إسـبانيا «تحاكـم» إسـرائيل بجـرائـم ضــد الإنسـانيـة
قادت »الرجفة الطفيفة في جناح الطائرة« التي نجمت عن سقوط قذيفة بوزن طن وأودت بحياة ١٥ مدنيا فلسطينيا أغلبهم من الأطفال إلى تقديم سبعة من قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين للمحاكمة في اسبانيا بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية. وقد فاجأ قرار المحكمة العليا الإسبانية المستوى السياسي في إسرائيل، الذي كان يستعد لخوض معركته الكبرى ضد اتهامه باقتراف جرائم حرب في الحرب الوحشية الأخيرة على غزة. ويعد قبول المحكمة الإسبانية، باسم مبدأ العدالة الكونية، محاكمة قادة إسرائيل انتصارا معنويا هائلا لمنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية.
وكان رئيس الأركان الإسرائيلي السابق دان حلوتس قائدا لسلاح الجو عندما ألقيت قنبلة بوزن طن على حي سكني مكتظ في حي الزيتون في غزة في العام ٢٠٠٢ لاغتيال القائد العسكري لحماس الشهيد صلاح شحادة. وفي استخفاف بأرواح البشر، إن كانوا فلسطينيين، قال في مقابلة صحافية عن إحساسه كطيار عند إلقاء قنبلة بوزن طن على حي سكني ومقتل أبرياء، إنه لا يزيد عن إحساس بـ»رجفة طفيفة« في جناح الطائرة جراء »انفلات« قنبلة هائلة و»بعد ثانية واحدة يزول هذا الإحساس«. وعلم أن حلوتس قال للطيارين الإسرائيليين الذين نفذوا عملية الاغتيال إن بوسعهم »النوم جيدا في الليل. لقد قمتم بعمل ممتاز«. وقد وسم هذا الاستخفاف القيادة الإسرائيلية بأسرها والتي استهانت بالمطالبات الإسبانية المتكررة لتقديم توضيحات بشأن استهداف المدنيين في تلك الغارة.
وثمة بين القادة الإسرائيليين من يضرب أخماسا بأسداس الآن بعد أن تبين أن القرار صدر عن المحكمة العليا الإسبانية، ما يجعل ايا من القادة الإسرائيليين السبعة المذكورين فيه عرضة للاعتقال إذا وطأوا أي أرض أوروبية. وذكر هذا القرار العالم بالقرار الذي كانت مدريد قد اتخذته في حينه بحق الدكتاتور التشيلي بينوشيه ومطالبتها لبريطانيا بتسليمه. غير أن أهمية القرار بالنسبة لإسرائيل في أنه يشكل فاتحة لحملة مطاردة دولية واسعة للعديد من القادة الإسرائيليين، العسكريين والسياسيين، الذين شاركوا في اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كالحصار في غزة والتعذيب في السجون والقتل من دون محاكمة وما شابه.
وقد صدر القرار الإسباني من جانب القاضي القومي فرناندو أندرو باسم »مبدأ العدالة الكونية الذي تأخذ به اسبانيا في كل ما يتعلق بجرائم ضد الإنسانية وإبادة شعب«. وجاء في قرار القاضي أن الهجوم الجوي الإسرائيلي ضد شحادة تم في منطقة سكنية مكتظة ما يسمح باعتبارها جريمة ضد الإنسانية. ويتعلق القرار بسبعة إسرائيليين بينهم الآن وزيران في حكومة ايهود أولمرت، وهما بنيامين بن أليعزر الذي كان حينها وزيرا للدفاع وآفي ديختر الذي كان رئيسا للشاباك. وإضافة إليهما هناك اتهام لخمسة ضباط آخرين، وهم رئيسا الأركان السابقان دان حلوتس وموشيه يعلون وقائد الجبهة الجنوبية الجنرال دورون ألموغ ورئيس مجلس الأمن القومي الجنرال غيورا آيلاند والسكرتير السابق لوزير الدفاع مايك هرتسوغ. ومن المعلوم أن مبدأ العدالة الكونية المأخوذ به في اسبانيا والعديد من الدول يشترط الصلاحية في النظر إلى القضايا إذا كانت لم تخضع لمراجعات قضائية في دولها الأصلية. وتدعي إسرائيل اليوم أن المحكمة العليا الإسرائيلية نظرت في قضية اغتيال صلاح شحادة والتدمير الذي أحدثته العملية والقتل الذي تسببت به، ولم تجد أن في ذلك ما يثير الحاجة لإجراءات جنائية ضد المنفذين.
غير أن العالمين ببواطن الأمور يعترفون بأن محاربة إسرائيل لمبدأ العدالة الكونية يرتكز أساسا على الضغط السياسي. وتل ابيب تستخدم في هذا المجال، على نطاق واسع الولايات المتحدة. وكانت إسرائيل قد استخدمت هذا الأسلوب قبل أعوام في قضية مجزرة صبرا وشاتيلا ضد رئيس الحكومة السابق أرييل شــارون في المحاكم البلجيكية.
وقد حمل وزير الدفاع إيهود باراك بشدة على القرار الإسباني، واعتبر أن الذي »يرى في اغتيال إرهابي جريمة ضد الإنسانية يعيش في عالم مقلوب«. غير أن باراك لم يكلف نفسه عناء التفكير في أن اغتيال »إرهابي« قاد إلى مقتل ١٤ شخصا من الأبرياء أغلبهم أطفال ما يشهد على أنه لا يرى في كل ما جرى إلا صورة »الإرهابي«. وأعلنت إسرائيل أنها ستبذل كل ما في وسعها من أجل إزالة خطر الدعوى القضائية الدولية.
ويبدو أن القرار الإسباني فاجأ إسرائيل قبل أن تستعد تماما للحملة القضائية الدولية ضدها بشأن الجرائم التي ارتكبتها في حرب غزة. وقبل أيام أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها تتحمل كامل المسؤولية عن تكاليف الدعاوى وحماية سياسييها وجنودها ممن شاركوا في الحرب. بل إنها شكلت طاقما وزاريا برئاسة وزير العدل دانييل فريدمان لتركيز الفعل لمواجهة هذه الدعاوى قضائيا وسياسيا.
وأشار غونزالو بوي، المحامي الذي يمثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إلى أن العدوان على غزة يمكن أن يترتب عليه مزيد من المحاكمات في إسبانيا. وأوضح »قد يكون لدينا المزيد من العمل الذي نقوم به. إسرائيل أظهرت في الأسابيع الأخيرة أنها لا تحترم حياة الإنسان إذا لم تكن حياة أشخاص (إسرائيليين)«.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد