عملية الثأر الفلسطينية تربك الإسرائيليين

08-03-2008

عملية الثأر الفلسطينية تربك الإسرائيليين

دفعت الفرحة التي أثارها في نفوس الفلسطينيين والعرب نجاح الاستشهادي علاء هشام ابو دهيم في اقتحام «القلب النابض» لأيديولوجية التطرف والعنصرية الصهيونية في القدس الغربية المحتلة، إلى تعميق الأسى في نفوس الإسرائيليين. فقد أظهرت هذه العملية طبيعة «الأواني المستطرقة»، في علاقة الفرح والحزن بين إسرائيل والعرب. فهي تفرح لحزننا، بقدر ما نفرح لحزنها والعكس صحيح.
ولا يختلف اثنان حول حقيقة أن ما زرعته إسرائيل في غزة والضفة الغربية ولبنان وكل مكان، تضطر لجني ثماره في القدس وتل أبيب وباقي الأرض المحتلة، وربما في أماكن أخرى. كما لا يختلف أحد حول أن مقدار الفرح والحزن بشأن عملية القدس، في العلاقة الإسرائيلية العربية، مرتبط إلى حد كبير بالحالة التي كان عليها كل طرف عند وقوعها.
ففي غزة والضفة سالت الدماء البريئة والمقاومة مدرارا وبلغت العنجهية الإسرائيلية ذروتها في العربدة الجوية والاغتيالية في سوريا، مما عزز الشعور بالحزن في الجانب العربي. وفي المقابل، كان الهوس لتكبيد العرب والفلسطينيين أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والممتلكات وسياسة «قطع اليد» التي ترفع في وجه إسرائيل، يفرح الجمهور في الدولة العبرية. لكن هذا المزاج تغير بعملية واحدة، برهنت أن الفرح الإسرائيلي ليس دائما وأن بالوسع تخريبه في الصميم.
وتميزت عملية القدس بأهميتها، كونها أتت في زمن مشحون إلى أبعد حد، فأظهرت أن المعادلات القائمة في اللحظة السياسية المحددة هشة إلى أبعد الحدود. فالقدرات النارية الإسرائيلية والدعم السياسي الدولي للدولة العبرية، لا يكفل تحقيق الأمن لمواطنيها. كما أن ضعف أدوات الرد العربية، سياسيا وعسكريا ومعنويا، ليس ضمانة لعدم تعديل ميزان الدم بين الطرفين.
على أن عملية القدس هي، في نظر الإسرائيليين، من النوع الذي لا يمكن منعه. فالاستشهادي أبو دهيم ليس من الصنف الذي تنطبق عليه المواصفات الإسرائيلية لـ«الإرهابي». فهو من «المحظيين» ببطاقة الهوية الزرقاء ممن يقيمون في القدس ويستطيعون الحركة. كما أنه من دون «سوابق أمنية» ولم يعرف عنه انتماؤه لأي من المنظمات أو التيارات «المتطرفة». وهو بالتالي يشبه كثرا من «الناس العاديين» الذين يصعب الارتياب بهم والذين يشكلون غالبية من يحملون «بطاقة الهوية الزرقاء»، سواء للمقيمين في القدس أو لحملة الجنسية الإسرائيلية من فلسطينيي الـ.48
ويعجز الإسرائيلي، في الغالب، عن فهم أن مشاعر الفلسطيني لا ترتبط بلون بطاقة الهوية التي يحملها، وأن مشاهد القتل التي تفنن بها الإسرائيليون مؤخرا، تحرك حتى البعيدين عن الســـاحة. وكل ما يتطلبه الأمر من أمثال الشهيد أبو دهيم هو «أدوات الانتقام».
واندفعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية للبحث في سؤال مركزي: هل الشهيد أبو دهيم عمل لوحده أم أنه كان جزءا من تنظيم أو مجموعة أوسع؟ واعتبرت أن معرفة الجواب على هذا الســؤال ستـحدد طبيعة رد الفعــل. ومــن البديهي أن أبو دهــيم، كشــخص، لن
يكون قادرا على أن يصحو فجأة من نومه فيجد نفسه مدرباً على استخدام رشاش كلاشنكوف ومسدس وأن يجيد استخدام السلاح بنجاعة. فقد دخل أبو دهيم المدرسة وهو يحمل في صندوق رشاشاً ومسدسين وما لا يقل عن مئات الطلقات المعبأة في «خزنات». ولا ريب أن أداءه في التخطيط والتنفيذ، عبّر عن درجة من الاحتراف لا تتأتى بطريق الصدفة.
وتراجعت حركة حماس عن إعلان مسؤوليتها عن العملية. وقال مدير إذاعة الأقصى التابعة للحركة إبراهيم ضاهر إن محطته بثت إعلانا عن المسؤولية سابقاً لأوانه، بناء على معلومات متضاربة.
وذكرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلى أن تحقيقات جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) تتجه إلى أن منفذ العملية تم تجنيده قبل 10 أيام على أيدي جهات «تابعة أو تمول» من «حزب الله». ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مصادر أمنية إسرائيلية إن المجموعتين اللتين تبنتا العملية، وهما «كتائب أحرار الجليل ـ مجموعة الشهيد مغنية وشهداء غزة»، و»جيش البشائر» وهو أحد فروع «كتائب شهداء الأقصى»، مرتبطتان بحزب الله.
وأربكت عملية القدس ليس فقط الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية، وإنما أيضا الإدارة الأميركية. وقد يذهب البعض إلى إضفاء طابع أهمية إقليمية على هذه العملية، إن لم يكن بسبب تداعياتها فعلى الأقل بسبب توقيتها. فليست هناك أمام الحكومة الإسرائيلية جهة يمكن الرد عليها بسرعة كبيرة. بل إن وقوع بيت الشهيد ضمن دائرة القانون الإسرائيلي، وليس ضمن الإدارة العسكرية، حال دون المسارعة إلى تدميره كما جرت العادة في حالات سابقة.
وقال وزير الامن الاسرائيلي آفي ديختر «يتعين ان نجد وسيلة قانونية وشرعية لأن نطرد الى رام الله القلة من الفلسطينيين العرب في القدس الشرقية الذين يختارون مساعدة الارهاب والمشاركة فيه».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...