أحياء دمشق (المخالفة) بين آمال السكان وعشوائية الخدمات
تتوزع مناطق السكن العشوائي (وفق التسمية الرسمية) على عدة مناطق في دمشق، فمن المهاجرين إلى ركن الدين مروراً ببعض أطراف المزة وصولاً إلى وادي المشاريع في منطقة دمر.. الخ. ومن المعروف أن أغلبية سكان هذه الأحياء (العشوائية) من أصحاب الدخل المحدود، وفي حين تكتفي المحافظة ووزارة الإسكان باللوم والتقريع وإبداء الانزعاج من هذه الظاهرة (العشوائية)، فإن معاناة سكان هذه المناطق أمر واقع لا مناص منه..
- تمتد الأسلاك الواصلة للكهرباء على جدران بيوتهم وفوق أسطحها وأحياناً تلاصق الشرفات، وفي كثير من الأحيان يمكن للأطفال (إن شاؤوا) الوصول إليها برفع أيديهم فقط! تقول أم عبدو (من سكان ركن الدين ـ كيكية) «نقلق من الجلوس على شرفات منازلنا لشدة اقتراب (أشرطة) الكهرباء منها، لقد انصهرت المادة العازلة عن هذه الكابلات القديمة وكلما تقدمنا بشكوى حول الموضوع جاءنا الجواب بعيداً عن المشكلة فدائماً يقولون لنا: إن منطقتكم منطقة سكن عشوائي والمادة العازلة انصهرت لأن بعضكم يسرق الكهرباء!»، وتضيف أم عبدو: «ما ذنبنا وقد كتب علينا السكن في هذا الحي، وما ذنبنا إذا قام بعض المستهترين بسرقة الكهرباء؟!
وكأن المسؤولين نسوا أن المال (الداشر) يعلم الحرامي السرقة، لماذا لا يقومون بحماية هذه الكابلات من السرقة عبر رفعها بعيداً عن متناول الأيدي وإبعادها عن الشرفات والأطفال، أو تمديدها تحت الأرض، أو استبدالها بأخرى لا تنصهر عوازلها ولا يمكن للعابثين استغلالها؟!»..
فجأةً تنقطع الكهرباء والسبب أن أحد الأسلاك الموصلة انقطع لسبب أو لآخر، يقول عبد الرحمن (صاحب محل في المهاجرين): «تزورنا هذه الظاهرة كل صيف، خاصةً حين يشتد الحر ويلجأ الناس إلى تشغيل مكيفاتهم ذات الأطنان هرباً من القيظ، لكن (جاءت الحزينة لتفرح فلم تجد لنفسها مطرح)، إذ ما أن نشغل المكيف حتى تنقطع الكهرباء لماذا؟ لأن الكابلات لا تحتمل السحب الكبير حسب ما يقول لنا رجال الطوارئ، ودائماً يقومون (مشكورين) بإصلاح الخلل عبر ترقيع النقطة الذائبة دون العمل على إنهاء الخلل من جذوره وتبديل الكابلات القديمة، وكأننا (ما بنستاهل) أن يغيروا لنا الكابلات، لكوننا، حسب قول المسؤولين: نسكن في بيوت مخالفة! فمن ينصفنا؟!»
- تكاد مشاكل المناطق المصنفة بأنها عشوائية لا تنتهي، فبعيداً عن مشاكل الكهرباء تغسل شوارع هذه المناطق وجهها صباح كل يوم بساقية من المياه الآسنة المتسربة من أحد مجارير الصرف الصحي المتآكلة نتيجة الإهمال (أو الكثافة السكانية المتزايدة حسب الجهات المختصة) يقول أبو نضال (عامل تنظيفات في حي العفيف): «في الشتاء عندما يهطل المطر نقول أمر اللـه أن تجري السيول حاملة معها مختلف أنواع الأتربة من الجبل الخالي من الشجر، ولا أخفيك أن المطر يساعدنا على تنظيف قاذورات الأحياء السكنية الكثيفة فوق (يقصد سفوح قاسيون)، أما في الصيف فإن الأمر مزعج حقاً بالنسبة لي شخصياً فما بالك بسكان المنطقة، إذ لا يمر يوم دون تسريب مياه من أحد الريغارات المفتوحة، وبطبيعة الحال فإن تسرب الماء في الجادة السادسة من المهاجرين مثلاً كفيل بإيصال مياه السيل الآسنة إلى الجسر الأبيض على اعتبار أن منطقة التسريب مرتفعة، وعلى هذا المقياس يمكنك تخيل المشكلة!»..
- ودفعنا حديثنا مع أبي نضال إلى السؤال عن تصريف القمامة في هذه المناطق (العشوائية) لتؤكد لنا المشاهدة امتلاء الزوايا بالقاذورات دون خجل، والسبب هنا ليس تلكؤ عمال النظافة بل ضعف تخديم المناطق بسيارات جمع القمامة (ولاسيما الأحياء المرتفعة منها)، ما يؤدي إلى فوضى في مواعيد رمي القمامة وإزالتها من الحاويات التي أخذت في المزة والمهاجرين وركن الدين شكل براميل بدل الحاويات الخضراء الكبيرة في المناطق الأخرى من المدينة، وطبعاً ما من داع للإشارة إلى ما يمكن لهذه القاذورات المتراكمة والمكشوفة أن تسببه من آثار بيئية وصحية خطيرة على السكان!
يقول أبو بهجت (من سكان المهاجرين): «لا دخل لي بالمحافظة أو البلدية، لكنني آثرت الجلوس صباحاً على عتبة البيت لمراقبة السكان حين يرمون النفايات في البرميل، ولي في كل يوم مشادة كلامية مع أحدهم، فمنهم من يتأخر في نومه فيؤجل رمي القمامة حتى إشعار آخر، ومنهم من يرميها دون كيس، وصحيح أن السكان يتحملون جزءاً من التقصير في هذا الصدد، إلا أن الجهات المختصة (قلبها بارد أيضاً) فما المانع من فرض الغرامات على المخالفين في رمي القمامة؟ وما المانع من إعادة استخدام (الحمير) بدل السيارات في هذه الأماكن المرتفعة، صدقني كانت الحارة زمان استخدام (الحمار) أنظف منها اليوم!»..
ربما كانت تلك الأيام التي ترحم عليها أبو بهجت أكثر نظافةً من هذه الأيام، إذ يرجع السبب إلى الزيادة الهائلة في أعداد سكان هذه المناطق، وتأتي هذه الزيادات نتيجة طبيعية لأزمات السكن وتضاؤل فرص العمل التي من المفترض أن تساهم في تسهيل حصول الشباب على بيوت صحية (نظامية) في أماكن أخرى غير هذه الأماكن (المخالفة أو العشوائية) لكن يبقى لسكان الأحياء هذه الأمل بأن تحل مشاكلهم وتشطب أسماء أحيائهم عن قائمة (العشوائيات) الأكثر إيلاماً لهم، ولنا.
وسيم الدهان
المصدر: الوطن السورية
التعليقات
ماذا بشأن عشوائيات المدخل الجنوبي
السؤال موجه الى سيادة المحافظ والى
إضافة تعليق جديد