الرقة: الدجل بالأعشاب واستثمار الجهل والأمراض
التداوي بالأعشاب أو الطب الشعبي العربي كما يحلو للبعض تسميته.. هذه الظاهرة القديمة الجديدة والتي بدأت تزداد في الفترة الأخيرة .
يرى البعض من أبناء محافظة ادلب أنها مهمة جدا وذات فائدة كبيرة يلجأ إليها البعض قبل الطب العام وان الآباء والأجداد كانوا يستطببون به في حين يرى آخرون بأنها مجرد مسكنات (لا تغني ولا تسمن من جوع) .
أمام استمرار لجوء العديد من المواطنين في محافظة ادلب ممن يعيشون عيشة البساطة وعلى الفطرة وخصوصا في مناطق القرى والأرياف إلى الطب الشعبي للاستطباب من الأمراض المختلفة تبقى حالة الازدحام سمة العلاقة بينه وبين الطب الحديث الذي يعتمد التشخيص والعلاج على أسس علمية دقيقة.
ويعمد الأشخاص الذين يقومون بعملية الطب الشعبي وكما يحلو للبعض ان يطلقوا عليهم اسم الأطباء الشعبيين على الطبيعة يستجدونها الوسائل اللازمة للاستطباب كالأعشاب يغلونها على النار ويصفون شرابها اويجففونها في الشمس ثم يستعملونها، ذرواً فوق الجروح أو على شكل سف بالفم، إضافة للكثير من الوسائل المحلية الأخرى التي تدخل ضمن العلاج الشعبي مثل الكي بالنار والحجامة الى غير ذلك من تجبير الكسور واصابات العظام والمفاصل ، ووفقا للعديد من المواطنين في المحافظة فإن هناك أشخاصا من كلا الجنسين تخصصوا في هذا العمل وراحوا يمارسونه بمهارة وإتقان.
ويطلق الاطباء الشعبيون على مختلف الأمراض أسماء متعارفة بينهم فهم مثلا يطلقون على مرض الزحار الحاد اسم (ابو مزراق ) وعلى مرض التهاب الزائدة الدودية (ابو الحقي) والشلل النصفي في الوجه (أبو الوجوه) والتيفوئيد (النخارة) وعلى داء الحمرة (الحميرة) اما التهاب الطحال فيسمونه(ابوطحيل) الى غير ذلك من الاسماء ، ويشيرون الى ان الناس كانوا لا يذهبون الى الطبيب الا في الحالات الاضطرارية القصوى وعندما يعجز الطبيب الشعبي عن ايجاد الوسائل الكفيلة للمعالجة، موضحين انه عند سؤاله بعض الاطباء الشعبيين عن خواص الاعشاب التي يتعاطاها الناس في طبهم الشعبي وعن قيمتها العلاجية وشيوع تلك المعالجة بين العوام على الرغم من تقدم العلم الحديث قالوا ان معظم العقاقير الطبية المتداولة في الطب الحديث هي في مجموعها مواد نباتية او معدنية او كيماوية وان هذه الاعشاب تحوي عصارات نافعة وبعض الزيوت الطيارة مما يدخل في تركيب معظم الادوية والعقاقير، مبينين أن بعض السكان في فصل الربيع يقطفون هذه الاعشاب وبعض الازهار البرية ويجففونها في الشمس ويحفظونها في اكياس من القماش لكي تتيح للهواء الدخول اليها ولا تتعرض للانحلال والتعفن ليصار فيما بعد لاستخدامها حسب الحاجة وطبيعة المرض.
وحسب محمد المصطفى فان هؤلاء الأشخاص يعالجون نفس حالات الكسر او خلع العظام باستخدام أدوات ووسائل غاية في البساطة، مشيرا إلى أن استخدام هذه الطريقة ذات مرة حيث يبدأ الشخص المعالج بتدليك موقع الكسر باستخدام الماء الفاتر والصابون والملح لإرجاع العضو المصاب إلى موضعه الأصلي ثم يقوم بتحضير الجبيرة والتي يستعمل فيها برش الصابون العادي مع بياض البيض وبعد مزجه جيدا يمده فوق قطعة قماش ناعمة يضعها فوق الكسر وبعد ذلك يأتي بجبائر يصنعها من الخشب حسب القياسات والأطوال المطلوبة فيضعها حول الكسر ومن ثم يثبتها بالضمادات والربط ، منوها إلى أن مزيج البيض والصابون عندما يجف يصبح قاسيا كالجبس الطبي تماما ويمنع العضو المكسور من الحركة حتى يجبر.
إلى ذلك لم تعد بعض الأسواق الشعبية ومحلات العطارة في ادلب وخارجها مجرد محلات وأسواق لبيع البخور والعطور وغيرها من مواد الطهو كالبهارات بعد أن تحولت إلى أسواق ومحلات لتوفير المواد الأولية للدجالين والمشعوذين خصوصا مواد تستخدم في ( تحضير الجان وأعمال السحر واستغلال الجهلاء والعامة في أسوأ صور الاستغلال) ، حسبما أفاد مواطنون.
مقابل ذلك ينفي عدد من أصحاب العطارة في مدينة ادلب بيعهم لهذه المواد مؤكدين وجود طلب على مواد غريبة ومعروف لديهم عدد من المشعوذين والسحرة في المحافظة الذين يستغلون أوجاع الناس وآلامهم وحاجتهم.
حوانيت العطارين رغم ضيقها فهي حسب مالكيها تتسع لحل كل مشاكل الدنيا، وقد زينت بمختلف الأعشاب والدهون، فيما استولت على مداخلها الحيوانات المحنطة ورصت أمامها أقفاص اعتقلت داخلها السلاحف والقنافذ والحرابى والعقارب والأفاعي ... داخل محال العطارة توجد المواد التي توقف الزمن وتربط الماضي بالحاضر، ترجع الغائب وتعجل برحيل المتسلط ،أحاديث كثيرة تسمعها من مواطن طاعن في السن وشاب في مقتبل العمر من كلا الجنسين عن عجائب وغرائب وعن أسماء مواد غريبة لا تنم إلا عن جهل يسيطر على عقول البعض في وقت يعيشون في القرن الواحد والعشرين ومن تلك المسميات (دم العفريت، حجرة جهنم، ثلج ساخن، رأس سلحفاة عاقر، جناح هدهد يتيم، لسان نمر اخرس، عين ثعلب ابيض، بعرة فأرة أرملة، ناب حية بثلاثة رؤوس، وذنب قردة عذراء .. والقائمة تطول).
فهذه سيدة عاقر أرسلها دجال لإحضار مواد خاصة لتمكينها من الإنجاب، وهذا شاب مهووس يبحث عن الذهب والدفائن يريد مواد حسب وصفة شيخ مشعوذ دجال غالبا ما يكون من خارج سورية طاردة الأرواح الشريرة او الرصد الموجود لحراسة كنز ما وآخر يبحث عن الزئبق ليطعمه الدجال للجان للابتعاد عن الكنز المخبأ منذ مئات السنين أو آخر يبحث عن عشبة تشفي من مرض خبيث .
وحول هذه المواد وحقيقة وجودها يقول احد العطارين في محافظة ادلب الذي قضى ما يزيد على 40 عاما في هذه المهنة التي تعلمها على يد أبيه الذي ورثها عن والده وأمضى فيها ما يقارب الـ 70 عاماً، : انا لا ابيع هذه المواد، ولكني على علم بوجود عدد من المشعوذين والدجالين الذين يستغلون حاجة الناس مقابل مبالغ طائلة لان ذلك يدخل في مسألة الحلال والحرام، مضيفا: انه يقوم بعمل تركيبات عديدة تعلمها من والده وتركيبها حسب الطلب وحتى بعض الزبائن يطلبون تركيبات خاصة بهم.
وعن اكثر المواد مبيعا في دكاكين العطارين ولأي الاغراض تستخدم فقال : ( البخور والمواد لمعالجة مرض السكر والربو وغيرها من الامراض التي استوطنت في جسد المواطن الادلبي والزيوت التي تشتريها النساء لاطالة الشعر وتقويته ومواد إزالة الشعر وزيوت اخرى لازالة الام الظهر وغيرها مما تعانيه المرأة في ادلب.
وعن سر هيمنة العنصر النسائي على محال العطارة: لا أخفيك أن مشاكل النساء مرتبطة أساسا بالزواج والطلاق والخوف من العنوسة لذلك فهن يحرقن البخور في اكثر من مناسبة ليطلبن القبول) ، فهذه التبخيرة يقول نفس المصدر تستهدف بالدرجة الأولى الرجال سواء الأزواج أو المبحوث عنهم للاقتران الشرعي بهم ، أو تستهدف كذلك المحافظة على الذين هم على علاقة بنساء خارج إطار الزواج ، وتأتي مشاكل الشغل والبحث عن العمل في المرتبة الثانية بالنسبة لاهتمامات النساء الباحثات عن ( القبول).
فان حرق البخور واستعمالات اشياء اخرى طرق نسائية بدأت المرأة في ادلب باللجوء اليها علانية لتحقيق مآرب غير تلك التي ينشدها الاخرون ، بل لتحقيق أهداف شيطانية فهناك من ترغب في تركيع زوجها ليصبح مطيعا كالحمل الوديع، أما نحن فمجرد باعة لمواد تطلبها منا النساء والرجال استنادا لوصفة الفقيه أو غيره وليس من حقنا أن نرد طلبا. تتم التبخيرة بأعشاب وبمجموعة من الحيوانات لقضاء مآرب قد تكون تحصيل زوج أو خليل أو إبعاد زوج أو ابن أو عن زوجة أو عشيقة أو قصد الخروج من نفق العزوبة والعنوسة وشبح الانتظار أو لتحصيل عمل، فالمهم من عملية الحرق هو جلب المنافع وتجنب المضار بالطريقة التي يراها المبخرون وسيلة لتحقيق أهدافهم، ومن أجل ذلك تزخر محال العطارين بالمواد التي يعتبرونها ناجعة .
وسجلت محلات العطارة في ادلب خلال الآونة الأخيرة انتعاشا ملحوظا وإقبالا كبيرا من المستهلكين على استخدام الوصفات الشعبية في أمور تجميلية واخرى علاجية بحسب السيد محمد شيخ ابراهيم ( ابوجميل ) صاحب مركز التداوي للطب العربي الذي يعمل في هذا المجال منذ خمسة وعشرين عاما، مشيرا الى إقبال السيدات من مختلف الاعمار على شراء الوصفات التجميلية، لافتا الى ان هناك نسبة كبيرة من رواد محله يشترون الوصفات الطبية المخصصة لعلاج السكري والبواسير والقولون و أشار إلى ان عددا بسيطا من زبائنه يطلبون أنواعا غريبة من الأعشاب والبهارات لم يسمع بها من قبل وفي الغالب تكون من ضمن طلبات المشعوذين، ويقول انها تباع بأسعار خيالية.
في هذا الشأن يقول الباحث في التراث اسامة كل إن الأساس في عملية التطبيب أن يجد الإنسان ما ينشده من شفاء نتيجة هذه العملية وعند استعراض تاريخ الطب منذ فجر الحضارة سنلحظ تطورا متسارعا منذ ابقراط حتى هذه اللحظة وكان للعرب حظهم الأوفر في هذا التطور، ابتداء من ثابت بن مرة ومرورا بابن سينا وابن الهيثم وسواهم حتى هذا العصر ، مشيرا إلى أن أكثر العلاجات توفرا في تلك العصور العلاج المركب من الأعشاب والنباتات الطبية دون أن يخالطها عناصر كيماوية فمنذ القدم عرفت الأعشاب الطبية واستخدمها الإنسان ولا يزال ولعل فيها خواص التهدئة وتخفيف الآلام وبعض الأحيان معالجة الأمراض بصورة نهائية.
موضحاً اننا اليوم أمام أسلوبين من العلاج الأول الأسلوب الطبي العلمي الذي يعتمد على الدراسة النظرية للأجسام والأمراض والعلاج وتشخيص ذلك في التطبيق باستخدام الأجهزة الحديثة ثم وصف العلاج الناجع، ومكمن الخطر هنا قد يقع في التشخيص أو وصف العلاج فيكون المريض هو الضحية أو يأتي العلاج الموصوف غير فعال كما تشير النشرات المرفقة للأدوية فتهتز ثقة المرضى بالأطباء والعلاجات فينصرفون إلى بدائل أخرى من منطلق أن( صاحب الحاجة أرعن) والبديل القوي هو الطب الشعبي وهذا هو الأسلوب الثاني.
وللطب الحديث رأيه في هذا المجال و يقول الدكتور عبد الرزاق جراد مدير مستشفى ابن سينا بادلب ان المعتقدات الشعبية لا تزال مسيطرة على المجتمعات الريفية خصوصا في مجال معالجة بعض الأمراض وهذا الامر كما قال يتسبب بحدوث مشاكل صحية وأخطاء طبية المريض في غنى عنها ،واضاف الدكتور جراد ان الامراض تتطلب تشخيصا دقيقا وفحوصات مخبرية للتأكد منها وهذه الأمور ليس من السهل على الشخص الذي يزعم مقدرته على علاج الأمراض من التمكن منها دون دراسة وتأهيل.
ويلفت الى انه حتى بعض الأعشاب التي يتعاطاها الناس بهدف علاج بعض الامراض والتخفيف من الالام نظرا لقناعتهم بان معظم العقاقير الطبية مستخلصة من الاعشاب الطبية قد يكون لها اثار جانبية خطيرة.
مؤكدا ان استخدام الاعشاب الطبية في العقاقير يتم ضمن تراكيب ونسب معينة وتحت اشراف خبراء ومختصين في علم الدواء.
في غضون ذلك قال الصيدلاني عبيدة قطيع المختص بإدارة النظم الصحية والذي يشغل رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة ادلب إن قرارات وزارة الصحة تمنع تحت طائلة المسؤولية ممارسة مهنة طبابة الأعشاب دون اختصاص مسجل أصولاً في الوزارة وكذلك تصنيع الأعشاب الطبية دون ترخيص، مشيراً إلى ان نظام وزارة الصحة لا يوجد فيه ما يشير إلى ما يسمى بالطب الشعبي ومؤكداً ان مديرية الصحة بالتعاون مع مديرية التجارة الداخلية وبتوجيه من وزارة الصحة تم ضبط العديد من المستحضرات العشبية الدخيلة الى القطر بشكل غير نظامي والمتواجدة في احد المحال في مدينة ادلب.
واشار انه مازال بعض المواطنين يقع ضحية لبعض الإعلانات المروجة لمستحضرات نباتية أو خلطات عشبية غير مرخصة أو غير مسجلة في وزارة الصحة وقد امتدت ظاهرة الترويج غير المنضبط إلى بعض المحطات الفضائية .
واضاف ، لقد اصدر السيد وزير الصحة القرار التنظيمي رقم 13 / ت لعام 2005 الناظم للمعالجات الفيزيائية والغذائية والعشبية والتجميلية والجلدية وقد تم حصر هذه المعالجات جميعها بذوي المهن الصحية المرخصة أصولاً .
وقال: ان تعاميم وزارة الصحة بخصوص سحب بعض المستحضرات النباتية غير المرخصة او الخلطات العشبية والطبية غير المسجلة أصولاً فاعلة دوما حيث يتم التعميم على نقابة صيادلة سورية ووزارتي الصناعة والاقتصاد ويطلب منهما التعميم على جميع الفروع والمديريات في المحافظات لسحب مثل هذه المستحضرات المخالفة ان وجدت.
من جانبه الصيدلاني رضوان دهنه أمين سر نقابة صيادلة ادلب قال: انه يفترض فيمن يمارس مهنة العطارة ان يكون خبيرا في مجال مهنته ولا يسمح لأي شخص لا يملك الخبرة أن يمارس هذه المهنة.
هذا وكان عدد من المرضى الذين اتجهوا إلى هذه الوصفات قد دفعوا مبالغ كبيرة في شراء بعض الوصفات الشعبية التي يدعي بعض مروجيها أنها تشفي من المرض لكنهم لم يحصلوا على النتائج المرجوة من الوصفة بل في كثير من الحالات تفاقمت حالتهم الصحية.
الى ذلك اشتكى عدد من العطارين من سموهم بالدخلاء والغشاشين على المهنة وأنصاف متعلمين وفاقدي الخبرة كونها كأي مهنة أخرى.
ومن أجل هذا كله يزدحم الناس هذه الأيام على محال العطارين والتداوي بالأعشاب بحثا عن أعشاب وبقايا حيوانات وعن أشياء لم يؤمنها لهم مجتمعهم على المستوى الثقافي والنفسي والمادي وخاصة تلك الأعشاب التي تبيض الوجه ليلة الخميس التي بات الرجال يهربون منها لأنها تكشف المستور فيهم ، وإلى أن يتم ذلك سيظل جزء من الادالبة يبحثون لاهثين وراء خيوط الدخان مطية لتحقيق الأحلام والأوهام .
علام العبد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد