معرض «الفروسية في عالم الإسلام» في باريس
تحت عنوان «الفروسية في بلاد الإسلام» تعرض «مؤسسة فن الفروسية» مجموعة أسلحتها التي لا تقدر بثمن في متحف معهد العالم العربي (باريس)، وذلك حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر).
كوميسير (مفوض) المعرض هو نفسه بشير محمد المسؤول العلمي والناطق بلسان مجموعة المؤسسة المذكورة. يؤكد انها أقتنيت عبر عقود لتمثل نماذج نخبوية معروفة يقع تاريخها ما بين القرن الثامن للميلاد والقرن التاسع عشر، وأن مجموعة الأسلحة التراثية هذه تمثل نماذج نموذجية ثقافية جمالية بمستوى صناعي وتقني وأدائي معدني استثنائي، بما يعكس روح الصناعة الخيميائية – السيميائية العربية الإسلامية، وبما يتجاوز في بعده الروحي الوظائف النفعية سواءً العسكرية منها أم الاحتفائية، تماماً كما هي الصناعات النخبوية في السجاد والسيراميك. كانت تستخدم بين ساحات الجهاد ومساعي الصيد الملكي، محققةً استعراضات اللهو مثل «ألعاب البولو» وفنون الحرب من كرّ وفرّ وتجمع وتفرق استراتيجي.
هو ما يعكس برأيه الثقافة العربية الإسلامية بشقيها الرسمي – العسكري والروحي التصوفي (أو النقابي) من جهة أخرى، ذلك أن مفهوم «النقابة» والصناعات الروحية يرتبط بالفرق التصوفية مثل البكداشية والنقشبندية أو الشازلية وغيرها، يتراوح بين الشقين: الإشارات والكتابات المحفورة أو المصكوكة على هذه الصناعات، من أمثال الآيات القرآنية أو لفظ الجلالة، الأحاديث الشريفة أو ذكر اسم الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) أو الصحابة، خصوصاً الإمام علي، مع سيفه المشطور الى نصلين «ذو الفقار»، وبعض من نماذجه القديمة محفوظ في متحف «طوب قابو» في اسطنبول.
ندرك في هذا المقام الفرق الرهيف بين معنى «الفارس» المشتق من «الفرس» و «الفتوة» المتناسلة من معنى «الفتى». ترتبط الأولى بالأمن الشرعي السلطوي واستتبابه وضمان سلطة الحاكم من خليفة الى والٍ الى أمير حيث تتوارث السيوف التقليدية السلطانية. وترتبط الثانية بالفرق الصوفية ومقاومة الأشرار ونصرة الفقراء والمستضعفين في الأرض. نجد أن بعض تصاميم الخوذ الحربية يقترب من عمائم شيوخ الطرق.
كشفت رسوم المخطوطات عبر هذه القرون (المنمنمات) أبعاد «فن الفروسية» بمعنى فن الحرب أو الصيد وتربية الأحصنة وأنواعها وطبابتها وكذلك تربية الصقور والنسور وفنون المبارزة والرمي بالسهام أو الرماح وقذف المنجنيق وحصار المدن واستعراضات التجمّع العسكري في الساحات... تحفل كلها بإشارات الأسلحة ورموزها، من حيوانات شعارية (مثل الأسد أو النمر والفرس أو التنين أو الصقر) وصولاً الى المربعات السحرية والأوشام الباطنية والإلماحات الروحية. وذلك خصوصاً منذ الفترة العباسية في بلاطات بغداد الى سقوط الخلافة على يد هولاكو والمغول.
يعانق المعرض شتّى الطرز في شتّى المواقع والأزمان ضمن خريطة صناعة الأسلحة الإسلامية، مشتملاً على مئات الخناجر والسيوف والأسهم والرماح والخوذ والدروع وبقية الألبسة والأدوات الحربيّة بما فيها الأقنعة. هي الأسلحة التي سبقت استخدام البارود وإطلاق النار في نهاية القرن التاسع عشر، (والتي استثمرتها الدولة العثمانية). وهذا المعرض الثاني في المعهد للفروسية، هذه المرة اختص بالأدوات الباقية من العهود الفارسية (الإلخانية أو التيمورية أو الصفوية)، ومن الهند المغولية أو الدولة العثمانية، متجاوزاً أهمية هذه الصناعة في المشرق العربي ما بين دمشق والقاهرة مروراً ببغداد وقرطبة ثم المغرب الغربي، وليس أدل على أهمية هذه الحلقة من العبارة المكررة في المعرض نفسه: السيوف المدمشقة وهي التي تعود صناعتها الى زهو معادن «السيوف الدمشقية» تقنياً، والتي ما زالت أسرارها (مثل فن التحنيط) مغلقة حتى اليوم. وعلى رغم أن هذا السؤال يمثل ثغرة صريحة في المعرض (على رغم الإشارة الى ازدهار فن الفروسية في العهود المملوكية ما بين 1250 و 1517م)، فإن المعرض لا يمكن تجاوز أهمية مادته من الناحيتين التاريخية والفنية.
أسعد عرابي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد