ينتظرون منحة من الحكومة تعينهم على الغلاء في سورية
«عزيزي، يمكنك شراء حذاء جديد للمدرسة، لكن أفضل أن تؤجل ذلك بضعة أسابيع من العام الدراسي الجديد»، بهذه العبارة تحاول علياء إقناع ولدها ابن الثامنة، بـ «تعديل» رغبته في الشراء، بما يتناسب مع موازنة العائلة لهذا الشهر. ثم تضيف: «سأشتري لك حذاء جديداً جميلاً، تنتعله في العيد ثم تستخدمه للمدرسة. دعنا نهتم الآن بشراء الضروري، الحقيبة والدفاتر».
تنشغل عائلات كثيرة هذه الأيام، ومنها علياء وأولادها، بالتحضير لعودة المدارس، إلا أن ما يميز استعدادات هذا العام أنها تتزامن مع الاستعداد لشهر الصيام.
علياء، وهي في العقد الثالث من عمرها، تمضي أوقاتاً كثيرة في أسواق الشام، بحثاً عما يتناسب سعره مع «قدرتها الشرائية» التي انخفضت مع حدة ارتفاع الأسعار.
وليس بعيداً من علياء، وفي سوق الحميدية نفسه، تتجول زينب مع طفليها، بحثاً عن ملابس للمدرسة بأسعار «معقولة»، كما تقول السيدة التي لم تعتد رصد موازنة واضحة لمصاريف العائلة، بسبب طبيعة عمل زوجها. فليس ثمة دخل ثابت تعيش منه العائلة، إذ يعمل زوجها في بيع التحف الشرقية. والأولوية الآن بالنــسبة إلى زينب، هي لتلبية احتياجات الأطفال للمدرسة. وأمــا بالنــسبة إلى رمضان، فإن «الـــخير يأتي معه»، كما تقول. وتعني بذلك أن مصاريف الــشهر الفــضيل مــيسرة، والأمر يعود إلى «بركة» هذا الشهر، من وجهة نظرها، وأيضاً لأنها لا تــسرف في مصروف الغذاء: «أحضر طعاماً يكفينا، ويــشبه ما أعده في كل يوم، من أيام الــسنة».
لكن أن دراسة رسمية أعدها حديثاً «المركز الوطني للسياسات الزراعية» أفادت أن المواطن السوري ينفق على الغذاء وسطياً 42 في المئة من إجمالي إنفاقه، وخصوصاً بالنسبة إلى الشرائح الفقيرة والمتوسطة. وبذلك تكون زينب واحدة من القلائل الذين يترقبون عودة رمضان والمدارس بهذه النظرة «الراضية». فالأصوات لا تنفك تتعالى شاكية من ارتفاع أسعار لا تتناسب مع مستوى الدخل في سورية، حيث لا يتجاوز متوسط الدخل لمجمل الأسر السورية حدود المئتي دولار أميركي.
في المقابل تقدر بعض الدراسات الخاصة أن الأسرة السورية تحتاج إلى مبلغ يتجاوز الـ15 ألف ليرة سورية، (أي ما يزيد على 330 دولاراً أميركياً)، لتلبية الحاجات الغذائية فقط، والحفاظ على السعرات الحرارية المطلوبة لبقاء الإنسان على قيد الحياة (أو سد الرمق). وهذا ما كشفه صافي شجاع، المدير التنفيذي للمركز الاقتصادي السوري. ويعتقد شجاع أنه إذا أضيفت الحاجات الأخرى، كاللباس والسكن والمواصلات والاتصالات وغيرها، يرتفع الرقم إلى الضعف.
وفي مواجهة هذا الواقع الاقتصادي، تلجأ أسر سورية كثيرة إلى تدبر أمورها، من خلال عمل رب الأسرة في أكثر من عمل، أو تشغيل الأطفال، أو ضغط الإنفاق إلى حدوده القصوى. وكثيرون منهم يحاولون ادخار مبالغ معينة، طوال العام، من تلك المصادر، من اجل تلبية ضروريات شهر رمضان، مثل الغذاء والعيد وتقاليد الموائد والولائم، وغير ذلك.
ويتوقع شجاع أن يكون غلاء الأسعار أكثر حدة في الفترة المقبلة، لا سيما أن بعض التجار يستغل الحاجة وتزايد الطلب، في مناسبات مثل رمضان أو عودة المدارس، من أجل رفع الأسعار «من دون مبررات منطقية أحياناً». وفي موازاة ذلك، يأمل سوريون كثيرون في الحصول على منحة من الحكومة تعينهم على مصاريف مرهقة، مثل تكاليف شهر رمضان وعودة المدارس، كما حدث في الأعوام الماضية.
ويرى شجاع أن على الحكومة أن تفكر في صرف مساعدات مالية أو عينية، تطاول شرائح المجتمع كافة، «لأن المنحة الحكومية الآن تقدّم لموظفي الحكومة فقط، وهم لا يتجاوزون الـ20 في المئة من مجمل القوى العاملة في سورية».
وتبقى مسؤولية كل أسرة، وليس الأسرة السورية فقط، في أن تضع موازنة متدرّجة تلبي حاجاتها من الأهم إلى الأقل أهمية، كما يفيد كتاب «اقتصاديات الأسرة وإدارة المنزل»، لمؤلفه أيمن مزاهرة. ووردت فيه جملة من النصائح، منها: أن تكتفي الأسرة بالطلبات المهمة وتستغني عما دون ذلك، وأن تحصل على طلباتها، ولكن بكميات أقل أو من أنواع أقل جودة، إضافة إلى الإفادة من الخدمات المجانية، أو «التشاركية» مثل التنقل سيراً أو بوسائل النقل الجماعي، بدلاً من النقل الخاص أو سيارة الأجرة.
وينصح الكتاب بدرس الأسعار ومقارنتها، قبل الإقدام على الشراء، سواء كانت أسعار مواد غذائية أم ألبسة أم أدوات منزلية. ويقدم الكتاب طريقة مفيدة لتحديد موازنة المنزل، وتتمثل بتدوين كل المشتريات والخدمات، وتقدير تقريبي للدخل المادي، ثم توزيع مصروف الشهر في مغلفات، يكتب على كل منها الغاية من صرف المبلغ الذي يحتويه، كأن يكون هناك مغلف لنفقات السكن، وآخر للغذاء، وثالث للأقساط المستحَقة... ويركز الكتاب على ألا يزيد المصروف مطلقاً على الدخل، ويفضل أن يكون أقل ليتيسر ادخار مبلغ مناسب، لوقت الحاجة.
هل يمكن تطبيق ما ورد في كتاب «اقتصاديات الأسرة وإدارة المنزل» على موازنة شهر رمضان والعودة إلى المدرسة، مع إصرار الأهل على حسن وفادة الشهر الفضيل وحسن الاستعداد لمدارس الأبناء؟ وهل يمكن حقاً ادّخار مبلغ لوقت الحاجة، في ظل هجوم الغلاء على الجيوب؟ الجواب في نهاية الشهر، أو قبلها بقليل... أو بكثير!
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد