وفاة الكاتب المسرحي البريطاني: هارولد بنتر
توفي الكاتب المسرحي البريطاني الحائز على جائزة نوبل هارولد بنتر عن عمر ناهز الـ78.
وتوفي بنتر المعروف بصوره عميقة الفكر والقاسية عن الحياة الأسرية الأربعاء بعد صراع مع مرض السرطان.
وفي تعليقها على وفاته قالت أنطونيا فريزر زوجة بنتر الثانية لصحيفة الغارديان "كانت ميزة عظيمة لي أن أعيش معه على مدى أكثر من 33 عاما, لن ينسى أبدا".
وحصل الأديب البريطاني على جائزة نوبل في الآداب عام 2005 عن أعماله المسرحية، من بينها مسرحيتا "حفل عيد الميلاد" و"العودة إلى الوطن".
واعتبر النقاد المسرحيتين من بين أجمل إنتاج أدبي في النصف الأخير من القرن الماضي.
يشار إلى أن بنتر اشتهر بانتقاداته الحادة للسياسات الأميركية والبريطانية, وقد وصف الغزو الأميركي للعراق بأنه عمل "لصوصي ويكشف عن احتقار للقانون الدولي".
كما شبه الولايات المتحدة بألمانيا النازية, وقال إنها دولة تديرها عصبة من المجرمين المجانين.
وكانت مسرحية "حفل عيد الميلاد" أولى مسرحيات بنتر الطويلة، وقد كتبها عام 1957.
هذه المسرحية والعديد غيرها التي كتبها لاحقا، مثل "العودة إلى البيت" و"الخيانة" وغيرها، تنتمي الى ما يسمى بمسرح العبث، وهي مدرسة مسرحية انطلقت في أوروبا في منتصف الخمسينات ومن أهم أعلامها بالإضافة إلى هارولد بنتر يوجين يونسكو وصاموئيل بيكيت وادوارد أولبي وغيرهم.
في مسرح العبث "عبث" المؤلفون بكل المقومات التقليدية للعمل المسرحي، فلم نعد هناك بداية ووسط ونهاية، كما لا يمكن الحديث عن حبكة درامية، والحوار هو العبث بعينه وكأنه تجسيد لما نسميه "حوار الطرشان"فليس صالحا للتواصل أو الإيصال المباشر لأي مضمون للطرف الآخر.
مسرحيات بنتر اثارت جدلا
الأحداث في مسرح العبث تتطور بالتداعي كما في الأحلام وليس وفقا لأي منطق سائد.
هل من رسالة ؟
من يؤمنون باضطلاع الأدب بوظيفة اجتماعية يقولون ان كل عمل أدبي يريد إيصال رسالة محددة للقارئ، فهل يمكن أن نتصور أية رسالة يضطلع بها مسرح العبث ؟
أليس في ذلك تناقض مع الاسم والمضمون ؟
ليس بالضرورة، فالحركة التي قادها هؤلاء الكتاب في مجال الأدب كانت حركة رفض وغضب.
في بداية الخمسينات من القرن الماضي كانت الشعوب الأوروبية لا تزال تلعق جراحها التي خلفتها حربان عالميتان نشبتا في أقل من ريع قرن.
ونشأ جيل فقد ثقته بكل القيم الأخلاقية والأنظمة السياسية السائدة، جيل عدمي لم يعد يؤمن لا بالدين ولا بالايديولوجيا ولا بأخلاقيات المجتمع بسبب فشلها في منع نشوب الحربين التين أودتا بحياة الملايين وخلفتا أجزاء من أوروبا ركاما.
من بين هؤلاء نشأ الكتاب الغاضبون من أمثال جون أوزبورن مؤلف مسرحية "أنظر وراءك بغضب" ، ومن أوساطهم أيضا نشأ جيل مسرح العبث ومنهم هارولد بنتر الذي ولد عام 1930 أي كان في منتصف الع قد الثالث حين كتب مسرحية "حفلة عيد الميلاد".
أجواء بنتر
يطغى الغموض على مسرحيات بنتر، فالقارئ أو المشاهد لا يجد تفسيرا معقولا للشخصيات ولا للأحداث وأحيانا يكون ظهور الشخصيات في الزمان والمكان المحدد اعتباطيا، أو هكذا يبدو.
الجو العام في المسرحيات مجازي ان صح التعبير، فيه نوع من المحاكاة للواقع، ولكن ليس بالمفهوم التقليدي. الواقع السائد في مسرح العبث هو أشبه بالكاريكاتير في مبالغاته، ولكنه كاريكاتير مخيف وغامض بدل أن يكون طريفا ومسليا.
الحوار أو غياب الحوار بمفهومه المألوف هو رمز للاغتراب والوحدة اللذان يعاني منهما إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي نجا من براثن الحرب ليقع في براثن غول أفظع: المجتمع الاستهلاكي في س باقه الفظيع من أجل مراكمة المزيد من السلع التي تمنح المستهلك وهم الاكتفاء والاستغناء عن الآخر، وبالتالي الاستغناء عن التواصل معه والتحدث إليه.
إ الحوار التقليدي معدوم بين الشخصيات وان وجد فهو لا بعكس اهتماما بالأخر بل انفصاما عنه وعجزا عن فهمه أو إيصال أي مضمون إلى مداركه.
إذن، هارولد بنتر قام بإيصال رسالة من خلال اعماله المسرحية وان كانت غير مباشرة، ولكنه اوصل رسالة مباشرة من خلال حضوره السياسي المتميز مفادها: حتى الوسائل الاكثر تجردا في التعبير عن الاحتجاج هي الوجه الاخر للرسالة المباشرة: لي صوت مباشر ايضا وراي مباشر في كل ما يمس حياتنا في هذا العالم.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد