مشروع قانون لكفالة الأجهزة الكهربائية ينهي الكفالات الخلبية
ليس بعيداً عنّا: نقلت صحيفة تركية مؤخراً أنّ مواطناً لم يستطع تحمل معاناته التي استمرت على مدار أعوام مع المسؤولين عن قسم «خدمة ما بعد البيع» في شركة كان قد اشترى منها غسالتين، ولذلك قرر التعبير عن احتجاجه وغضبه بطريقة فريدة من نوعها.
وقالت صحيفة «بوستا»التركية، إن الرجل، نقل الغسالتين إلى مقر مكتب الصيانة، ثم أضرم النار فيهما على قارعة الطريق باستخدام البنزين.
وأخذ الرجل في الصياح قائلا«هذا يكفي، فلم أعد أشعر بالهدوء في منزلي»وحاول منع المارة من إطفاء الحريق. ووفقا لتقرير الصحيفة فإن خدمة العملاء لم تقدم للرجل حلولا لمشكلاته مع الغسالتين، واكتفت بتقديم الوعود له على مدار خمسة أعوام.
وفي سورية، فإنّ مشهداً جديداً يمكن أن يلفت الأنظار: على مدخل الصيانة في إحدى وكالات السيارات، يقف رجل ضخم مفتول العضلات يسمّى (البدي غارد)، بدأت وظيفة هذا الرجل مع بداية العام الحالي. ومهمته ليست مرافقة صاحب الشركة ولا حراسة الشركة ليلاً أو بعد انتهاء الدوام.
يقف هذا (البدي غارد( لحماية موظفي قسم الصيانة وخدمة العملاء من هجمات وانفعالات الزبائن، منذ تلك الحادثة التي خرج فيها صاحب إحدى السيارات الداخلة للصيانة عن طوره، وبدأ السباب والشتائم واشتبك مع العاملين في مركز الصيانة، الأمر الذي استدعى حضور الشرطة لتنتهي العملية بقضية رفعها الزبون إلى المحكمة، شاكياً اختراق هذه الوكالة لشروط الكفالة.
فهل يستطيع قانون حماية المستهلك الذي نصّ صراحة ولأوّل مرّة على حق الكفالة للمستهلك، وحقّه في التعويض إذا ما اشترى بضاعة مخالفة للشروط والمواصفات، هل يتحقق هذا الهدف اعتباراً من منتصف الشهر الحالي حزيران 2008لا سيما أنّه قادم بقوة القانون وبعقوبات تصل إلى السجن.
ينص القانون في المادة 23: كفل المنتج أو المستورد أو البائع جودة السلعة بعد انتقال ملكيتها الى المستهلك وتلغى الاحكام العقدية المتعارضة مع حق المستهلك بالكفالة بما في ذلك خدمات الصيانة...وكذلك التزاماتهم في حال اكتشاف عيب لاحقا وله الحق باستشارة غرف التجارة أو الصناعة أو السياحة او اتحاد الحرفيين أو جمعية حماية المستهلك أو أية جمعية مختصة بهذا الخصوص. كذلك، فعلى كل مستورد أو منتج أو بائع أو موزع وفقاً للمادة التي تليها أن يضمن للمستهلك خدمات الصيانة للمنتج الذي يتطلب ذلك بعد حصول البيع مع مراعاة الانظمة النافذة بهذا الشأن بما في ذلك تطبيق اشتراطات السلامة العامة للمنتج والمواصفة الخاصة به.
إضافة إلى حق المستهلك في أنّ يعوضه المنتج عن المنتَج الذي ثبت عدم صلاحيته للاستعمال المخصص له، وكذلك يعوض مقدم الخدمة للمستهلك عن الخدمة التي ثبت عدم تحقيقها للغاية التي قدمت من أجلها وذلك اما بالتبديل وإما اعادة القيمة حسب رغبة المستهلك.
ورغم أن وزير الاقتصاد قد ألغى رسمياً مفاعيل عبارة (البضاعة التي تباع لا ترد ولا تبدل) أواخر العام الماضي، منذ أن أصدر تعميماً وطلب فيه تجنب استخدام أمثال هذه العبارات والتي اعتبرها مسبباً لإضعاف الثقة بين الزبون من جهة والتاجر أو الصناعي.
من جهة اخرى، فإنّ عبارة «نهيب»و «نؤكّد»التي تضمّنها التعميم لا يعتبرها أحد أصحاب المحلات في دمشق ملزمة، غير أنّها تحوّلت إلى ملزمة ـ كما يقول د. عبد اللطيف بارودي مدير الشؤون الفنية في وزراة الاقتصاد والتجارة مع صدور قانون حماية المستهلك، والذي تقع مسؤولية تنفيذه على كافة الوزارات كما يقول.
وفي الوقت ذاته فقط أصبح سوق الكهرباء في دمشق على سبيل المثال معرضاً ضخماً لمنتجات كهربائية، اختلطت فيها لعبة شهادات المنشأ، بحيث لم يعد المشتري يعرف مصدر هذا الجهاز أو ذاك، وأصبح البائع يعلنها صراحة، أنّ هذه المنتجات غير مكفولة، لدرجة أنّ وزارة الكهرباء اشتكت أكثر من مرّة من فوضى الأجهزة الكهربائية، والتي تعتبر وكراً لأجهزة تعمل وفقاً لاستجرار كهربائي كبير يخالف خطة الترشيد التي تسعى إليها، كما يخالف الشروط والمواصفات وخاصّة في مجال المكيفات والسخّانات، ما جعل نائب رئيس مجلس الاعمال السوري الصيني صفوان عرفة يصرّح بأنّ ثمة إساءة للمنتجات الصينية من خلال الكثير من المنتجات المخالفة للمواصفات والتي يزعم أصحابها أنها صينية بينما هي ليست كذلك.
بكل الأحوال، فإنّ قانون حماية المستهلك يتكامل مع مشروع لقانون أعدّته وزارة الكهرباء باسم قانون (كفاءة الأجهزة الكهربائية)، حيث يصبح من الممنوع على أي جهاز كهربائي، أن يخضع للبيع والشراء في سورية أو يسمح باستيراده مالم يخضع لفحص واختبار وزارة الكهرباء، ويحصل على لصاقة تضمن كفاءته.في هذا الوقت، مازالت الكفالات الخلّبية تنتشر حتى لدى الشركات التي تزعم الحفاظ على سمعتها، فبعضها إمّا أن يكتفي بكفالة شفهية وإما الاعتماد على ورقة كفالة مطبوعة وغير موقّعة وغير مختومة.
ورغم أن الشركات ترفع شعار «الزبون دائماً على حق»لإرضاء الزبائن، حتى ولو كان الزبون يحاول خداع الشركة بادعاء أن الخطأ أو العطل هو من أصل التصنيع، تبقى الشركات السورية التي تقدّم الكفالة ملتزمة بشروط متشابهة أصبحت هي ذاتها محل اختلاف(عدم تعرّض الجهاز للإهمال أو سوء الاستعمال، عدم تعرّض الجهاز لتقلبات التيار الكهربائي زيادة أو نقصاناً، وضع الجهاز في مكان ملائم وعدم فتحه لمحاولة صيانته)
«من ناحيتها تلجأ مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد ـ كما يقول مديرها الدكتور أنور علي ـ إلى تلقي الشكاوى عبر مديريات التجارة الداخلية، وتحكيم الخلافات من خلال لجان للخبرة تشارك فيها غرف التجارة والصناعة واتحاد الحرفيين»
وتبقى عبارة «لسنا مسؤولين عن إتلاف القطعة بسبب سوء الاستعمال»هي واحدة من شروط الكفالة التي تعلنها معظم الشركات المصنّعة أو الوكيلة، وتستوي في ذلك شركات:السيارات، الأدوات المنزلية، الألبسة..إلخ.
ولذلك، فإنّ مثل هذه الشروط التي يجري الخلاف حول تفسيرها عن الحاجة إليها هي مادعت خليل ابراهيم (موظف( للتوجّه إلى سوق التهريب الكائن خلف مؤسسة الدواجن في البرامكة لشراء مكواية بخار.
ويرد خليل عن سؤال بأنّه سيخسر الكفالة، حينما يشتري من باعة الطرقات، ولن يجد من يعترف ببضاعته بعد أن يدير ظهره ويختفي خلف مؤسسة الدواجن، بأنّه لا يثق بأية عبارة يقولها أصحاب المحلات أو الوكالات عما يسمونه الكفالة او خدمة مابعد البيع، ويعتبرها «مجرد خديعة لتغرير الزبائن لشراء المنتجات وخاصة المحلية منها».
ومن حكاية الفنان فارس الحلو حين صرّح قبل عامين أنّ حكايته مع إحدى وكالات (الموبايلات)تصلح لأن تكون قصة كوميدية، وقال حينها « لو مثلت ما حدث معي لاتهمت بالتهريج،حين أدخل جهازه الخليوي إلى قسم الصيانة ليعالج من مشكلة بسيطة فخرج لا من تمّه ولامن كمّه»كما قال.
من هذه الحكاية إلى العشرات ممن يكتبون هواجسهم على المواقع الإلكترونية، ويشهّرون بالشركات التي خيبت ظنّهم أثناء المراجعة للسؤال عن الكفالة أو خدمة مابعد البيع.
كل هؤلاء ليسوا سوى بعض مظاهر الحرب الدائرة بين المنتج أو البائع من جهة والمستهلك من جهة أخرى في الأسواق السورية. وربما تكون هذه الحرب ناتجة عن انفتاح الأسواق ودخول مفاهيم الكفالة إلى المواطنين السوريين، الذين «لديهم كثير من هذه المفاهيم الخاطئة عن الكفالة والفرق بينها وبين التأمين»بحسب تصريح لـمدير الصيانة لإحدى ماركات الأجهزة الخليوية، حيث يرى أنّ:«الناس تخلط بين الكفالة والتامين على الأجهزة ـ كما قال ـ وهذا غير موجود في سورية، فهو يقوم على أن تبدل الشركة الجهاز في حال حصول أي حادث له سواء انكسر أو سرق أما الكفالة فهي غير ذلك تماما» وأضاف« الكفالة الآن ليست موضوع ثقة بل هي موضوع تجاري كما أن الفرق بين الجهاز المكفول وغير المكفول، أن المكفول دخل إلى البلد بشكل قانوني فنحن ندفع رسوماً وضرائب عليه أما غير المكفول فهو مهرب».
وكذلك كانت وكالات السيارت بمثل حماس هذا المدير حين قادت حملة إعلانية للتأكيد أن السيارة المستوردة عن طريق الوكيل، هي الأكثر ضماناً وكفالة من تلك المستوردة عبر التجّار ومن غير بلد المنشأ.
ومع ذلك فقد كانت الشكاوى ضد الوكلاء أنفسهم غير متوقفة، (فبسام ق( راجع مركز الصيانة لسيارة صينية اشتراها مؤخراً، وقد كان المكيف )البارد(لا يعمل، وذلك بعد مرور شهر على شرائه السيارة.. صلّحها مركز الصيانة ثم طالبه بالحساب الذي بلغ حسب قوله أكثر من خمسة آلاف ليرة سورية. يقول: «رفضت الدفع وقلت لهم هذا خطأ تصنيعي.. لكنهم أصروا أن الخطأ بسببي أنا.. ومع إصراري على عدم الدفع، حجزوا هويتي التي كانت موجودة لدى المحاسب..».
وابراهيم مشتر لإحدى السيارات من وكيل آخر يقول: «كسر لدي الضوء الخلفي اليميني في السيارة وعندما راجعت الشركة لشراء واحد جديد أصروا أنهم لا يبيعون إلا الزوجين معاً(يميني ويساري(.. وبمبلغ كبير يصل إلى (8) آلاف ليرة سورية» ويضيف«وماذا يلزمني بشراء الضوء الآخر مادام سليماً.. وما معنى هذا الأسلوب الذي يتبعونه»
وماقصة بسام وابراهيم سوى واحدة من الحالات التي تشابه الشكاوى الخمس التي تلقتها دائرة حماية المستهلك في مديرية تجارة ريف دمشق ضد وكلاء السيارات خلال العام 2007 بسبب عدم الالتزام بشروط الكفالة.
ومديرية التجارة الداخلية في ريف دمشق والتي تتبع لها منطقة حرستا حيث تتجمع وكالات وصالات السيارات، حلّت جميع هذه الشكاوى «بطريقة التراضي»كما يقول المدير شفيق العزب. و «سوء التفاهم»هو السائد بين كافة الشكاوى حيث «يختلف المشتري والوكيل أو البائع على شروط الكفالة»كما يقول. ويضرب على ذلك أمثلة: «بعض الشكاوى كانت ضد طعج في كبين السيارة تأخر مشتري السيارة حتى راجع الشركة بخصوصه فلم تعترف به» ويضيف«وهذا يثير الشكوك فعلاً كذلك ففي حالة أخرى ـ كما يقول ـ اعترض أحد مشتري السيارات على البطارية بينما لم تكن مذكورة في شروط الكفالة» ومن حيث شروط دفتر الكفالة ذاته، فإن المضمون متقارب بين مختلف الوكالات، وهي تحديد مدة كفالة السيارة بـ 60 ألف كم أو سنتين. ويضيفون عبارة (أيهما أقرب( وهذه الفترة تفسر لصالح الشركة وليس لصالح الزبون، أي أن الشركة ملتزمة بتصليح أي عطل )سببه سوء الصنع( من الشركة الأم، شريطة أن يظهر في إحدى هاتين الفترتين، وبحسب أسبقية أي منهما ينتهي هذا التعهد.
وفي ظل غياب القانون من قبل فقد كانت بعض الشركات تأخذ على عاتقها إجراء تسويات مباشرة مع الزبائن حين تحصل خلافات على الكفالة من باب الحفاظ على سمعتها:
المهندس أمير حيدر ـ شركة بيروت للأجهزة الإلكترونية مقرها دمشق: الكفالة من سنة لثلاث سنوات، ومن أهم الشروط ألاتتدخل يد اخرى أو شركة أخرى في القطعة المركبة ، وأن تكون ورشتنا هي التي ركبتها...لايوجد لدينا شيء اسمه سوء استعمال لأنّ مع كل قطعة منظماً صغيراً، لكن بعض الحالات مثل المعهد الفندقي في طرطوس، قبل تسليم المعهد بشكل كامل، أحد العمال (طيان( ضرب اشرطة الكهرباء وحرق كاميرتين، وبعد أن بينّا لهم أنه ليس خطأنا، فقد بدّلنا الكاميرتين على حسابنا مع ذلك. - عمر اليافي ـ شركة شبلي واليافي للتجهيزات الغذائية الفندقية والمقاهي والمطاعم: «كفالة لمدة سنة من تاريخ التسليم والقطع متوفرة للمدة أربع أو خمس سنوات ولدينا مستودع لقطع التبديل ونحن مطمئنون لتوفرها نظراً لقدم علاقتنا مع الشركة الأم منذ سبع سنوات..القطع تكون مجانية فقط في حالات الخطأ الصنعي، وإذا حصل إشكال نحلّه ودياً»
- بكري عرابي ـ محل خمس نجوم تجهيزات فنادق ومطاعم«أول ماننتج المكنة نجرّبها لمدة اسبوع للتأكد منها ولذلك نادراً مايكون فيها خطأ صناعي، وإذا حصل خلاف نحلّه بالتراضي، فإذا كانت قطعة صغيرة نبدلها على حسابنا وإن كانت كبيرة مناصفة».
وتزداد المنافسة على إرضاء الزبون بين الشركات المحلية (صنع في سورية(وبين تلك التي تبيع منتجات مستوردة، فهاهو عمار الخيمي ـ مستورد أجهزة منزلية، يعترف أنّ كثيراً من الزبائن يخافون من شراء منتجات ليست مصنّعة محلياً رغم ثقتهم بجودتها، وذلك بحثاً عن الكفالة. الإشكالات حول سوء الاستخدام، تحصل عادة في القطع الكهربائية، وخاصة في حال عدم وجود منظم في منزل المشتري، ويضيف «لدينا مهندس مختص يشرح للمستهلك الأسباب الحقيقية للعطل، وإذا أثبت الزبون العكس فنحن معه»
ويضيف: سياستنا أن نقدم الكثير من الخدمات للصيانة ولو كانت مخترقة للشروط في سبيل الدعاية لاسم الشركة.
ويعتبر أن المنافسة في الكفالة بين القطع المستوردة عن طريق الدول العربية أو الصينية وبين المحلية، مقياسهاوجود مركز صيانة وخدمة مابعد البيع والكفالة الموقّعة.
وهي ذات العلاقة الجدلية بين السيارات المستوردة عبر الوكلاء أو عبر التجّار من غير بلد المنشأ، حيث تقتصر الشروط المفروضة على وكلاء السيارت بحسب مؤسسة التجارة الخارجية عند تسجيل وكالات السيارات بافتتاح مراكز للصيانة وقطع التبديل، إلا أنّ علاقة الوكيل بزبائنه والتزامه بشروط الصيانة والكفالة تحدده علاقته بجهات رقابية أخرى في الدولة كما تحدده علاقته بالشركة الأم والعقد المبرم مع الزبون.
حمود المحمود
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد