شركة القدموس خارج بانياس.. وقائع ... حقائق وملابسات...
لا يزال خروج شركة نقليات القدموس من مدينة بانياس يثير الكثير من ردود الأفعال, في الأوساط الرسمية والشعبية, وخاصة أن أزمة النقل العام بين المدينة وبقية مدن القطر باتت على كل شفة ولسان!!
لقد نشرنا تاريخ 21/5/2008 تقريراً عن هذه القضية تحت عنوان: (شركة نقليات القدموس تنسحب من بانياس) وقد ردت الشركة على ما نشر, وأكدت أنها لم تنسحب وإنما أجبرت على مغادرة بانياس وأرفقت بردها كتابين: الأول موجه إلى السيد محافظ طرطوس والثاني إلى السيد رئيس مجلس مدينة بانياس, بينت في كتابها الموجه للسيد المحافظ أنها امتثلت لرغبته بالإسراع بإخلاء المكان الذي كانت تشغله ليتمكن مجلس المدينة من إخلاء مقهى البحر العائد للسيد مصطفى الجندي لكن السيد الجندي لم يخل المقهى المذكور حتى الآن وإنه حل محلها على الكورنيش البحري مئات الميكروباصات دون أجر أو رسم إشغال, وإنها سبق وسددت كافة المبالغ المطلوبة منها لمجلس مدينة بانياس, وأملت من السيد المحافظ أن يشكل لجنة تحقيق لدراسة ما جرى ويجري وانعكاساته على مصالح المواطنين جميعاً.
وأرسلت في كتابها الثاني صوراً عن كتب المطالبة الموجهة من مجلس مدينة بانياس إلى الشركة, وكافة إشعارات التسديد منذ عام 1997 وحتى غاية 30/4/2008 والتي بلغت 3.660.520 ل.س وهذا يؤكد أنها كانت تسدد بانتظام ودون أي تردد حتى تاريخ الإخلاء الذي تم عملاً بإنذارات رئيس مجلس المدينة المتكررة.
- ورداً على هذا الرد وجه رئيس مجلس مدينة بانياس كتاباً إلى السيد محافظ طرطوس وصلت صورة منه إلى الصحيفة بدمشق بطريقة غير نظامية, وفي هذا الرد أكد رئيس مجلس المدينة أنه لم يجبر الشركة على مغادرة بانياس إطلاقاً بل إن السبب الرئيسي في مغادرتها هو مطالبتها بدفع رسوم إشغال الأملاك العامة وفق المساحة الفعلية التي تشغلها والبالغة 423م2 بناء على تقرير لجنة فنية وليس كما كان يستوفى منها سابقاً, وبين أن المبنى الذي كانت تشغله الشركة هو ملك للمدينة ومؤجر للسيدين مصطفى الجندي ويحيى خدام اللذين أجرا قسماً منه للشركة دون العودة للمدينة ودون أخذ موافقتها.
ونفى ما ورد حول وجود ميكروباصات على الكورنيش مكان الشركة السابقة, وحول بقاء قسم من المقهى مستثمراً.
وأمل في نهاية كتابه أن ينشر رده في نفس الصحيفة كي يستطيع القارئ تكوين فكرة عما جرى ويجري بهذا الموضوع منعاً لاستغلال ورقة ضرر المواطن من قبل الشركة, أما الحكم فيترك للرقابة الداخلية أو لأية لجنة مختصة تشكل بقرار من السيد المحافظ وعلى أي مستوى كانت وبحضور ممثل عن الشركة نفسها للوصول إلى الحقيقة المنشودة منا جميعاً.
- أمام هذا الواقع, والاتهامات المتبادلة بين الشركة ومجلس المدينة كلفني السيد رئيس التحرير الزميل أسعد عبود بإجلاء حقيقة الأمور (قدر الإمكان), وبناء على ذلك زرت مدينة بانياس, والتقيت رئيس مجلس مدينتها المهندس عدنان الشغري, وتجولت في المكان الذي أخلته الشركة, والكراج الحالي, ومرآب البلدية, واطلعت على المراسلات والقرارات المتعلقة بهذه القضية, كما التقيت بعد ذلك مدير فرع شركة نقليات القدموس بطرطوس السيد عبد الكريم خوندة الذي زودني بمجموعة كتب ومراسلات ووثائق مالية, وأيضاً مع رئيس مجلس إدارة شركة نقليات القدموس وصاحبها السيد مهران خوندة الذي وضعنا بصورة كاملة عن الموضوع بدءاً من دخول الشركة إلى بانياس عام 1992 وحتى الآن وملابسات خروج الشركة من مدينة بانياس تحت ضغط الإنذارات المتلاحقة من رئيس مجلس المدينة وبدون تأمين مكان بديل (مناسب), وبعد ذلك التقيت السيد محافظ طرطوس, ثم حضرت الشهر الماضي جلسة مجلس محافظة طرطوس التي تمت خلالها مناقشة القضية بحضور صاحب الشركة ورئيس مجلس المدينة, وتلقيت عدة اتصالات وشكاوى من مواطني طرطوس وبانياس حول أزمة النقل الحاصلة بين بانياس واللاذقية, وبقية المدن وأيضاً بين طرطوس واللاذقية بعد أن خفضت الشركة عدد رحلاتها.
وفي ضوء كل ما تقدم وبعيداً عن الدخول في تفاصيل ما ورد في المراسلات المتبادلة بين الطرفين وبين كل منهما وبين السيد المحافظ حيث إن الدخول فيها وإيراد مضمونها يحتاج لعدة صفحات في الجريدة, سأذكر فيما يلي عدداً من الوقائع والحقائق التي توصلت إليها بخصوص هذه القضية الخلافية والتي كان يفترض ألا تحصل.
- نقليات القدموس دخلت مدينة بانياس منذ 15 عاماً بمحض إرادتها وكامل رغبتها وهي أول شركة نقل عام تعمل بقوة في بانياس وتحل أزمة النقل منها وإليها, وساهمت في توظيف ما لا يقل عن 75 مواطناً من أبناء بانياس, وفي توفير عشرات بل مئات فرص العمل غير المباشرة في المدينة.
سددت الشركة كامل المبالغ التي طلبها منها رؤساء مجالس المدينة السابقون لقاء رسوم إشغال على الكورنيش البحري, كما سددت كامل الأجور المترتبة عليها لمستثمر مقهى البحر لقاء استئجارها لمكاتب قطع التذاكر عنده.
اللجنة التي شكلها مجلس المدينة عام 2002 بالقرار 221 لتحديد مساحة إشغالات الأملاك العامة في المدينة والتي ورد في محضرها أن نقليات القدموس تشغل مساحة 432 متراً مربعاً لم يبلغ مضمونها للشركة من قبل مجلس المدينة, ولم تتم مطالبتها سابقاً برسوم إشغال هذه المساحة, كما أنه لا يوجد أي عقد بهذا الخصوص بين المدينة والشركة.
بناء على اقتراح مجلس مدينة بانياس وكتاب السيد محافظ طرطوس رقم 5728/10/11 تاريخ 27/6/2007 أصدر وزير الإدارة المحلية والبيئة القرار رقم 57/ن تاريخ 12/7/2007 المتضمن إخلاء مقهى البحر القائم على العقار 163 في مدينة بانياس نظراً لانتهاء المدة العقدية, على أن يعطى المستأجر مدة شهرين للإخلاء, وللعلم فإن العقار 163 يضم مبنى فيه مكاتب شركة نقليات القدموس, ومقهى مجاوراً له.
بتاريخ 23/9/2007 تسلم المهندس عدنان الشغري مهام رئاسة مجلس المدينة بعد انتخابات الإدارة المحلية, وقام بعرض موضوع مقهى البحر ونقليات القدموس على مجلس المدينة فاتخذ المجلس القرار (11) تاريخ 24/10/2007 المتضمن في مادته الأولى: الموافقة على نقل كراج نقليات القدموس من موقعه الحالي على الكورنيش البحري إلى مكان آخر بديل ومناسب, وفي مادته الثانية: تكليف الدائرة الفنية لدى مجلس المدينة بمتابعة الموضوع واختيار المكان البديل.
وبقراءة دقيقة لمضمون القرار يتبين هنا أنه لو كان كراج انطلاق السرافيس الحالي مناسباً للشركة وآلياتها لكان ورد في المادة الأولى من القرار (نقل كراج نقليات القدموس من موقعه الحالي إلى كراج الميكروباصات القائم) وبالتالي لما كان هناك داع للمادة الثانية من القرار.
مجلس مدينة بانياس الذي اتخذ قرار الإخلاء ذكر في أكثر من وثيقة أنه سيعلن عن تأجير المبنى والمقهى بالمزاد العلني, وشركة نقليات القدموس كتبت للمدينة مطالبة رئيس المجلس بالاستمرار في المكان مع استعدادها للمشاركة في المزاد الذي سيعلن.. لكن!
- محافظ طرطوس الذي سبق ووجه الكتاب 8092/10/11 تاريخ 17/7/2007 إلى مجلس المدينة من أجل تنفيذ قرار الإخلاء الصادر عن السيد وزير الإدارة المحلية, وجه كتاباً ثانياً بتاريخ 15/8/2007 إلى مجلس المدينة جاء فيه: بعد التدقيق في إضبارة المقهى القائم على العقار 163 يطلب إليكم متابعة الإخلاء وفق الأصول, والإعلان عن استثمار المقهى بالمزاد العلني, وبالنسبة لآليات شركة نقليات القدموس المتواجدة في المقهى لا مانع لدينا من استمرار وجودها لحين انتهاء إجراءات المزاد, فإن رسا المزاد على الشركة المذكورة فسيستمر بقاؤها وفق علاقة عقدية جديدة وإلا فلا.. للاطلاع والتقيد بإجراء اللازم.
هذا الكتاب كان يمكن أن يشكل حلاً ولا يصعد المشكلة لكن الذي حصل أن رئيس مجلس المدينة أصر على إخلاء الشركة أيضاً من المكان, والدليل أنه كتب كتابين للمحافظ: الأول برقم 5008/ص تاريخ 25/10/2007 والثاني برقم 5009/ص تاريخ 25/11/2007, يستنتج من قراءتهما أنه لا يريد ولا يقبل ببقاء الشركة في مكانها الحالي, ويبدو أنه أقنع المحافظ والدائرة القانونية في المحافظة بالتراجع عن مضمون الكتاب السابق, حيث وجه المحافظ كتاباً للمدينة برقم 11325/10/11 تاريخ 3/11/2007 جواباً لكتابيهما 5008 - 5009, ترك للمدينة فيه حرية وتقدير التعاقد والمعالجة لمجلس المدينة فيما يتعلق بموضوع مقهى البحر, وهنا بدأت الإنذارات والضغوط لإخلاء الشركة حتى قبل اختيار المكان (البديل المناسب).
أمام هذا الواقع وأمام الشكاوى والاتهامات المتبادلة شكل المحافظ لجنة برئاسة عضو المكتب التنفيذي لقطاع المدن والبلدان وعضوية عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل ومدير منطقة بانياس ورئيس مجلس المدينة ومدير الشؤون القانونية في المحافظة (لم تمثل فيها الشركة), وحددت مهمة اللجنة بالكشف على واقع نقليات القدموس ودراسة الحلول المطروحة من قبل مجلس المدينة في ضوء إخلاء العقار 163 من شاغليه واقتراح الحل المناسب. ومن خلال قراءة مضمون المحضر يلاحظ أن اللجنة تحدثت عن الموقع المقترح: نقل شركة القدموس إليه وأشارت إلى أنه لا يوجد مانع من اختياره كموقع بديل لنقليات القدموس وسواها (بعد أن يجهز بالأمور الضرورية كمدخل ومخرج و.. إلخ) لكنها لم تحدد مساحته, وخلصت إلى أن يتم توجيه مجلس المدينة بتجهيز الموقع الجديد المقترح بالمتطلبات اللازمة وحين الانتهاء منها دعوة شركة نقليات القدموس للتعاقد معها وفق الأصول والقانون بعد أن يتم إعداد دفتر شروط فنية ومالية وحقوقية وعقد ينسجم مع القوانين والأنظمة, واقترحت اللجنة أيضاً التريث بالإخلاء لحين الانتهاء من كافة الأعمال المطلوبة في الموقع الجديد وانتهاء كافة إجراءات التعاقد حرصاً على عدم إحداث أي فراغ في النقل كي لا ينعكس سلباً على المواطنين, لكن مدير المنطقة تحفظ على الموقع البديل المقترح لأنه لا يتسع لشركة فيها عدد كبير من الباصات الكبيرة, ولأنه يقع ضمن كراج سرفيس بانياس وسوف يشكل خلافات دائمة بين سائقي السرافيس والشركة.
الشركة التي لم تمثل في اللجنة أكدت في كتاب وجهته للمحافظ أن المكان المقترح صغير ولاتتجاوز مساحته 400م2 وهو عبارة عن مربع مفتوح ولا يمكن لأي بولمان طوله 12 م أن يدخله, وتساءلت: كيف يتسع لحوالي 60 آلية بالإضافة إلى المكاتب والمظلات ومراكز القطع?
- شكل السيد المحافظ لجنة جديدة بناء على اعتراض مدير المنطقة وعلمنا أنها اقترحت تخصيص مساحة 1850 م2 كموقع بديل ووضعت دفتر شروط للمزايدة, وأشارت إلى أن المكان الجديد يستغرق تجهيزه مدة لا تقل عن ستة أشهر بالإضافة إلى إجراءات المزايدة, وهذا يعني أنه كان على رئيس المجلس التريث بإخلاء آليات الشركة من الموقع الذي تشغله لحين تجهيز الموقع البديل وإعلان المزاد عليه, لكن رغم ذلك استمر بإنذار الشركة وقام بإخلائها في 29/4/2008, ما جعلها تغادر بانياس مكرهة, مع الإشارة إلى أن السيد المحافظ طلب من صاحبها الإخلاء عند مراجعته له.
الشركة لم تكن تريد الخروج من بانياس ولولا الإصرار على إخلائها, ولو أنه تم نقلها إلى مكان (بديل ومناسب) لما غادرت, والدليل أن رئيس مجلس إدارتها أكد أنه سيشارك في المزاد على المكان الذي اقترحته اللجنة الأخيرة (مساحته 1850م2), وسيأخذ مكاناً مناسباً للشركة في الكراجات الجديدة لمدينة بانياس عند إنجازها خلال السنوات القليلة القادمة, هذا إضافة إلى أنه دخل إلى بانياس طواعية ويعمل بها منذ ما يزيد عن 15 عاماً.
لا نشك بحرص رئيس مجلس المدينة على تطوير واقع مدينته منذ تسلم مهامه في أيلول 2007 وحتى الآن لكننا نشك بالطريقة التي عالج فيها موضوع الشركة ولاسيما أنه - كما نعتقد - حاول الظهور بمظهر أنه يستطيع أن يفعل ما يريد بغض النظر عن النتائج, كما أنه حاول الظهور بمظهر من يريد الحفاظ على المال العام بغض النظر عن دقة أو عدم دقة حيثيات المطالبة الموجهة للشركة بناء على اللجنة المشكلة عام 2002 بخصوص الإشغالات.
وهنا نشير إلى أن رئيس المجلس لم يطالب الشركة ب 29 مليون ليرة كما ورد في بعض المواقع الإلكترونية, ربما طالبها بمبلغ 396 ألف ليرة عن الربع الأول من العام الحالي وهي اعترضت على مبدأ المطالبة.
كان يفترض بالمحافظة أن تجد حلاً مناسباً للقضية بعيداً عن الخلافات الحادة التي حصلت والتشنجات اللاحقة, والأزمة التي دفع ثمنها المواطن.
أعضاء مجلس المحافظة الذين طرحوا القضية في اجتماع المجلس الذي انعقد الشهر الماضي وبحث الموضوع بحضور صاحب الشركة ورئيس مجلس المدينة حملوا رئيس مجلس المدينة مسؤولية خروج الشركة من بانياس.
- الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في المراسلات وفي اجتماع مجلس المحافظة, والأزمة الحالية في النقل تستدعي من الجهات المسؤولة في العاصمة تشكيل لجنة مختصة يتمتع أعضاؤها بالخبرة والنزاهة والموضوعية لدراسة ملف هذه القضية من كافة جوانبه ورفع الاقتراحات المناسبة التي من شأنها اتخاذ قرارات تنتهي إلى المعالجة الجذرية, والمساءلة الإدارية والقانونية لمن يتحمل مسؤولية ما حصل, ولعدم تكرار ذلك في المدينة وفي محافظة أخرى, وضمن هذا الإطار لا بأس أن يتم وضع أسس وضوابط تحكم العلاقة بين مجلس المدن والوحدات الإدارية وبين شركات النقل العام التي رخصتها الدولة على قانون الاستثمار وغيره والتي يعول عليها حل أزمة النقل العام بين المدن السورية.
- نرى أن بعض المسؤولين يلجؤون للاصطدام مع أصحاب الشركات الخاصة ورجال الأعمال للتأكيد والتدليل على نظافة يدهم, وبالتالي نراهم يتخذون إجراءات ومواقف حادة لا داعي لها وتنعكس على العمل ومصالح الناس وحتى المصلحة العامة بشكل سلبي.
وهنا نقول إن الأدلة على نظافة اليد عند هذا المسؤول أو ذاك تظهر للجميع بدون الحاجة للاصطدام والمواقف الحادة, وبالتالي يمكن لأي كان وفي أي موقع كان معالجة القضايا والمشكلات التي تعترضه بيسر وسهولة ووفق القوانين النافذة, ودون تلويث يده أو الاصطدام بالآخرين وهذا مانعتقد أنه يتم في مواقع المسؤولية العليا ومن الضروري أن يتم في كافة المواقع على اختلاف درجاتها.
ونختتم هذا التحقيق بالقول: إنها قضية تستحق الوقوف عندها , وما ذكرناه في سياق التحقيق يستند إلى وقائع ووثائق ومراسلات (كلها معنا), وإلى قناعاتنا الوجدانية والأخلاقية, وإلى حرصنا الشديد على مصلحة الناس والمصلحة العامة على حد سواء.
هيثم يحيى محمد
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد