الأموال السورية في الخارج: فرصة البلاد نحو التعافي
في السنوات الأخيرة، كثر الحديث حول حجم الأموال السورية التي تم استثمارها في الخارج، خاصة مع التقارير التي تشير إلى تصدر السوريين قوائم الدول العربية والأجنبية من حيث عدد وقيمة المشاريع الاستثمارية المرخصة.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل حقيقتين رئيسيتين:
الحقيقة الأولى هي أن ما بعد عام 2011 شهدت سوريا موجة كبيرة من هجرة رؤوس الأموال نحو الدول المجاورة والإقليمية. وقد تجلى هذا النزوح على مراحل، ورافقه خروج عدد كبير من الصناعيين السوريين إلى هذه الدول، وتوقف العديد من المصانع والمنشآت الإنتاجية بشكل جزئي أو كلي.
هذا إضافة إلى البيانات التي تنشرها بشكل دوري الهيئات الاستثمارية وغرف التجارة والصناعة في تلك الدول، والتي تؤكد زيادة ملحوظة في عدد المستثمرين السوريين والشركات التي أسسوها.
الحقيقة الثانية تتعلق بتقديرات حجم الأموال السورية المستثمرة في الخارج اليوم. فالأرقام المتداولة حول هذا الموضوع ليست مبنية على دراسات علمية دقيقة أو مسوحات إحصائية، وإنما تعتمد على اجتهادات الباحثين والاقتصاديين.
كما أنه لا توجد بيانات رسمية من الحكومة السورية حول عدد المنشآت التي تم نقلها للخارج أو تلك التي تم تأسيسها هناك، مما يعني عدم وجود تقديرات دقيقة يمكن الاعتماد عليها.
ومع ذلك، من الممكن التطرق إلى بعض الحقائق والمعلومات التي تسلط الضوء على هذه الظاهرة، بدءًا من حجم الاستثمارات السورية قبل الأزمة وأثر الحرب وما تبعها من موجات هجرة كبيرة، إلى جانب بعض الأزمات الاقتصادية الإقليمية التي كشفت عن وجود استثمارات سورية مفاجئة.
ظاهرة قديمة
محاولة جذب رؤوس الأموال السورية المستثمرة في الخارج لم تكن وليدة الأزمة. فقد كانت من أولويات السياسات والبرامج الإصلاحية التي اتبعتها الحكومات السورية خلال العقدين الأخيرين قبل الأزمة، بدءًا من قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، وصولًا إلى السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مجالات متعددة مثل المصارف، وشركات التأمين، والجامعات كما تم تحرير التجارة الداخلية والخارجية.
آنذاك، كانت التقديرات تشير إلى أن حجم الأموال السورية المستثمرة في الخارج يصل إلى نحو 60 مليار دولار. ورغم عدم وجود تأكيد رسمي لهذا الرقم، إلا أن التحولات الاقتصادية التي مرت بها سوريا على مدار عقود تجعل هذا الرقم يبدو معقولًا. ومن أبرز هذه التحولات:
وفقًا لدراسة حكومية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية في عام 2008، شهدت سوريا ثلاث موجات هجرة رئيسية خلال أكثر من 100 عام. وقد تضمنت تلك الموجات أصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن فرص استثمارية أفضل.
خلال فترات التأميم التي بدأت في أواخر الخمسينيات والستينيات، خرجت أموال سورية كبيرة إلى الخارج، وخاصة إلى لبنان، نتيجة السياسات الاقتصادية التي دفعت أصحاب رؤوس الأموال للبحث عن ملاذ آمن لاستثماراتهم.
في العقود الأخيرة، كانت المصارف اللبنانية وجهة للكثير من الأموال السورية، لا سيما نتيجة العقوبات الغربية والبيروقراطية الحكومية في سوريا.
نزوح رؤوس الأموال بعد 2011
مع بداية الأزمة في عام 2011، بدأت موجة نزوح جديدة لرؤوس الأموال السورية، حيث شهدت البلاد خروجًا كبيرًا للأموال الشخصية والاستثمارية.
هذه الهجرة يمكن تقسيمها إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: مع بداية الأزمة (2012-2015)، ومع تصاعد العنف وظهور الفصائل المسلحة، هرب العديد من الصناعيين والتجار السوريين بأموالهم إلى الخارج بعد أن سيطرت الجماعات المسلحة على العديد من المناطق ونهبت المصانع والمستودعات.
المرحلة الثانية: مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في سوريا اعتبارًا من عام 2020، وجد العديد من رجال الأعمال أنفسهم أمام خيارين: إما البحث عن بيئة استثمارية أفضل في الخارج أو تأسيس شركات رديفة في الخارج لتقليل الخسائر المحتملة.
ما هو حجم الأموال المستثمرة؟
رغم تضارب التقديرات حول حجم الأموال السورية المستثمرة في الخارج، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن إجمالي هذه الأموال يتراوح بين 100 مليار دولار و400 مليار دولار ومن بين المؤشرات الدالة على هذا التقدير:
الحوالات الخارجية: وفقًا لتقديرات رسمية، كانت قيمة الحوالات الواردة إلى سوريا قبل الأزمة تتراوح بين 7 و9 مليارات دولار سنويًا. ومع استمرار هذه الحوالات خلال فترة الأزمة، فإن إجماليها قد يصل إلى نحو 39 مليار دولار بين 2011 و2023.
الأزمة المصرفية في لبنان: كشفت الأزمة المالية اللبنانية عن وجود ودائع سورية كبيرة في المصارف اللبنانية، تقدر قيمتها بين 10 مليارات و45 مليار دولار.
الاستثمارات السورية في الخارج: تشير بعض التقارير إلى أن الاستثمارات السورية في تركيا وحدها تجاوزت 10 مليارات دولار، مع زيادة هذه الأرقام في دول أخرى.
التحدي القادم
بغض النظر عن دقة الأرقام، فإن الثابت هو أن حجم الأموال السورية المستثمرة في الخارج كبير جدًا، ويتجاوز عشرات المليارات من الدولارات.
لذلك، يبقى التحدي الأساسي أمام الحكومة السورية المقبلة هو تحسين بيئة الأعمال المحلية وتقديم ضمانات كافية لجذب تلك الأموال للاستثمار في الداخل، للمساهمة في تنشيط الاقتصاد ومرحلة التعافي.
الميادين نت
إضافة تعليق جديد