تكتيك عمايري في خطوته الثالثة
الجمل- سعد القاسم: أعترف بداية بأني لاأكون محايدا حين أتحدث عن عبد المنعم عمايري، فقد أثار هذا الممثل (والمخرج) الشاب اهتمامي قبل تخرجه من المعهد المسرحي وقبل أن يشاهده الجمهور لأول مرة بسنتين على الأقل حين حضرت أحد مشاريعه الدراسية وكان بإشراف المسرحي القدير غسان مسعود الذي أشرف فيما بعد على مشروع تخرج الدفعة التي ينتمي إليها عبد المنعم عمايري في عرض (ريما) أحد عروض التخرج المتألقة .
كان حضور عبد المنعم في عرض التخرج واثقا ومتميزا بصرف النظر عن حجم الدور. غير أنه تعرض لحادثة على خشبة المسرح أدت إلى كسر ساقه وكان من المفترض أنها ستحول بينه وبين استمرار مشاركته في العروض التالية، مع مايشكل هذا من تحد صعب للمشرف في توفير البديل القادر على أداء الدور في زمن قصير للغاية ، لكن الممثل الشاب جنب أستاذه وزملاءه هذا الواقع الحرج و تحامل على آلامه وأكمل مشاركته في باقي العروض بساق مجبرة . وكنت يومئذ مسؤولا عن الصفحات الثقافية في صحيفة ( الثورة) فأشرنا إلى ماحدث على الصفحة الأخيرة للصحيفة مما دفع أحد الصحفيين ليقول له مداعبا : إنك ستدخل الوسط الفني بفضل ساقك المكسورة..
دخل عبد المنعم الوسط الفني سريعا لكن ليس بفضل ساقه المكسورة كما قال الصحفي ، وإنما بموهبته الإستثنائية التي جعلته قادرا على أداء أدوار مختلفة بالبراعة ذاتها. وكذلك بفعل طموحه ودأبه اللذين جعلاه موضع ثقة المخرجين فأسندوا إليه الأدوار الصعبة بدءا من أستاذه غسان مسعود الذي ضمه إلى فريق مسرحيتة الناجحة (كسور). مرورا بهيثم حقي الذي اختاره لدور خاص في مسلسل ( الثريا) .ثم ليحل محل النجم بسام كوسا بعد اعتذاره عن متابعة دوره في الجزء الثاني من مسلسل (خان الحرير ).وصولا الى مشاركته المدهشة في سلسلة( بقعة ضوء) والتي أثبت من خلالها أنه،أيضا، ممثل كوميدي من نوع خاص.
طموح عبد المنعم لم يتوقف عند حدود تألقه كممثل.فقد دخل عالم الإخراج المسرحي باقتدار وفاعلية حيوية ومؤثرة .فكان أن لاقت تجربته المسرحية الأولى (صدى) صدى واسعا لدى جمهور المسرح . وكانت أهم شهادة بأهميتها قيام غسان مسعود ببطولتها الى جانب الممثلة الشابة الموهوبة والمتألقة سلافه معمار. ثم كانت تجربته الثانية ( فوضى ) والتي أعتز أنه خلال رئاستي لتحرير مجلة ( فنون ) نشرنا مقالة عنها كتبها الزميل والصديق العزيز خالد مجر . وكانت واحدة من المقالات النادرة التي أنصفت المسرحية قبل أن ينصفها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ويمنحها جائزته الأولى.
اليوم يقدم العمايري تجربته المسرحية الثالثة ( تكتيك ) ولعل أسمها يتلاقى مع واقع تاريخ تجربته المسرحية القصير والثري بآن واحد . فهو هنا يتجه لأسلوب إخراجي مغاير لما اختار في تجربتيه السابقتين فيعرض بإيقاع سريع ،يكاد يقطع أنفاس المشاهد، نماذج من قاع المجتمع يلتقط كل منهم بعض الوقت من زحمة الصخب العجول ليبوح بألمه الشخصي مستذكرا المحطات القاسية في تاريخه التي دفعته إلى ما آل اليه و كل ذلك في إطار حكاية زوجين عادا لبعضهما بعد فراق استمر ستة عشر عاما ليبحثا عن ابنتهما ( الضائعة).
نجح عبد المنعم بإختيار ممثليه بدءا من المسرحي القدير والخبير فايز قز ق الذي قبل أن يؤدي دور الزوج ، إلى الممثلة الشابة رغد المخلوف التي حظيت بفرصة اكتشاف موهبتها وقدراتها.مرورا بالممثلين الذين تألقوا في العرض : قاسم ملحو وأسامه حلال ولمى الحكيم ونسرين فندي وراما عيسى وراقصة الباليه يارا عيد.
قد يؤخذ على العرض السرعة الكبيرة في الحوارات مما أضاع بعضها على المتفرج. وقد يجد فيه أحد تأثيرات من تجارب مسرحية عربية. وبطبيعة الحال ستختلف وجهات النظر حوله وربما إلى حد التناقض الشديد.ولكن من المفيد رؤية هذه التجربة ضمن الإطار العام لتجربة عبد المنعم عمايري في الإخراج المسرحي.وعدم إهمال – تحت أي ذريعة- حضورها لدى الناس وتأثيرها فيهم.
الجمل
إضافة تعليق جديد