علي سفر : بهللة الشعراء وبهدلة الشعر على الفضائيات العربية
لم يكن ينقص الشعر العربي الفصيح والنبطي من المآسي والاحباطات سوى أن تلتفت إليه الفضائيات العربية الرسمية والخاصة وباهتمام غير مسبوق، كي تحوله إلى سلعة إعلامية، يصنع لها الترويج وتفرد لها الديكورات الفخمة وتضاف إليها عناصر التشويق والإثارة ولتشبه في النهاية وفي الكثير من النواحي مباريات المصارعة الحرة الأمريكية التي نشاهدها هذه الأيام.
فبعد تجربة 'شاعر المليون' التي نجحت في قناة أبو ظبي بسبب تقديمها لعدد من الشعراء الخليجيين الشباب ممن يقرضون الشعر النبطي، والتي تم تسويقها خليجياً دون أن تصل شظاياها للبلدان العربية الأخرى، قفزت إلينا فجأة وبلا مقدمات عدة مسابقات ذات طابع تجاري وحملت الاسم ذاته كان نموذجها برنامج يحاول مجاراة نموذج 'شاعر المليون' الإماراتي ولكن بشكلٍ يغيب عنه الإمتاع والتشويق اللذين تحلى بهما البرنامج السابق..!
حتى وصلنا إلى تجربة 'أمير الشعراء' التي تشرف عليها شركة بيراميديا التي تديرها الإعلامية المصرية نشوة الرويني، وقد تخصصت هذه المسابقة بالشعر العمودي وشعر التفعيلة واستبعدت وبشكل فج قصيدة النثر العربية، والتي أمست نمطاً شعرياً غير قابل للإلغاء بعد التجارب المهمة والراسخة التي أنجزتها فيه قامات شعرية عربية مهمة..
لقد تورط في هذه المسابقة عدد من الأسماء المهمة في عالم الثقافة العربية، ونقول تورط لأن ما يحدث في البرنامج ولاسيما طريقة تقييم الشعر من قبل لجنة التحكيم المشكلة من هذه الأسماء أشد سذاجة من القصائد التي يلقيها الشعراء الذين يستعيدون في أشعارهم وطريقة إلقائهم أصواتاً شعرية معروفةً في الثقافة العربية..!
سذاجةٌ تقود إلى مشهد كوميدي طويل يلعب فيه الممثلون أدوارهم بلا توجيهات إخراجية، سوى ما اتفق جميع المشاركين عليه وبشكل ضمني من ضرورة صناعة الـshow الذي يقتضي أن يكون المؤدي (الشاعر أو المحكم) مسلياً وصاحب 'إفيهات' وأن يقوم الشاعر على الخشبة بفعل المطلوب منه كي يرضي اللجنة والجمهور المتراكم في الصالة وكذلك الجمهور القابع أمام الشاشة والذي سيؤدي دوره أيضاً عبر رسائل الـ SMS..
طبعاً لا تخلو المسرحية الكوميدية هاهنا من توابل ضرورية للمشاهد الذي لا يحب الشعر وربما لا يفهم منه شيئاً، ولهذا يتوجب أن يحضر أحد نجوم الغناء العرب كي يغني ويطرب ويزيد في الصهبجة حتى وإن كان يغني عبر التسجيل من دون فرقة..!
وعليه فإن عناصر العرض تتكامل ولنحصل في النتيجة على عمل تلفزيوني عربي متقن من حيث توفر جميع عناصر التشويق من نجوم هم أعضاء لجنة التحكيم ومتسابقين يتبارون في دقة تقليد كاريزما الشعراء الفحول ومطربين رديئين وكذلك المصفقين والهتيفة..!!
هذا المشهد الكوميدي تنبع مأساويته من كونه يمر في مناخ ثقافي عربي يعاني من غياب الحقيقي فيه، وكذلك من سيطرة رأس المال الجاهل والتجهيلي عليه من جهة أخرى، فكما يصبح الفعل الثقافي الرسمي عادياً وباهتاً يلجأ أصحاب الفضائيات إلى تلميع عناصره العادية ونفخها ومحاولة ضخ الروح فيها كي تناسب المأمول من الأرباح المتوقع جنيها عبر مشاركة جمهور لا علاقة له بالفعل الثقافي..!
ولعل المأساة تتكامل حقيقةً في صورة الشاعر التي تقدمها برامج مسابقات الشعر على الفضائيات العربية تشبه تماماً تلك الصورة الهزلية التي دأبت الدراما السورية على وضع الشاعر الحداثوي ضمن إطارها فهو مختل وغير سوي ويستحق أن يكون بهلول المسلسل..!!
ولكن الشيء المختلف هاهنا أننا لم نعد نعرف مَن مِن أطراف المعادلة هم البهاليل؟
هل هم الشعراء أم لجنة التحكيم أم الجمهور الحاضر في الصالة أم الذي يتابع على الشاشة؟
أم إن الجميع هم سكان مشفى البهاليل الذي يديره بعض أصحاب الفضائيات المثقفون من هذا المقاس!!
علي سفر
المصدر: جريدة بلدنا
إضافة تعليق جديد