المسيحية في إيران تاريخها وواقعها في كتاب
قضية الحضور المسيحي في الشرق لا تهم المسيحيين فحسب، بل المسلمين ايضا خصوصا اذا ارتفعنا قليلاً من الأفق العاطفي او المذهبي الضيق ورأينا الموضوع من بعده الانساني الواسع نعترف نحن كمسلمين بأن هذا الحضور يفيدنا ويساعدنا في ايماننا الاسلامي ايضاً كما الحضور الاسلامي في فلسطين للمسيحية.
تهجير المسيحيين من مناطقهم في العراق ومعاناتهم، وان لم يتفردوا بهما فتحا المجال مرة اخرى للاهتمام بدراسة هذا الموضوع المهم والاساسي بالنسبة الى كل ابناء الشرق ومنهم الايرانيون. ويمكن هذا السبب جعل "مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي" ينشر كتابا من دراسة الباحث والكاتب اللبناني سركيس ابو زيد ضمن منشوراته القيمة والتي فتحت مسارا جديداً في العلاقات الاسلامية المسيحية.
اهمية الكتاب تأتي من نقاط عدة:
النقطة الاولى موضوع الكتاب الذي بات اليوم مسألة حساسة واستراتيجية وهذا ما يتفق عليه الكثيرون من اهل الفكر والسياسة والاعتدال مسلمين كانوا ام مسيحيين، وهذا ما اشار اليه الدكتور جيروم شاهين في كتابه "المسيحيون العرب" عندما يذكر الاستنزاف الديموغرافي للمسيحيين في الشرق ويشرح اسبابه ولا بد أن نذكر من وصية الامام الشيخ مهدي شمس الدين لما قال: "انا ارى ان من مسؤولية العرب والمسلمين ان يشجعوا كل الوسائل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كامل حضورها وفاعليتها ودورها في صنع القرارات وفي تسيير حركة التاريخ وان تكون هناك شراكة كاملة في هذا الشأن بين المسلمين والمسيحيين في كل اوطانهم وفي كل مجتمعاتهم".
النقطة الثانية عدم وجود مصادر ومستندات موثقة في متناول ايدي الباحثين لأسباب مختلفة كما يقول المؤلف بادئاً بأسئلته: "من هم المسيحيون الايرانيون؟ وهل هم اليوم اقلية مضطهدة ام في وحدة متجانسة مع سائر مكونات الشعب الايراني؟ وكيف ومتى نشأت الكنيسة في ايران؟ وكيف تطورت وتوسعت؟ كما هو معروف فان المسيحية هي بنت الشرق انطلقت من فلسطين وبشر بها الرسل باتجاه الشرق والغرب من ايران في "الامبراطورية الفارسية" وانتشرت بعدها باتجاه الهند وآسيا عامة، الأمر الذي يدفعنا الى التساؤل: لماذا انتشرت وعرفت اكثر في الغرب واصبحت الدين الرسمي فيه ولم تنتشر بالقدر نفسه في الشرق الذي ولدت فيه على الرغم من تبشير الرسل في اصقاعه كافة؟ للإجابة عن الاسئلة المطروحة مجتمعة لا بد من القول اولاً بأن المسيحية تراجعت في الشرق لعدة اسباب ذاتية ولتنامي وصعود التيارات الدينية الاخرى في هذه المنطقة ولكن الاشكالية الاكثر الحاحا ان المصادر حول انتشارها في الشرق شبه نادرة ومتناقضة في احيان كثيرة".
والنقطة الثالثة ان الكاتب مسيحي تعمق في الموضوع من صلبه ولم يقصد تقديم تقرير حكومي او دعائي بل درس المسيحية في ايران بأسلوب اكاديمي وعلمي. ولو كان الكاتب مسلماً وان كانت دراسته العمق والمستوى نفسهما، وموضوعياً الى اقصى درجاتها لما كانت له هذه القيمة ابدا.
والنقطة الاخيرة ان الكتاب يحتوي على دراسة كاملة تاريخيا واجتماعيا وعقائدياً فيشمل في فصوله الخمسة وابوابه المتعددة تاريخ المسيحيين في ايران من اول ايامهم الى ظهور الاسلام مرورا بمختلف الحقبات الاسلامية وصولا الى الثورة الاسلامية وايضا مختلف الطوائف المسيحية في ايران من الارمن والاشوريين والكلدان الى الكاثوليك والانجيليين والارثوذكس والبروتستانت واعدادهم ونشاطاتهم وظروفهم الحالية وايضا الانظمة والقوانين التي ترعى شؤون المسيحيين في ايران.
يحتوي الكتاب ايضا على ملحقات مفيدة مثل الصور الملونة من حضور المسيحيين في ايران وبعض كنائسهم وجرائدهم. وايضا ينفرد الكتاب بايراد مقررات تنشر لأول مرة باللغة العربية للأحوال الشخصية للأرمن الغريغوريين.
صدر الكتاب في طبعته الاولى في بيروت 2008 وفي 304 صفحات باخراج فني وطباعة لائقة. ولعل هذا من بواكير ازدهار الحوار المسيحي الاسلامي مع ايران والذي تنبأ به الدكتور محمد السماك في مقال تجدد نشره ضمن كتابه بين مجموعة المكتبة البولسية عندما قال: "اننا نتلقف بارتياح المبادرة الحوارية الايرانية... ان رنين جرس الكنيسة في دولة اسلامية له معنى وله صدى روحي اشد تأثيراً في النفس... وفي عالم تتلاشى فيه المسافات وتقتحم المعرفة كل الحواجز والعوائق فان وحدة اي مجتمع تتأثر سلباً او ايجاباً بما تعانيه او بما تنعم به المجتمعات الاخرى. وهكذا هي حالنا نحن وايران نتعلم من تجربتهم ونأمل ان تضيء تجربتنا بعض زوايا مسيرتهم الحوارية".
محمد رضا زائري
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد