عصابات ملثمة تهاجم سيارات سورية في بحمدون
ربما من مفارقات هذا الزمن، أن يتنطح للمزايدات في كل حين، قطاع الطرق وسكان الزواريب الضيقة وأرباب الدكاكين و«الدراخيش» الطائفية، وربما من هم أصغر من ذلك بكثير.. لكن من حسنات هذا الزمن أيضاً أنه بات يفرز كل شيء واضحاً على عيون الملأ وأجهزة الإعلام.
فالتشدق بالعفاف لم يعد عملة رائجة تحمي من صفات نحن أبعد عن ذكرها هنا، حتى ولو كانت تلك المزايدات من جانب التضليل والتدليس والضحك على ذقون الناس.. هكذا وبكل بساطة تتعرض السيارات السورية العامة والعابرة على طريق بيروت بالقرب من منطقة بحمدون واعتباراً من يوم السبت الماضي، لاعتداءات آثمة يرتكبها ملثمون اختاروا ألا تظهر وجوههم لأن هناك ما يندى له الجبين بكل تأكيد.. هراوات وحجارة وإطلاق رصاص يلاحق الركاب العابرين إلى أهلهم وأقاربهم في دمشق أو بيروت.
فمنذ السبت الماضي، تعرضت السيارات السورية على الطريق العام بين بيروت ودمشق وتحديداً في منطقة بحمدون، إلى إطلاق الرصاص والهجوم من قبل عصابات ملثمة ومسلحة وانهالت على السيارات بالتكسير وعلى الركاب بالضرب والشتائم والملاحقة بإطلاق الرصاص، ليخلف الأمر، حتى الآن، بعض الجرحى والكثير من الخسائر المادية في المركبات العامة التي لم يعلم أحد الذنب الذي اقترفته، اللهم سوى أنها تنقل الأهالي والأحبة بين طرفي الحدود التي يحاول بعضهم تحويلها إلى ضفتين متباعدتين متناسين حقيقة الجغرافيا والتاريخ التي تجمع الشعبين.
المفارقة، أن العديد من السيارات السورية العابرة التي تعرضت للهجوم، كانت تقلّ لبنانيين جاؤوا لزيارة أهلهم وإخوتهم في سورية، وربما في ذلك إشارة إلى أن محاولات النيل من الهوية بهذا الشكل الدنيء لا يمكن أن تؤثر على الانتماء ومجريات الأمور الطبيعية بين البلدين والشعبين، فالرياح لا شك تأخذ مسارها الطبيعي رغم كل ما يحاوله بعض المتضررين من عوامل التقارب والانحياز القدري إلى مسلمات الانتماء والهوية على حد سواء.
التقينا بعض السائقين الذين تعرضوا للاعتداء، ممن أمضوا عمرهم يعملون على ذلك الطريق دون أن يتعرض لهم أحد، وهم يؤكدون أن الأشخاص والجهة التي تقف وراء كل ذلك معروفة الاسم والعنوان والدوافع أيضاً، خصوصاً أن الكلمات وسيل الشتائم التي تفوهوا بها تدل عليهم تماماً، وهي مختصة بأصحاب «البسطات» السياسية وبيع التنظيرات مثل تسويق «الجرابات» في الكراجات..!
يقول السائق محمد «م» أحد الذين تعرضت سياراتهم للاعتداء:
كنت أقود على الطريق العام باتجاه دمشق بشكل طبيعي، وعندما وصلت إلى منطقة بحمدون، قام عشرات الأشخاص بمهاجمة السيارة بالعصي والحجارة وإطلاق الرصاص وأصابوا الأبواب والنوافذ لكن الحمد لله لم يصب أحد من الركاب الذين أقلهم، لكن ما إن توقفت بعد مسافة قصيرة كي أتفقد الأضرار، حتى هاجمونا ثانية وانهالوا على السيارة بالهراوات فهربت بأعجوبة لكن السيارة تحطمت واخترقها الرصاص من عدة جوانب.. لقد كان الجميع مسلحين في وضح النهار وتلك كانت ظاهرة غريبة بالفعل، وعلى كل حال فالأشخاص الذين هاجمونا معروفون تماماً في تلك المنطقة ومعروفة أيضاً انتماءاتهم السياسية وإلى أي جهة يتبعون!.
السائق عدنان «ب» تحدث بمرارة وأسف عن انعدام الأمن على الطريق العام بفعل ممارسة تلك العصابات، فما جرى معه يشبه ما تعرض إليه زملاؤه الذين يعملون على الخط، إطلاق نار وتكسير نوافذ واعتداء على حرمات الناس وأعراضهم من قبل عصابات تسرح وتمرح في منطقة بحمدون دون أن تتدخل الجهات المعنية لوضع حد لتلك الممارسات رغم الشكاوى الكثيرة إلى أقسام الشرطة هناك!.
الشهادات ذاتها، كررها العديد من السائقين الذين تعرضوا للاعتداء الذي يعتقد مرتكبوه أنهم يصنعون إنجازاً بالاعتداء على الناس المدنيين العابرين على الطريق العام، والسؤال الأبرز هنا: كيف يمكن لعشرات الأشخاص أن يفعلوا ذلك على الملأ وهم يحملون الأسلحة النارية ويطلقون النار في وضح النهار وكأن شيئاً لم يكن؟
مصدر سياسي لبناني قال:
ما حصل هو من ضمن الحوادث المدانة التي لا تعبر عن طبيعة الشعب اللبناني ولا عن تطلعاته لإقامة أفضل العلاقات الأخوية مع سورية..
وأضاف: مثل هذه الأعمال المدانة المرفوضة توجب على السلطات اللبنانية المختصة القيام بملاحقة الفاعلين ووضع حد لمثل هذه الممارسات التي تكررت أكثر من مرة، كما أنه لا بد من أن يصار إلى خلق أجواء تبعد شبح الفتنة الداخلية في لبنان.
وأشار المصدر إلى أن حادثة الأمس في بحمدون استهدفت أيضاً سيارات لبنانية اعتقدها الموتورون تابعة للمعارضة، مؤكداً في الوقت نفسه أن السياسيين اللبنانيين يحاولون الآن تهدئة الأجواء وعدم إعطاء أي فرصة للموتورين لتأزيم الشارع اللبناني.
قصة السيارات السورية العابرة التي تتعرض للاعتداء، سبق أن تكررت في عدة أماكن دون أن تتمكن السلطات اللبنانية المختصة هناك من وضع حد لها، وقد وردتنا شكوى من أهل سائق أحد البرادات حيث تعرض للاختطاف والضرب والرمي في العراء وهو موثوق القدمين واليدين، وقد بقي ليلة كاملة يزحف حتى تمكن من الوصول إلى أحد المنازل ومن ثم الاتصال بالشرطة التي عثرت على البراد لكنها رفضت أن تعطيه ضبطاً بسرقة أوراق السيارة كي يتمكن من العودة إلى سورية، وهو محاصر منذ قرابة شهر هناك بانتظار أن يفرجها الله!.
في كل الأحوال، فإن السائقين والركاب الذين تعرضوا لسلسلة الاعتداءات تلك، جميعهم يؤكدون أن الجهة التي تقوم بهذه الأعمال معروفة ومكشوفة الجهة التي تقف وراءها أيضاً، وقد أشاروا إليها بإصبع الاتهام مباشرة دون أي تردد تبعاً لمعرفتهم الطويلة بالمناطق على طول الخط قرب الطريق العام بين دمشق وبيروت، وفي هذا الإطار فإن الجميع استغربوا عدم المعالجة السريعة والفعالة من قبل أجهزة الأمن اللبنانية لأن الاعتداء أكبر من أن يجري بهذا الشكل على عيون الملأ دون أن يتحرك أحد على الإطلاق!.
قصة الاعتداءات المتكررة على السيارات السورية على طريق عام دمشق ـ بيروت، وقرب بحمدون تحديداً، تؤكد أن للأزمنة الردئية تجارها الذين لا يمكن أن يراهنوا إلا على الاصطياد في الماء العكر، لكن ذلك كله لن يكفيهم كي يحاضروا «بالعفاف» دون أدنى شك.
زيد قطريب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد