شهر وتغريمه وإعادة التلميذ إلى مدرسته مجدداً، أما بعد الصف السادس فتكثر ظاهرة تسريب الأهل لأولادهم، ولا نستطيع فعل شيء سوى محاولة إقناعهم وترغيبهم بإرجاع ابنهم للمدرسة لأنه لا يوجد تدخل قانوني لإجبار الأهل.
صفاء اسماعيل
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد