"كازانوفا" ونساء الموساد في لبنان
في الوقت الذي خبت المعلومات عن الشبكة الاسرائيلية التي امسكتها مخابرات الجيش اللبناني, تواصل اسرائيل البحث عن اسباب اكتشاف الشبكة التي عملت اكثر من عشرين عاماً في لبنان ومدت نشاطها الى سوريا دون ان تكتشف. ولا شك في ان المخابرات الاسرائيلية الحائرة في اسباب سقوط شبكتها, لن تعدم وسيلة للحصول على معلومة تفيدها, كدرس يكون لعملائها اللاحقين والموجودين وخصوصاً ان اكتشاف هذه الشبكة يعتبر من الصفعات اللاذعة جداً لجهاز الموساد.
ويلاحظ من يتابع اخبار الشبكة في «اجهزة الاعلام الاسرائيلية ولا سيما كيفية سقوط اللاعب الرئيسي محمود رافع ان هناك عملية استدراج للمعلومات عبر «القاء التبعة» على رافع نفسه, بسبب القول ان الجنس كان السبب الرئيسي لسقوطه في قبضة المخابرات الاسرائيلية, لأن محمود رافع كان يعشق النساء ولم يتردد في الخروج مع الكثير منهن من مناطق متنوعة ومجامعتهن.
وتقول التسريبات الاسرائيلية ان هذا التصرف وكذلك اسراف رافع وتبذيره للمال اثار ريبة اقاربه الذين قام احدهم بالوشاية عنه للمخابرات اللبنانية التي قامت بمراقبته على مدار الساعة, ونجحت بعد فترة ليست وجيزة بإلقاء القبض عليه بعد تجميع كل الادلة والبراهين التي تربطه بالموساد الاسرائيلي.
وبغض النظر عن صحة هذه الرواية واذا ما كانت لاستدراج المخابرات اللبنانية لإعطاء معلومات عن كيفية حصول عملية القبض عليه, ام انها معلومات صحيحة, فإن الأهم هو اكتشاف شبكة ربما هي من اخطر شبكات الموساد العاملة في لبنان.
واذا كانت الرواية الاسرائيلية صحيحة بأن الجنس كان وراء الامساك بالجاسوس صاحب الدور التخريبي والارهابي, فإن المخابرات الاسرائيلية تكون قد سقطت في لعبتها التي طالما مارستها منذ نشأتها, ليس في لبنان فحسب, وان كانت «نساء الموساد» لعبت دوراً بارزاً في لبنان وانما على مساحة البلاد العربية والعالم اجمع. حتى قبل ان يشكل جهاز الموساد رسمياً عام 1951. وذلك منذ نشوء المنظمات الصهيونية من خلال استخدام الفتيات اليهوديات مثل روزا موردخاي اول عميلة صهيونية وصلت الى بيروت في بداية الحرب العالمية الاولى.
وقد اقامت روزا موردخاي مع والدتها في منزل «سعيد الشامي» في محلة الخندق الغميق الاقرب الى «وادي ابو جميل» الذي كان يعرف بالحي اليهودي وكانت تعاشر الضباط الألمان والاتراك للحصول على معلومات تنقلها الى الاستخبارات البريطانية والحركة الصهيونية, وقد ألقي القبض عليها في حينها.
ومنذ البداية ايقنت الاستخبارات الاسرائيلية ان عنصر النساء, هو عنصر مهم في عملية التجسس فاستفادت من تجربة اليهوديات ومن غيرهن مستندة الى قول احد الحاخامين اليهود «ان الذين يعملون ويناضلون من اجل الارض, عليهم الا يغاروا على بناتهن».
ومن اشهر اليهوديات اللواتي عملن مع المخابرات الاسرائيلية في لبنان «شولا كوهين» التي اعتبرت اخطر جاسوسة في الشرق الاوسط منذ العام 1947 الى العام 1961 تاريخ اعتقالها.
فشولا كوهين المولودة في الارجنتين لأب تاجر قام بتزويج ابنته لتاجر يهودي لبناني اسمه «يوسف كشك» سكنت معه في بيروت «وادي ابو جميل» فحولت منزلها الى ملتقى العملاء الناشطين في خدمة الصهيونية, وقد اطلقت عليها ألقاب كثيرة منها: «الزعيمة» و«سفيرة اسرائيل في لبنان» وكانت تغرق زبائنها وعملاءها بالنساء والفتيات اليهوديات اللواتي كانت تختارهن على جانب كبير من الجمال والاناقة والفتنة ليسهل اصطياد الضحايا وكان من اشهر بغاياها اللواتي كن يعملن في النادي الليلي الذي تملكه «فورتونيه», و«راشيل» و«مارسيل», و«اسبيرانس» و«روزيت»... اللواتي كنّ الطعم لاستدراج «الزبائن»...
كانت «شباك الجنس», بالاضافة الى المال, من أقوى اسلحة اليهود في اصطياد ضحاياهم. وقد برعت شولا كوهين في استعمال تلك الشباك اكثر من سواها, وقد كان دورها من اخطر الادوار, وكان من مهماتها, بالاضافة الى التجسس وتهريب اليهود والأموال الى فلسطين, خلق جو سياسي وشعبي في بيروت يمهد للصلح مع اسرائيل.
وضعت شولا كوهين تحت مراقبة رجال الأمن العام اللبناني مدة من الزمن, الى ان تم اعتقالها مع باقي افراد الشبكة في منزلها بتاريخ 12 آب €اغسطس€ 1961. وأثناء محاكمتها, اعترفت بنشاطها التجسسي من خلال تاجر يهودي فرنسي يقيم في لبنان اسمه «جورج ملخو». وقد صدر الحكم بسجنها عشرين عاماً.
واذا كانت الجاسوسة شولا كوهين من اوائل الجاسوسات الاسرائيليات. فإن الشبكة التي كان ينشط من ضمنها محمود رافع كانت تضم ايضا فتيات يهوديات جئن الى لبنان للمساهمة في تنفيذ العمليات الاجرامية وهو ما كشفته اخراجات القيد التي ضبطت بحوزة محمود رافع وفي منزل حسين خطاب, الذي ما زال متوارياً, فيما لا تزال اجهزة الامن اللبنانية تدقق في احتمالات اماكن وجوده وعلاقاته وكذلك الاجهزة الامنية السورية, لأنه كان يتردد الى سوريا واحيانا مع محمود رافع. وقد تم استدعاء بعض الاشخاص الذين تربطهم علاقات مع خطاب وكذلك علاقة قرابة وتردد ان هناك توقيفات بينهم فتيات.
وكشف رئيس جهاز الموساد السابق الجنرال داني ياتوم ان «الموساد» هو الجهاز الاستخباري الوحيد في اسرائيل الذي تزيد نسبة السيدات العاملات فيه على اي جهاز امني اسرائيلي آخر. وتحتل النساء مناصب مهمة في جهاز المخابرات الاسرائيلي بالرغم من التدابير القسرية التي تفرض على المتطوعات كشرط مسبق لقبولهن اقلها الحرمان من الحمل والانجاب لخمس سنوات.
وتشير التقديرات الى ان النساء يمثلن حوالى 20€ من القوى العاملة في المهام التكتيكية داخل الموساد. وقد عملن في الوحدات المختلفة لعل ابرزها وحدة «كشت» والتي من اختصاصها عمليات الاختراق والتسلل لتنفيذ عمليات خاصة مثل تصوير وثائق مهمة او وضع سماعات تنصت وكذلك وحدة «ياريد» الخاصة بتأمين حماية كبار الضباط في جهاز الموساد عندما يلتقون مع عملائهم في الخارج.
وكشف ساتوم عن ان اهم العمليات الاستخبارية التي قامت بها نساء الموساد عرفت عبر وسائل الاعلام الاجنبية وليست الاسرائيلية وذلك اما بسبب النجاح الكبير للعملية او لفشلها. ومن بين هذه العمليات: عملية اغتيال الكوادر الفلسطينية سواء في الداخل او في الشتات.
وان غالبية عميلات الموساد ضد القادة الفلسطينيين يعملن موظفات في منظمات دولية انسانية واجتماعية, ومن بينها منظمة اغاثة. للاطفال الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين!! حيث تمكنت عميلة الموساد «اريكا تشاس» من خلال هذه الوظيفة الانسانية الدولية من تصفية «الأمير الاحمر» علي حسن سلامة.
ولعل من أهم العمليات التي قامت بها النساء في الموساد هي عملية استدراج موردخاي فانونو المسؤول السابق في مفاعل ديمونا النووي والذي كشف عن الكثير من المعلومات عن السلاح النووي الاسرائيلي. حيث قامت عميلة الموساد شيريل بن توف باستدراجه من لندن الى روما ومن هناك تم اختطافه الى اسرائيل بواسطة رجال الموساد.
ان غالبية اجهزة المخابرات تستعين بالنساء وقد عرف الموساد باكرا قيمة «الشرك الجنسي», ووفق ما يقول رئيس سابق للموساد واسمه «مائير عاميت» في موضوع استغلال المرأة في عمليات التجسس انه احد الاسلحة, فالمرأة تتمتع بمهارات يفتقر اليها الرجل, فهي تعرف كيف تصغي, وحديث الوسادة ليس مشكلة عندها.
ولعل حكاية الجاسوسة امينة المفتي الاردنية التي عملت في السبعينيات من لبنان لصالح الموساد تستحق الذكر.
فالموساد موّل لها عيادة لمعالجة الجرحى بعد ان صادقت كبار ضباط منظمة التحرير الفلسطينية, وعندما كانت تخلو الى نفسها في المساء, كانت تكتب وقائع مطوّلة لكل ما شاهدته او سمعته خلال النهار. وهي لم تلتق ابدا بأي مسؤول اتصال للموساد في لبنان, لانها كانت تترك تقاريرها والصور التي تلتقطها في صناديق بريد عامة في بيروت, مثل تلك الموجودة في ممرات الفنادق او استراحات المطاعم, حيث يتم القاء مظروف صغير يلتقطه بعد ذلك شخص مجهول. كما كانت تنقل المعلومات العاجلة الى اسرائيل بواسطة جهاز تكنولوجي مفضل لدى الموساد وهو عبارة عن جهاز لاسلكي صغير.
توقف سيل المعلومات التي كانت ترسلها امينة المفتي الى اسرائيل فجأة سنة 1975. وتبين اثر ذلك ان الفلسطينيين قد ألقوا القبض على امينة وقد رتبت اسرائيل عن طريق الصليب الاحمر الدولي عملية لتبادل الاسرى اطلقت بموجبها سراح اثنين من فدائيي منظمة التحرير الفلسطينية في مقابل الافراج عن امينة. وبعد ان قام الصليب الاحمر بتسليمها الى فريق الموساد في قبرص, انتحلت شخصية جديدة وشغلت وظيفة طبية في شمال اسرائيل.
يونس عودة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد