التسريبات الأميركية للوثائق الإسرائيلية
يقول سكوت ريتر، ضابط استخبارات سابق في قوات المشاة البحرية الأميركية، إن الوثائق التي سُربت عن الاستعدادات الإسرائيلية لشنّ هجوم على إيران “تقدم لمحة قبيحة عن مستقبل مظلم”.
وإن من سرَّب تلك الوثائق “قدَّم لنا (الأميركيون) كرة بلّورية تكشف لنا ما يمكن أن يحدث. ومن واجبنا أن نضمن عدم حدوث ذلك أبداً.. أو أن نستعد لحصد ما زرعناه، لأن مستقبل أميركا على المحك”، مع تشديده على أن إسرائيل “تقامر.. وستفشل”. فماذا يقول ريتر في تحليله الاستشرافي عن تلك الوثائق؟ أثار تسريب وثيقتين سرّيتين للغاية، تبين بعد فحصهما أنهما تحتويان على معلومات استخباراتية أميركية حسَّاسة حول الاستعدادات الإسرائيلية لشن هجوم على إيران، عاصفة من الجدل داخل الولايات المتحدة.
وفي حين تسعى “أجهزة إنفاذ القانون الأميركة” جاهدة لاكتشاف مصدر التسريب، لا يبدي الساسة الأميركيون، ولا حتى عامة الناس في أميركا أي اهتمام يُذكر إزاء العواقب المترتبة. فقلق هؤلاء الرئيسي مصدره المعلومات التي تحتويها تلك الوثائق- وهي أن إسرائيل تحضّر فعلاً لخطة هجوم كبير (تم إلغاؤها) من شأنه أن يتسبب بحرب إقليمية- وربما عالمية قد تؤدي بدورها إلى استخدام الأسلحة النووية.
بحسب الوثائق الاستخباراتية المُسرَّبة، كانت إسرائيل تستعد لمهاجمة إيران بنحو 40 صاروخاً باليستياً من طراز ROCKS (يبلغ مداه أكثر من 500 ميل)، إلى جانب 16 صاروخاً باليستياً من طراز Golden Horizon (يبلغ مداه نحو 1200 ميل) والتي يبدو أنه الصاروخ نفسه الذي يُعرف باسم Blue Sparrow، وهو نسخة معدلة لصاروخ مستهدف طورته إسرائيل لمحاكاة صاروخ “شهاب 3” الباليستي الإيراني. ويبدو أن إسرائيل تستند على الضربات الجوية التي تنفذها ضد لبنان وسوريا بشكل يومي لتوفر غطاءً مثالياً لشنّ هجوم على إيران تريده أن يكون “كاسحاً”.
فتلك الضربات تستهدف مواقع الدفاعات الجوية السورية (في جنوب البلاد) لشق طريق عبر المجال الجوي السوري يمكن للطائرات الإسرائيلية استخدامه لاختراق غرب العراق، حيث يمكن إطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى على إيران. ويبدو أن هذا هو التكتيك الذي استخدمته إسرائيل في التاسع عشر من نيسان/إبريل الماضي، عندما تعدت صواريخها الباليستية من طراز ROCKS ALBM – التي استهدفت بها مواقع للدفاع الجوي السوري في جنوب سوريا- الحدود، وتخطت العراق، وأصابت بطارية نظام دفاع جوي إيرانية، من طرازS-300، خارج أصفهان.
وتستخدم الصواريخ الباليستية من طراز ROCKS ALBM معززات من طراز “بلو سبارو”، وقد عُثر على أحدها في حقل في جنوب بغداد في أعقاب الهجوم. أهداف كبيرة وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل؛ ومن خلال نماذج الصواريخ التي تعمل على تجهيزها؛ كانت تستعد لاستهداف مُنشآت إنتاج عسكرية كبرى في محيط طهران (مثل منشأة إنتاج صواريخ “بارشين”، والمجموعة الصناعية العسكرية “شهيد هيمات”).
كما كانت تستعد لتوجيه ضربة قاضية ضد القيادة الإيرانية (شخصيات ومقار وأهداف) في طهران وضواحيها. وإلى جانب الهجمات بالصواريخ الباليستية المضادة للصواريخ الباليستية، كانت تخطط لإستخدام الطائرات الحربية المسيَّرة المزودة بأسلحة وقذائف لتنفيذ مهمات سرّية ضد الأهداف المتحركة خلال الوقت الفعلي للاشتباك – إذا لزم الأمر. وعلى ما يبدو من الوثائق المسربة، كانت إسرائيل تريد تنفيذ خطة تُحاكي الهجوم الذي شنَّته الولايات المتحدة في اليوم الأول من عملية “عاصفة الصحراء” (*) ضد الأهداف العراقية الثمانية في محيط بغداد، عندما استخدمت 35 صاروخاً من نوع “كروز” تم إطلاقها من الجو، أصابت (أغلبها) منشأة لإنتاج وتخزين الصواريخ في منطقة التاجي (شمال البلاد). فإذا كانت طهران هي الهدف، ستحتاج إسرائيل إلى تحييد أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على طول مسار الهجوم الذي تخطط له.
وإذا كرَّرت إسرائيل نمط سلوكها السابق، فإن سرباً كبيراً من طائرات “إف-15 آي”، المدعومة بطائرات “إف-16 آي”، التي من شأنها صد الدفاعات الجوية السورية، ستخترق غرب العراق عبر سوريا، وستدخل غرب العراق. وسيتم إطلاق الدفعة الأولى من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى- على الأرجح من نوع ROCKS -، وستكون أهدافها المقصودة هي الرادارات المرتبطة بالدفاع الجوي الإيراني الواقعة على طول مسار الهجوم. وستكون الصواريخ النهائية التي سيتم إطلاقها هي صواريخ “بلو سبارو/غولدن هوريزون”، والتي ستضرب أهدافها في طهران وحولها. إذا شنَّت إسرائيل “ضربة قاضية” ضد إيران فستفشل على الأرجح، لكن الهجوم الإيراني المضاد سوف يكون في محله تماماً.. وسيصبح الرد النووي الإسرائيلي محتملاً وقد تشمل هذه الأهداف مقار سكن/ أو عمل كبار القادة الإيرانيين، ومن بينهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله السيّد علي خامنئي، فضلاً عن المباني المرتبطة برموز الحكومة، مثل مجلس صيانة الدستور، ووزارة الاستخبارات، ومقر الحرس الثوري. افتعال تمرّد ضد النظام ولكن هناك إمكانية لضرب هدف إضافي.
ففي 30 أيلول/سبتمبر الماضي – أي بعد ثلاثة أيام من اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ــ ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطاباً باللغة الإنكليزية، مدته ثلاث دقائق، موجهاً حديثه إلى الشعب الإيراني، هدَّد فيه أنه “ليس هناك مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه. ولا يوجد مكان لن نذهب إليه لحماية شعبنا وبلدنا”. واتهم نتنياهو، في خطابه، الحكومة الإيرانية بأنها تدفع بالإيرانيين “إلى الهاوية”، مضيفاً “لن يكون هناك سلامٌ إلا عندما تصبح إيران حرَّة.. وهذا ما سيحدث وفي وقت أقرب بكثير مما يعتقد الجميع”.
هذا يعني أن إسرائيل كانت تخطط لأن يتبع “الضربة القاضية” تحريض الشعب الإيراني على الثورة ضد النظام، وذلك بالتنسيق مع الكيانات المناهضة للنظام (مثل منظمة مجاهدي خلق والحركات الاستقلالية الكردية والأذرية والبلوشية والعربية) التي تعمل بتوجيه مباشر منها ومن واشنطن، بالإضافة إلى جهات فاعلة إقليمية أخرى. يُذكر أنه في أيلول/سبتمبر 2023، حاولت إسرائيل، ووكالة المخابرات المركزية الأميركية ومنظمات استخباراتية أجنبية أخرى مُعادية لإيران، تنفيذ “تمرد” مماثل ضد نظام طهران، عندما استغلت حادثة وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة الإيرانية. يومها خرجت تظاهرات محلية، بدت أول الأمر وكأنها احتجاج على ما أصاب أميني، لكنها ما لبثت أن انفجرت إلى تمرد صريح أودى بحياة حوالي 550 متظاهراً ونحو 70 من أفراد الأمن الإيرانيين قبل أن يتم قمع الاحتجاج بالقوة. وبرأي أن إسرائيل؛ ومن معها؛ سوف تسعى إلى تكرار إفتعال مثل هذا “التمرد” كلما سنحت لها الفرصة.
مقامرة خاسرة إن احتمالات نجاح إسرائيل في تنفيذ “ضربة قاضية” ضئيلة. والجماعات؛ التي تأمل إسرائيل أن تثور ضد النظام الإيراني؛ أصبحت ضعيفة بفعل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإيرانية بحقها مؤخراً. علاوة على ذلك، فإن تركيز إسرائيل على “قطع الرأس” لن يكون كافياً لمنع إيران من شنّ هجوم انتقامي ضخم بالمقابل. فالقيادة الإسرائيلية تعتقد أن عزم إيران على الرد والانتقام سيتضاءل بمجرد القضاء على كبار قادتها. ولكن هكذا اعتقاد ليس سوى مقامرة ثقيلة.
فإسرائيل تخاطر كثيراً بتعريض نفسها لأضرار كبيرة من شأنها أن تهدد وجودها كله، ذلك أن إيران أيضاً تخطط لضربة انتقامية محكمة إن تعرضت لأي هجوم. لقد أشارت الاستخبارات الأميركية إلى أن قدرة الردع النووي الإسرائيلي، في هيئة “صواريخ أريحا”، لم تكن جاهزة للعمل. ولكن هذا لن يكون الحال إذا شنَّت إيران هجمات صاروخية ضد إسرائيل تهدد وجودها ذاته. وهذا هو السيناريو الذي تم من أجله إنشاء “خيار أريحا” الإسرائيلي (أي القدرة على امتلاك الأسلحة النووية). والحقيقة هي أنه إذا نفذت إسرائيل، ما تقول إنها “ضربة قاضية” ضد إيران، فمن المرجح جداً أن تفشل.
لكن الهجوم الإيراني المضاد (المتوقع) سوف يكون في محله تماماً. وعند هذه النقطة يصبح الرد النووي الإسرائيلي محتملاً. لذلك، يجب على الأميركيين أن يستوعبوا هذه الحقيقة بينما يتأملون معنى ومغزى الوثائق الاستخباراتية المسرّبة. فإذا كان الغرض من التسريب هو إيقاظ وتنبيه الشعب الأميركي، وبالتالي الحكومة الأميركية، بشأن الخطر الكبير المرتقب من توجيه “ضربة قاضية” ضد إيران، يبدو – مع الأسف- أن المهمة فشلت حتى الآن. وفي هذه الحالة، علينا أن نكون – كأميركيين- جاهزين لأن نحصد ما زرعناه.
استيقظي يا أميركا.. مستقبلك على المحك.
180 بوست
التعليقات
تحليل منطقي يحاكي واقع مفترض…
تحليل منطقي يحاكي واقع مفترض كما تخطط له الصهيونية العالمية (الماسونية)... لتحقيق أهدافهم واستمرار بقاء الاحتلال الصهيوني موجود في فلسطين المحتلة والعمل المستمر لبناء "حدودك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل"...
والدليل: من يقود أميركا هي اسرائيل (الماسونية)... ومن يخطط هي بريطانيا... والمنفذ دول الناتو بقيادة أميركا... إذ قال أحد الضباط ألأميركان: نحن في أميركا نصنع العدو ونحاربه (هذا صحيح)... وكيسنجر قال: نحن في أميركا لا يهمنا حل أي مشكلة في العالم ما يهمنا هو مسك خيوط أي مشكلة وتحريكها بما يناسب الأمن القومي الأميركي...
* أختم: بالمطلق بقاء شعوب الغرب واستمرار حياتهم بالرفاهية وكل من يتبع لهم وله ارتباطات وثيقة مع الصهيونية العالمية (الماسونية) وتحكمها بالشعوب الأخرى مرتبط بخلق واستمرار الفوضى والنزاعات والحروب والصراعات والنزاع الطائفي والقبلي والعشائري بين تلك الشعوب... مع اعتماد الصهيونية العالمية عسكرياً على جيوش دول حلف الناتو وسياسياً على منظمة الأمم المتحدة بكافة فروعها ومنظماتها ومجالسها لتنفيذ سياستها وبسط سيطرتها على أي دولة تخالف سياستها الخارجية وبالتالي محاربتها وتغيير نظام الحكم في تلك الدول تحت مسمى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان علماً أن تلك الشعارات عبارة عن كذبة كبيرة... إلخ...
إضافة تعليق جديد