لعبة المفردات والفضيحة الأخلاقية
لم تكد شاشات التلفزة العربية والعالمية تكف عن بث المشاهد المروعة للصور الحية للمجازر في غزة التي صورتها وكالة الأنباء الفلسطينية »رامتان«، حتى عادت هذه الصور لتعيد إنتاج نفسها مجدداً وتستعمل لتغطي ساعات البث المفتوحة التي اختارها عدد من الفضائيات العربية تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.
هكذا تتكرر الصور معلنة نفسها بقسوة، سرعان ما تأخذ مكانها في سياق استباحة الدم العربي الذي لطالما غلّفه صمت بعض الجهات الرسمية العربية، وأجهضت تصريحات السياسيين المثقلة بالتبريرات الساذجة ثورة الضمير الشعبي تجاهه.
لوهلة يعتقد المرء أن طرح أرشيف المجازر في غزة بكامل صوره الفوتوغرافية والتلفزيونية يشكل فضيحة أخلاقية، أسقطت في يد السياسيين العرب، إلا أن تتالي التصريحات السياسية للمسؤولين المصريين وآخرين في السلطة الفلسطينية استمرت في تضليل المشاهد العربي لإقناعه بإدانة المقاومة، كما لو أن مشاهد الموت العبثي في غزة لا تستحق أن تقلب ظهر المجن في الاتجاه المعاكس؟
كيف للصورة أن تظهر الحقيقة وكل منا ينظر إليها بشكل مختلف؟ الحقيقة هنا عبارة عن وجهة نظر سياسية، والصورة تختلف باختلاف المكان واختلاف المنبر. وفي هذا الاختلاف، أي اختلاف المنابر الإعلامية بالذات، كانت الضريبة الأكثر إيلاماً، لا سيما في تلك المعركة التي دخلتها فضائيات إخبارية عربية فضللت الرأي العام عبر التلاعب بالمعلومات والأخبار، فأخذت تصوغ توجهاته وفق مصالح أصحابها، وتمنح لنفسها الحق في التجييش مع طرف ضد آخر، كأنها تداري الفضيحة الأخلاقية بفضيحة أخرى بديلة.
في تفاصيل المشهد التلفزيوني نرى مشهد انفجار مدوّ في أحد شوارع غزة، ينتهي عند تفصيل »صغير«: يتلو جريج الشهادتين بينما يلتقط أنفاسه الأخيرة.. والجريح هو واحد من أكثر من ثلاثمئة شهيد سقطوا جراء العدوان الإسرائيلي، حسب قناة »الجزيرة«، وهو واحد من ثلاثمئة شخص أودت بهم الغارات الإسرائيلية، حسب قناة »العربية«. الصورة واحدة على »العربية« و»الجزيرة« ولكن ما هي الحقيقة، شهداء أم مجرد أشخاص قضوا بغارة؟
ربما بدا السؤال ساذجاً، إذ يسهل تخمين لماذا هناك من يقول »شهيداً« ومن يقول »قتيلاً«: فالحقيقة عند البعض هي عبارة عن وجهة نظر سياسية، نجزم بأنها لا تتطلب تحفيزاً للدماغ والتفكير لكشف الجانب الخادع في استخدامها.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد