الاحتلال يتهرّب من التهدئة.. والمصالحة الفلسطينية مؤجلة
بعد عاصفة من الخلافات المحتدمة بين أعضائه، أقر المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، يوم أمس، اقتراح رئيس الحكومة إيهود أولمرت بعدم التفاوض حول التهدئة أو فتح المعابر إلا بعد الإفراج عن الجندي الأسير لدى حماس جلعاد شاليت. وأثار هذا القرار مخاوف المؤسسة العسكرية من أن مساعي الإفراج عن شاليت دخلت إلى طريق مسدود وأن الحكومة غير ناضجة بما فيه الكفاية لدفع الثمن المطلوب. وانعكس التعنت الإسرائيلي حول التهدئة سلباً على جدول الأعمال المصري للتهدئة، حيث أعلنت القاهرة تأجيل مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني، الذي كان متوقعاً الأحد المقبل، «لفترة وجيزة»، ما قد يعني أيضاً تأجيل المؤتمر الدولي لإعادة إعمار قطاع غزة المقرر عقده في الثاني من آذار
المقبل. وقد جرت النقاشات في المجلس الوزاري المصغر على خلفية الهجوم الحاد الذي شنه رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد على أولمرت. وبدا أن قسماً كبيراً من النقاش تم على خلفية شخصية تجاوز جوانب الخلاف حول الموضوع ليتحول إلى تصفية حساب لوقت طويل. ومثّل القرار حجم التغيير الذي طرأ على موازين القوى في مكانة الأطراف، وخصوصا مكانة إيهود باراك بعد الانتخابات.
ونص القرار على أن «المجلس الوزاري المصغر قرر أن يضع على رأس أولويات إسرائيل الإفراج عن جلعاد شاليت. وستواصل إسرائيل بذل كل جهد من أجل الإفراج عنه، وهو ما ينطوي على إطلاق سراح فلسطينيين». وجاء في القرار أن قائمة المعتقلين الفلسطينيين ستعد في أقرب وقت من جانب الجهات المختصة.
وقرر البند الثاني أن إسرائيل لن تدير مفاوضات مع حماس أو مع أي تنظيم إرهابي آخر للتوصل إلى تفاهمات أو ترتيب لوقف النار.
أما البند الثالث فشدد على تقدير إسرائيل لمساعي مصر لتثبيت وقف النار الذي أعقب عملية «الرصاص المسكوب» واستعدادها للتوسط لإعادة شاليت. وسوف يتواصل التنسيق مع مصر في هذه القضايا.
ويقرر البند الرابع أن إسرائيل ستواصل الجهد الإنساني سوية مع السلطة الفلسطينية والجهات الدولية لتوفير الاحتياجات الفورية والأساسية للسكان الفلسطينيين في غزة وللسماح بتفعيل جزئي فقط للمعابر الحدودية.
ويشير البند الخامس إلى أن توسيع نشاط المعابر يبحث عند الإفراج عن شاليت. كما أن البند السادس يقول إن معبر رفح يفتح فقط بالتنسيق مع مصر والسلطة الفلسطينية وفق اتفاقية العام .2005 ويهدد البند السابع بأن إسرائيل سترد بشدة, بسرعة وبشكل متواصل على استمرار العمليات الإرهابية ضدها من قطاع غزة، وخصوصا إطلاق الصواريخ وتهريب الأسلحة. وإسرائيل ترى في حماس العنوان الوحيد لكل ما يجري في غزة وستجبي منها ثمناً لاستمرار العمليات الإرهابية، وخصوصا التهريب. وينتهي القرار بتوجيه رئيس الحكومة وأجهزة الأمن بإصدار التعليمات للجيش بالرد وفقاً لذلك.
واعتبر معلقون إسرائيليون أن المجلس الوزاري تهرّب فعلياً من قضية شاليت. ولاحظ بعضهم أن ذلك يعود لأسباب عديدة بينها أن أولمرت يرفض دفع الثمن الذي تطلبه حماس وهو 450 أسيراً ضمن قائمة محددة, وأن هناك مفاوضات بطيئة جدا تجري على مسار آخر غير المصري, كما أن قادة الأجهزة الأمنية يشددون في تقاريرهم على لهفة حماس لفتح المعابر.
وهناك من يشير إلى أن أولمرت بصدد تكليف عوفر ديكل الذهاب للقاهرة ومحاولة إتمام المفاوضات بشأن شاليت خلال أيام قليلة بعد إنجاز القائمة النهائية للأسرى الذين تقبل إسرائيل الإفراج عنهم.
وقد استهل أولمرت جلسة المجلس الوزاري بشن حملة على إيهود باراك وتفاهمات التهدئة السابقة التي أبرمها قبل حرب غزة وتلك التي كان يسعى لإبرامها عبر المصريين.
وعرض أولمرت دراسة أعدها رئيس الشاباك يوفال ديسكين تثبت أن عرض التهدئة الحالي لا يختلف عن عرض التهدئة السابق للحرب. ولهذا تساءل: هل ذهبنا للحرب من أجل ألا نحقق شيئا؟ وقال أولمرت إنه وفق الترتيب الذي أبرمه عاموس جلعاد قبل انتهاء الحرب وافق المصريون على إغلاق المعابر. فما الذي تغير الآن؟
رد باراك بأنه محظور على إسرائيل المساس بالمصريين, لأنهم العنوان الوحيد لإنجاز أي نوع من التسوية غير المباشرة مع حماس. وشدد على أن لمصر تكتيكاتها التفاوضية. حينها شن حاييم رامون حملته على باراك: ما هذا الهراء؟ لأن المجلس الوزاري عاجز عن اتخاذ قرار بالقضاء على حماس فإن من واجبه على الأقل تجنب إبرام أي اتفاق مع هذه المنظمة, وإذا كنتم تريدون إبرام اتفاق فعلى الأقل أعيدوا شاليت.
قال باراك إذا كنتم تريدون إعادة شاليت فعليكم البدء بمناقشة الثمن. وهنا تدخل بنيامين بن أليعزر وقال «خمس ساعات ونحن نتحدث هنا. لماذا لا نبحث في قائمة الأسرى؟».
وبعد الاجتماع الوزاري استدعى أولمرت عاموس جلعاد ووبّخه بشدة على أقواله لصحيفة «معاريف». وقال أولمرت لجلعاد: إن ما كتب في الصحيفة فعل وقاحة وفظاظة وانتهاك لقواعد السلوك التي تحكم موظف دولة في تعامله مع رئيس حكومة. وهذا سلوك غير محتمل في أي نظام محترم.
رد جلعاد: لقد شعرت بالإهانة من الأقوال التي قيلت بحقي. لقد عملت تحت إمرة حكومات مختلفة ولم يسبق أن تعرضت لاتهامات كهذه أبدا.
قال أولمرت: أنت تعرف تعاملي معك, لقد ساندتك على الدوام. ليس ثمة مبرر البتة لهجوم موظف دولة على رئيس حكومة حتى لو اعتقد الموظف أنه مظلوم.
رد جلعاد: أنت تعلم أنني كنت أطلعك على كل التفاصيل وبشفافية كبيرة.
وفي كل الأحوال فإن موقف جلعاد ينسجم مع موقف المؤسسة العسكرية التي شعر الكثير من قادتها بالخيبة جراء القرار الأخير. فقد كان هناك إحساس بأن الوقت حان للإفراج عن شاليت وأن أولمرت سيستغل الوضع الراهن لإتمام هذه الصفقة. واعتبر العسكريون أن قرار المجلس المصغر هو تراجع عن الالتزام بالإفراج عن شاليت قبل نهاية ولاية الحكومة الحالية. وهذا يعني احتمال بقاء شاليت في الأسر لأمد غير معلوم، وهو ما يعيد للأذهان المخاوف بتكرار ظاهرة رون أراد.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد