25 ألف مشرد سوري في ريف دمشق وبعضهم يموت جوعاً
في أحد هذه المخيمات: طفلة توفيت الشهر الماضي بسبب «الجوع» هكذا بكل بساطة..
وطفلة اخرى سترون صورتها لاحقاً تعاني من نقص في التغذية وتحتاج يومياً لخبز من نوع خاص لتعويض النقص، ورغم إلحاح الأطباء فإن الأب لايستطيع تأمينه لأن الـ 100 ليرة التي يتطلبها هذا الخبز هي غالباً دخل الأسرة بكاملها..
طفلة أخرى لديها ورم في قدمها يحتاج لاستئصال خلال شهر على الأكثر ـ كان هذا التشخيص الطبي قبل عام ـ لأن إهمال حالتها ـ بحسب الأطباء ـ سيؤدي الى «ضرب» شرايين الساق كاملة وهي منذ عام لاتزال تنتظر فرج الله على والدها..
أيضاً ستتعرفون على الأطفال الذين تركوا المدارس القريبة من مخيماتهم لسبب مشترك في جميع المخيمات (زملاؤهم من سكان المنطقة الأصليين ينادونهم يانور..)
وستتعرفون أيضاً في متابعتنا اللاحقة للموضوع إحصاء أجريناه عن آخر مرة تناول فيها هؤلاء اللاجئون «اللحم»..
وقبل البدء أجدني مضطراً للتذكير بمعلومتين وهما مجرد عينة: الأولى: سمعت ذات مرة من الدكتور توفيق رمضان البوطي ان احد مساجد مدينة دمشق (وأنا أعرفه) فيه ثريا قيمتها خمسة ملايين ليرة سورية.. والثانية شركة سورية سجلت قبل عامين اسمها في كتاب غينيس للأرقام القياسية كصانعة أكبر قطعة كاتو في العالم (علماً ان اختصاصها هو الاتصالات) وقد قدر أحد الاقتصاديين تكلفة (صناعة القالب+ حفلة ميشوشو+ حفلة الفنانة أصالة+ استدعاء وفد غينيس وتسجيل هذا الانجاز) بملايين (الدولارات) وليس الليرات..!!
ملاحظة: كل حالة تحدثنا عنها موجودة شخصياً وبالوثائق، فمن يود من أهل الخير أو السادة المسؤولين (حين يجدون وقتاً للنزول الى هذه المخيمات بعد مؤتمرات الخمس نجوم.. ) فنحن بانتظارهم..
وفقاً للوثائق التي بين أيدينا فإن مايقرب من /100/ ألف فلاح «كانوا» يسكنون المناطق المحيطة بناحية مسكنة في ريف حلب، غمرت أراضيهم الزراعية بين عامي 1988 و1990 حين أنشئ سد تشرين على نهر الفرات لمزيد من «خدمة الزراعة والمزارعين».. وأيضاً وفقاً للوثائق فإن تعويضات الدولة شملت حوالي /50/ ألف مزارع منهم بينما انتشر الـ 50 ألفاً الآخرون في أرجاء سورية منذ 18 عاماً انتظاراً لتعويض الدولة، حيث عوض هؤلاء فقط بعدد من أكياس الاسمنت وكمية من الحديد لبناء «مسكن»، لكن معظمهم لم يستطع بناء المسكن ـ كما أفادوا لنا ـ إذ مازالوا منذ ساعتها يلهثون وراء لقمة «الخبز» كما أن من استطاع البناء لم يستطع كسوته حتى اللحظة..!
ونحن إذ «مللنا» كصحفيين من الكتابة عن حقوق هؤلاء الفلاحين المهجرين والذين لم يعوضوا عن أراضيهم، فنحن نلقي الضوء لأول مرة على حياتهم في أماكن لجوئهم، حيث انتقلوا من حياة كانوا فيها مالكين لأراضٍ زراعية على نهر الفرات كانت تضعهم في مصاف حياة «العز» الى حياة المخيمات التي صنعت من الخيش، وليتحول رجالهم الى «عتالين» ونساؤهم الى عاملات وخادمات للشطف والتنظيف في المنازل. وأطفالهم الى نباشين في حاويات النفايات بل عتالين أيضاً..
بحسب الوثائق التي بين أيدينا فإن (25) ألف فلاح من هؤلاء المغمورين لجؤوا مع عائلاتهم الى دمشق وريفها بحثاً عن الرزق منذ ذلك التاريخ حيث يسكن قسم منهم في البنايات التي مازالت قيد الإكساء في (جرمانا ـ صحنايا..) ويستقر القسم الأكبر في مخيمات (صحنايا، الغوطة، عربين، عين ترما، أوتايا..)
وفيما ينتشر الرجال منذ السادسة صباحاً في جميع الساحات العامة في دمشق انتظاراً لصاحب سيارة يشير بيده ليهرع الجميع نحوه أملاً في يوم عمل حتى ان احدهم يتندر: « كان أحدهم يحك رأسه ذات مرة فظننا أنه ينادينا فهرعنا..!!
نحن الآن في ساحة جرمانا.. عشرات الشباب يتوزعون هنا وهناك كالمتحفزين لسباقات الجري.. فجأة يركض الجميع في أحد الاتجاهات:
إما سيارة معلم يبحث عن عمال للتحميل أو أن أحد أصحاب البنايات أو المحلات المجاورة للساحة يطردهم للمرة المئة في اليوم الواحد!!
معدل أجرة الشخص في اليوم ـ بحسب ما أفادونا ـ تتراوح بين 100 ـ 200 ليرة أو لاشيء بحسب التوفيق وحركة الشغل كما يقولون لنا، وقد يستمر هذا الـ «لاشيء» عدة أيام مع ملاحظة أن اجرة هذا العامل هي في معظم الحالات الدخل اليومي لأسرة بكاملها لايقل عدد أفرادها عن (7) أو (10) أشخاص!
ـ أحمد الحسن يقول: أرسلت أسرتي الى أقاربي في القرية، وأنا أعمل هنا فقط لأعيش.. وفي كثير من الأيام يكون غدائي وعشائي (خبز وشاي) فقط، وهو يتذكر بألم ماكان فيه أهله من رخاء قبل سنوات قبل ان يبتلع أراضيهم إنجاز هذا السد.
ـ احمد المصطفى يقول عائلتنا (35) شخصاً وبعد عمر أراضينا عوضتنا الدولة فقط بـ 13 دونماً لاتكفي لشخص واحد بينما كل واحد من هذه العائلة لديه بين (4 ـ 6) أولاد.. ولذلك فقد لجأنا الى هنا منذ عام 1995 بحثاً عن الرزق، والآن الجميع يعمل في العتالة أو الحراسة أو ما شابه بمن فيهم والدي الذي غمره (75) سنة.
عريس منذ عشرة أيام
أحد الواقفين في هذه الساحة عريس متزوج منذ عشرة أيام فقط في قريته التي تبعد حوالي الـ (500) كم من هنا والآن يقضي شهر عسله في سكنه الذي هو غرفة من البلوك ضمن بناية على العظم قرب البلدية.. نرافقه إليها:
يحدثنا العريس عبد الله أنه سارع للعودة الى الشام بعد اسبوع واحد من زواجه لأنه لايستطيع ان يتعطل عن العمل أكثر من ذلك خاصة أنه تزوج بالدين وبمبلغ يقترب من الـ 150 ألف ليرة سورية ، كما أنه يعيش وعروسته على أجره اليومي فإذا مااستمر في العطلة استمر بالدين..
جلسنا مع العريس الجديد وعروسته: العريس يذهب الى الساحات بحثاً عن العمل من السادسة صباحاً ولايعود قبل منتصف الليل في بعض الأحيان.. تقول العروس: أحياناً يرجع بـ 50 ليرة وأحياناً بـ 100 وهكذا.
يحمد الله العروسان أن صاحب البناية سمح لهما بالسكن مقابل سقايتها وتنظيفها و حراستها مع جميع موجودتها على ان يتحملا غرامة أي شيء يفقد، إلا أنهما في الوقت ذاته معرضان للطرد في أية لحظة تباع فيها الشقة.
نسأل العروس عن عمرها «لاتعرف» لأنني أمية مع أنني أحب المدرسة العريس (29 سنة) عبد الله وعروسته اتفقا على عدم انجاب الأولاد حتى يوفون ديونهم وتتحسن الأحوال.. تقول العروس: طلبت منه أن يسمح لي بالعمل كي اساعده على الديون فلم يقبل.. عبد الله بحدة:
هل ستعملين في تنظيف بيوت الناس وشطف أدراجهم؟! العروس: لا.. يمكن أن أعمل في جمع الفول..
سألت العروس: بصراحة، هل كنت تتمنين عريساً ككل البنات عنده بيت وسيارة؟ تجيب: أكيد، لكن هذا نصيبي.
والآن في ساحة السيوف حيث العشرات هنا وهناك، حيث كان اللافت أن أحدهم كان يتألم من ظهره بشدة، دفعنا ذلك لسؤاله وسؤالهم لنكتشف أن بين مايقرب من الخمسين شخصاً المتجمعين كان حوالي الثلاثين منهم مصابين بالديسك وفقاً لصور شعاعية وتقارير طبية (ولدينا كثيرمنها) ولسبب عملهم في التحميل ونقل الحجارة والحفر وماشابه، كما أن المشترك بينهم أيضاً هو استمرارهم جميعاً في العمل رغم تحذيرات الأطباء إلا من أقعده المرض.
ـ أبو عبد الله: كم عمره (لايعرف) قالوا لنا: 45 سنة مصاب بالديسك ولديه أربعة أولاد وهو منذ عشرة أيام لم يوفق في أي عمل أي (ولاليرة).
ـ حسن: كانت لدينا أراض كبيرة والآن انا وجميع أقاربي الذي يصلون الى 400 شخص نعمل كعتالين هنا وهناك في دمشق.
ـ أحياناً نضطر للذهاب الى قريتنا الأصلية للتعزية بمتوفى أو زيارة مريض فنستدين أجرة الطريق ومصاريف السفر ونبقى مدة (5 ـ 6) أشهر حتى نستطيع تسديدها!
ـ أحمد الرداد: أولادي تركوا المدرسة لعدم قدرتنا على المصاريف ولعدم استقرارنا في مكان محدد.
ـ ابراهيم الجاسم: عندي /10/ أولاد جميعهم في المدرسة وأكبرهم في البكالوريا نسأله عن تكاليفهم يقول: بالنسبة للباس والاحذية فأنا ألتقطه لهم من الشوارع وحاويات القمامة، ومادام التعليم مجانياً فسنحاول الاستمرار.. بالنسبة لطالب البكالوريا.. سنجعله يترك المدرسة بعد نجاحه فيها ليساعدنا في العمل ولعدم قدرتنا على مصاريف الجامعات.
متخلف عن العسكرية
جاسم: عمري 21سنة وأنا مشرد هنا وأعمل منذ 9سنوات حيث كان عمري 12سنة لم ولن أفكر بالزواج ولم أخدم العسكرية لأنني إذا تركت أهلي الذين لامعيل لهم غير الله وأنا فسيموتون جوعاً لأن والدي ووالدتي غير قادرين على العمل وكذلك اخوتي الصغار..
وهو منذ سنين لم ير والده ووالدته لأنه يخاف إذا ذهب الى قريته أن تمسكه الشرطة وتسوقه الى العسكرية.
البنتاغون!!
بعض هؤلاء الواقفين في ساحتي جرمانا الرئيستين يسكنون وعائلاتهم ضمن بناء على الهيكل هو مشروع البلدية، تعارفوا على تسميته بـ«البنتاغون» وطبعاً معظمهم لايعرف معنى هذه الكلمة غير أنهم يتداولونها من باب التندّر..
في هذا البنتاغون تسكن إحدى وعشرون عائلة مع أطفالهم جميعاً، وبما أنه بناء على الهيكل ويرتفع لعدة طوابق فلم يكن مفاجئاً بالنسبة لهم أن يسقط أحد أطفالهم ويلقى حتفه بسبب الأدراج التي مازالت على الهيكل!
أهل الطفل رحلوا الى منطقة أخرى في ريف دمشق ليسكنوا المخيمات مستغنين بعد ذلك عن هذه السكنة الحضارية في سبيل حماية بقية أطفالهم.
الحجة التي هي كبيرتهم سناً تبقى مهمتها حراسة الأطفال في هذا المجتمع وتبقى على أعصابها كما تقول.
ـ ندخل الى غرفة ابراهيم؛ زوجته بنت المدينة من دمشق تعرّف عليها في العسكرية.. تقبّلت وضعه لأنها من عائلة فقيرة أيضاً.. لكنها وكما يقول ابراهيم: حردت قبل أيام تريد تلفزيون.. ثم عادت دون أن تحقق حلمها.
ابراهيم لديه طفلة عمرها سنتان ونصف اسمها «غاردينيا» كيف اختار اسمها؟ يقول: مرّة حضرت مسلسلاً عند الجيران كان بهذا العنوان فأحببت الاسم وقيل لي إن معناه «وردة»..
غاردينيا تعاني منذ عام من وجود تورّم في قدمها يسمى طبياً «كيس مصلي» سببه نقص النظافة ونقص التغذية.. تحتاج غاردينيا لعملية استئصال الكيس منذ عام، وهو لم يترك مشفى عاماً إلا وراجعه دون جدوى.. العملية تكلف حوالي الـ20ألف ليرة سورية وهو لايقدر على ذلك.. قال له الأطباء قبل سنة: إذا لم تسارع لإجراء العملية لها فستؤثر على شرايين القدم والساق..!
حكاية الطفلة التي ماتت من الجوع قبل شهر
أيضاً حدثنا الناس هنا عن وفاة «طفلة» الشهر الماضي من الجوع.. سألنا عن مكان سكن أهلها.. والدة الطفلة قالت: بدأت بنقص التغذية ثم جفاف وكنا نعالجها بأدوية من الصيدلية لأننا لم نقدر على مراجعة الطبيب، ثم راجعنا الأطباء فكتبوا لنا أدوية لم نستطع شراءها، ثم حاولنا مراجعة المستشفيات فلم يكن لدينا واسطة.. ثم ماتت!.
والد الطفلة المتوفاة ينام في النهار ويعمل في الليل سائقاً على تكسي.. استيقظ من نومه وحدّثنا.. يقول عبود الجاسم والد الطفلة: أصبت بالديسك بسبب التحميل والعتالة، فلم أعد أستطع العمل في البحص والرمل ، فبدأت العمل كسائق على تكسي من الساعة الرابعة عصراًحتى الثانية فجراً، وحيث ان الاتفاق مع صاحب السيارة يتضمن مبلغاً مقطوعاً له هو (500 ليرة) فإن هذا المبلغ إضافة الى مصروف البنزين يجعلني لاأعود بأكثر من (50ليرة أو 100 أو 200) وأحياناً أدفع من جيبي!
عبود عليه ديون بما لايقل عن 80 ألفاً ولديه ستة أولاد جميعهم غير متعلمين.. يحكي لنا كيف جمع (النشامة) مبلغاً استطاع به أحد أقاربه أن يأخذ الطفلة المتوفاة الى قريتهم الأصلية لدفنها.. إذاً والد الطفلة لم يحضر دفنها في القرية كما أنه لم يزر قريته ولم يرَ والده ووالدته المقيمين فيها منذ أكثر من سنتين والسبب (هرباً من أصحاب الدين) الذين يتوعدونه في القرية!
لماذا بكى الختيار أبو شبلي؟
ـ الختيار أبو شبلي مصاب بالشلل وطريح الفراش في هذا المجمع منذ سنوات، أولاده الكبار تزوجوا وكلهم عاملون في التحميل والعتالة وكذلك ابنه الأصغر الذي يسكن عنده مع بقية أبنائه الصغار ويحتاج أبو شبلي لما لا يقل عن ألف ليرة شهرياً ثمناً للأدوية إلا أن ما يأتي به ابنه الأصغر لا يكفي للخبز كما يقول... ويبكي الختيار عندما يتذكر أن موعد التحاق ابنه بالخدمة العسكرية اقترب ولذلك يقول: سنموت من الجوع!
17 شخصاً في هذه الغرفة
عيسى العلي عمره (56) عاماً سمع أن الصحفيين يتجولون على مساكن اللاجئين من المغمورين ولحقنا إلى البنتاغون على دراجته الهوائية حيث يعمل نباشاً وملتقطاً البلاستيك منذ عام 1988 بعدما ذهبت أرضه في السد.
دعانا لزيارة الغرفة الخشبية الاسمنتية التي يسكنها هو وأولاده وأسرته المكونة من (17) شخصاً في غرفة واحدة، وقد التقينا أطفاله الثمانية الذين تركو الدراسة وبدؤوا يعملون في التقاط البلاستيك وبيعه.. كما أنكم ترون عبر الصور المزيد..
سأعلم أولادي الشحاذة
في ساحة عين ترما التقينا في يوم آخر أكثر من خمسين شخصاً من المغمورين ينتظرون طالب «عامل».. الموجودون هنا فيهم أكثر من عشرة لم يخدموا العسكرية رغم مضي سنوات على وجوب اتباعهم لدورات السوق والسبب: لا يوجد معيل.. نسبة عالية أيضاً مصابون بالديسك حوالي (25) شخصاً.. جميع أطفالهم خارج المدارس.
ـ ماذا تأكلون مع عائلاتكم:
محمد علي الأحمد: أسكن مع أهلي وأطفالي الثمانية في غرفة على الهيكل ضمن بناية وأجارها الشهري ألفا ليرة (هل قلت على الهيكل؟) (نعم)... ويضيف: ولذلك صدقني إذا قلت لك أحياناً نكتفي بالخبز أو ننام بلا أكل.
ـ البارحة كدنا نقضي اليوم كله بلا أكل لولا أن تصدق علي أحد الخيرين ببعض البطاطا.
ـ إبراهيم المصطفى: اسرتنا مؤلفة من 40 شخصاً جميعهم مشردون في الساحات وأطفالهم مشردون في الطرقات.. كم ولداً عندك (خمسة) ـ هل ستعلمهم في المدارس (سأعلمهم الشحاذة وسأوصيهم أنهم إذا قبض عليهم ذات يوم ،وظهروا في برنامج الشرطة في خدمة الشعب وسألهم المذيع: هل أنت نادم؟ عليهم أن يقولوا: لا.
خيم شيوخ العشائر..
ذكر لنا أن بعض شيوخ العشائر (سابقا) وبعد أن مال بهم الزمن وذهبت أراضيهم جاؤوا إلى هنا أيضاً ونصبوا خيمتهم ضمن البنايات السكنية في عين ترما.
زرناهم والتقيناهم في خيمتين من خيش بين عمارتين يقول أحد هؤلاء الشيوخ السابقين: نستأجر مكان الخيمة بـ ثلاثة آلاف ليرة سورية شهرياً (عفواً ماذا قلت؟!) (نعم كما سمعت).. يضيف مصطفى: جميع الرجال هنا مصابون بأمراض بسبب العمل (ديسك، قلب، ثقب معدة بعد رفع حمل ثقيل) ولذلك فبعد أن كان الشيوخ يرفضون السماح لنسائهم بالعمل يقول مصطفى: أصبحت نساؤنا هن من يعملن عند الناس في الزراعة وغيرها وبيومية لا تزيد عن 200 ليرة وكثيراً ما تكون (50) أو (100).. ويضيف بألم: أحياناً تأتينا نساؤنا باكية مجروحة ولا يرضين ذكر السبب لأنهن يخشين أن نمنعهن من العمل إذا ذكرن المضايقات..
إحدى النساء تذكر لنا بعض المضايقات: «اعملي يانورية»...!
أربعة آلاف شخص في مخيم أوتايا
مخيم «أوتايا» نسبة إلى منطقة أوتايا في ريف دمشق هو أكبر المخيمات التي يسكنها المغمورون القادمون من مئات الكيلومترات، أحصينا عدد الخيمات فبلغ تقريباً (400) خيمة بمعدل حوالي (4000) ساكن فيها، فيهم ما يزيد عن (1500) طفل جميعهم بلا مدارس، كان آخرهم عدداً من الأطفال الذين حاول أهلهم تدريسهم في مدارس المنطقة المحيطة لكنهم تركوا المدرسة واحداً بعد الآخر بسبب مضايقات زملائهم الذين ينادونهم «يا نور»...
ولذلك الآن ترون الطفل محمد خير 14 عاماً يعمل بتحميل الرمل على ظهره بعد أن أصاب الديسك ظهر والده ومعظم كبار السن هنا!.
ـ أحمد طالب صف تاسع يذهب وأخته للدراسة في قريته الأصلية ويعود أيام العطل هرباً من مضايقات أبناء المنطقة.
ـ يحدثنا أحد كبار السن: بسبب الرطوبة شتاء والحر صيفاً فالجميع لا يخلو من أمراض وجراثيم، وإليكم نموذج عبر الصور ( مع ملاحظة أن الأهل يعالجونها بمعرفتهم محلياً دون حاجة لمراجعة طبيب!).
ـ أيضاً من اللافت وبسبب إصابة الرجال بالديسك وعجزهم عن العمل فإن العمل يعتمد على النساء واللاتي أصبحت يعلن الأسر ما حدا ببعض الآباء لعدم تزويج فتياتهم رغم بلوغهن سناً متقدمة لتبقى تعيل الأسرة وإليكم هذه المرأة التي بلغ عمرها أربعين عاماً!
ـ اشتكت لنا النساء بالجملة ظلم أصحاب العمل وتحكمهم بهن، فقد يتفق معهن على مبلغ معين ثم يتراجع في نهاية العمل ولا يحق لها الاعتراض وإلا تحرم من العمل في المرة القادمة.
ـ أحد أصحاب العمل تحدثنا إليه فأكد أنه يشغل العاملات ثماني ساعات فقط (طبقاً للقانون) وبمبلغ لا يقل عن (300) ليرة.. لكن بعدما ذهب.. قالو لنا: (كاذب) العمل من 6 صباحاً إلى 6 مساءً والمبلغ (150) ليرة.
رواية عبد السلام العجيلي
دعوني بالله عليكم أختم بهذا الخبر: أصدرت وزارة الزراعة قراراً بتاريخ 1/2/2006 شكلت بموجبه لجاناً مهمتها تقدير التعويضات عن الأراضي المستولى عليها أيام التأميم في عام 1963 (والعائدة للاقطاعيين الكبار).. لكن الوزارة لم تتذكر هؤلاء الدراويش الذين أكل إنجاز السد أراضيهم وما زالوا رهن التشرد ينتظرون التعويض.. وطبعاً يمكننا أن نتذكر أن قصة المغمورين وانتظارهم للتعويض كانت أمراً لافتاً شغل كتابنا وصحفيينا عبر السنين بدءاً بسد الفرات ولذلك فقد كانت رواية الراحل الكبير عبد السلام العجيلي «المغمورون» تذكر ما نصه: «المغمورون، ظلمتهم الطبيعة فلجؤوا إلى الدولة لكنها رمتهم بظلم أشد»
حمود المحمود
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد